دفع تفجير الآلاف من الأجهزة اللاسلكية التابعة لـ"حزب الله" من نوع "البيجر" و"أي في 82" خلال اليومين الماضيين، بالتوتر بين لبنان وإسرائيل إلى حافة الحرب الشاملة التي أمكن تجنبها منذ نحو عام، وأصابت شظايا التفجيرات غير المسبوقة، مهمتي المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، في مقتل.
التفجيرات التي نجم عنها سقوط أكثر من 20 لبنانياً بينهم أطفال، وجرح أكثر من ثلاثة آلاف، كانت رسالة إسرائيلية في اتجاهات متعددة. فعدا عن أنها الضربة الأكثر إيلاماً التي تصيب "حزب الله" منذ فتح "جبهة الإسناد" لغزة في 8 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، لا يغيب عن البال الشق السياسي المتعلق بالولايات المتحدة وجهودها المترنحة أصلاً للتوصل إلى هدنة في غزة، كمقدمة لا مناص منها لتهدئة بقية الجبهات.
رداً على قول هوكشتاين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن قرار "الكابينت" بتوسيع العمليات العسكرية نحو لبنان، لن يعيد سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم وقد يؤدي إلى حريق إقليمي كبير، أتت الضربة الإسرائيلية لتشكل مزيداً من الإحراج لإدارة الرئيس جو بايدن، وتنسف آخر المساعي الدبلوماسية للتهدئة.
لا يجمع نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي وأحزاب المعارضة على شيء، إلا على أن الحرب على "حزب الله" باتت ضرورة "وجودية" لإسرائيل، وأن الدبلوماسية قد نفدت لإعادة سكان المستوطنات. هذا ما أبلغه غالانت لنظيره الأميركي لويد أوستن الإثنين.
وفتح التوقيت الذي اختارته إسرائيل للتفجيرات الباب واسعاً أمام التكهنات: هل هي مقدمة لهجوم أوسع لا يستثني غزواً برياً وإنشاء حزام أمني يبعد قوات النخبة في "حزب الله" إلى شمال الليطاني؟ أم أن إسرائيل عمدت إلى التفجيرات كونها لمست اقتراب الحزب من اكتشاف الاختراق الكبير في أجهزة "البيجر" و"الأي في 82" فعمدت إلى تفجيرها؟ أم هي رسالة إلى "حزب الله" عن أن الثمن الذي يدفعه في مقابل ربط مصيره بغزة، سيكون أكبر من الآن فصاعداً؟
ثمة من يذهب إلى فرضية أخرى أيضاً: أرادت إسرائيل توجيه ضربات بهذا الحجم الكبير والعشوائي لـ"حزب الله" حتى تستدعي منه رداً، يعطيها مبرراً لشن حرب واسعة على لبنان. وثمة حديث عن اقتراب الحكومة الإسرائيلية من إعلان الشمال وليس غزة، الجبهة الأساسية للحرب، وهذا ما يترجم بتحريك بعض الألوية الإسرائيلية من القطاع إلى الحدود مع لبنان في الأيام الأخيرة وإعلان القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي جاهزيتها للتحرك براً. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من أسئلة ترد على لسان بعض السياسيين والجنرالات عما إذا كانت هذه هي اللحظة المناسبة للتحرك في اتجاه لبنان؟
ومقابل المسعى الإسرائيلي، يزن "حزب الله" خياراته في شأن الرد. وقبل تفجيرات الثلاثاء والأربعاء كان موقف الحزب مبدئياً ضد الذهاب إلى حرب شاملة. وأتى رد الحزب على اغتيال إسرائيل القائد العسكري فيه فؤاد شكر في تموز (يوليو) الماضي، رداً محسوباً ومنضبطاً تحت سقف الحرب الواسعة.
الآن، وفي مواجهة هذه الضربة الواسعة التي طاولت المئات من مقاتلي الحزب، تبرز الأسئلة الآتية: هل يتمهل في الرد ريثما يتعافى من الضربات؟ أم يتجه إلى رد آخر محسوب لا يعطي إسرائيل الذريعة لشن حرب أوسع؟ أم يعتبر أن الدولة العبرية قد تجاوزت كل الخطوط الحمر، باستهدافها مدنيين ومقاتلين على حد سواء في تفجيراتها، وتالياً يرد بضربة مماثلة، حتى لو أدت إلى تفجير شامل يعتبر أن إسرائيل هي من كانت البادئة فيه؟
الرد الأولي على التفجيرات، كان بتأكيد "حزب الله" مواصلة جبهة الإسناد لغزة، والتعهد بـ"القصاص" من إسرائيل على هجماتها.
في أقصى لحظات التوتر، لفت استدعاء أميركي بطريقة غير مباشرة إيران إلى التدخل لخفض التوتر، وذلك في معرض تحذيرها من التصعيد. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماتيو ميلر بعد ساعات من التفجيرات: "نحض إيران على عدم استغلال أي حادث من أجل إضافة مزيد من عدم الاستقرار وتسعير التوترات في المنطقة".
وإذا ما كانت إسرائيل قد حققت مكسباً تكتيكياً بهذه التفجيرات، فإن من المبكر تحديد المكاسب الاستراتيجية.
ويتساءل يوسي ميلمان المشارك في تأليف كتاب "جواسيس ضد هرمجدون" وكتب أخرى عن الاستخبارات الإسرائيلية، عن الحكمة الاستراتيجية من هجمات كهذه.