النهار

تفجير الـ"بيجر"... حرب سيبرانية بزخم أعلى؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
وماذا بعد التفجيرات المتزامنة؟
تفجير الـ"بيجر"... حرب سيبرانية بزخم أعلى؟
الدفاع المدني ينقل أحد ضحايا تفجير الـ "بيجر" إلى المستشفى للعلاج (أ ب)
A+   A-

"بَيجر". كلمة واحدة كانت كفيلة بنشر أسئلة عمّا إذا نقلت إسرائيل حربها مع "حزب الله" إلى مستوى سيبراني جديد. بضربة واحدة، أسقط الإسرائيليون مئات الجرحى لدى الحزب وربما أكثر، عبر تفجير أجهزة النداء أو الاستدعاء المعروفة باسم "بيجر" والتي استخدمها الحزب طوال أشهر.

ما كان يُفترض أن يكون وسيلة آمنة لحماية الحزب من التعقّب الإسرائيلي تحول إلى قنابل موقوتة؛ قنابل تبين أنها أخطر بما لا يقاس من أي عملية تجسس أمكن لأجهزة الاتصال الذكية أن تسهلها. في نهاية المطاف، يحتاج الإسرائيليون إلى بعض الوقت لتحويل المعلومات التي يحصلون عليها عبر التعقب التقليدي إلى عملية اغتيال. ألغى الـ "بيجر" عامل الوقت، وبالتالي فرصة عناصر الحزب لتجنب الاستهداف، كما في بعض الحالات العادية.

 

ترجيحات

بعدما تكثّفت حدة الأسئلة حول هجوم سيبراني، بات خبراء المتفجرات أكثر ميلاً لاستبعاد فرضية قرصنة أجهزة النداء لرفع حرارة بطاريات الليثيوم إلى درجة الانفجار. الفرضية الأكثر احتمالاً بحسب هؤلاء، ومن بينهم ما قاله خبير الأسلحة الكيميائية المتقاعد من الجيش البريطاني هاميش دي بريتون غوردون لصحيفة "تلغراف"، هو أن يكون الإسرائيليون قد وضعوا شحنات متفجرة في الـ "بيجر". يفترض ذلك نوعاً تقليدياً وصعباً من الاستخبارات القائمة على معرفة الشركة التي تريد توريد هذه الأجهزة إلى الحزب، كما توقيت البيع ومراحله ومكانه، للتمكن من اعتراض الشحنة في الوقت المناسب وتفخيخها، بدون إثارة ريبة البائع، وبالحد الأدنى، الشاري.

كانت تكهنات الخبراء عن نوعية الشحنة المتفجرة التي تمّ تضمينها في الـ "بيجر" متنوعة. هل هي مواد "سي 4" أو "أتش أم أس" أو "بيتن" (PETN)؟ سرت أيضاً تكهنات بشأن التوقيت. هل كان الأمر مجرد رسالة دموية ضمن مجموعة من الاستهدافات المتنقلة للحزب، أم أنه حصل بسبب اشتباه عناصره بخلل في الأجهزة فاضطر الإسرائيليون إلى تفعيلها باكراً بدلاً من تفجيرها قبل حرب شاملة؟ الفرضية الثانية ذكرها موقعا "أكسيوس" و"ألمونيتور" الأميركيان. "لقد كانت لحظة اِستخدِمها أو اِخسرها"، كما نقل الأول عن مسؤول أميركي وصّف لحظة تفجير الإسرائيليين للأجهزة.

 

بداية ملامح الصورة الجديدة

قد لا تؤثر أسئلة التوقيت، وبشكل أقل نوعية المادة المتفجرة، على الصورة الأوسع لدينامية الحرب الحالية، وهي صورة بدأت تتشكل ملامحها مع اغتيال القائد العسكري الأول للحزب فؤاد شكر أواخر تموز (يوليو). لا تزال إسرائيل تستند بشكل أساسي إلى تفوقها الاستخباري لتوجيه ضربات قاسية للحزب. وفي حالة تفجير أجهزة الاستدعاء، تظل العملية بالدرجة الأولى استخبارية معتمدة على العنصر البشري في اعتراض وتلغيم الـ "بيجرز". لا يلغي ذلك الدور السيبراني في تفعيل إشارة التفجير عن بعد، على افتراض أن إسرائيل لجأت إلى هذا الخيار عوضاً عن أن تكون حددت توقيت التفجير سلفاً، وهو احتمال ذكره خبراء لـ "رويترز".

 

كذلك، توسع إسرائيل هامش خياراتها في مفاجأة الحزب، وهي توسعة تطال هامش التحرك، وبشكل موازٍ، قاعدة القتل أو التحييد. قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض صباح الأربعاء إن عدد الجرحى ارتفع إلى نحو 3 آلاف جريح. (بعد ظهر الأربعاء، ضربت انفجارات أجهزة لاسلكية أخرى تابعة للحزب مع نحو 300 إصابة إضافية).

 

مع افتراض أن القسم الأكبر من الجرحى مقاتلون وربما قادة ميدانيون كبار، يمكن تصور حجم الخسائر التي مني بها الحزب في ساعة واحدة. وقد لا يستطيع أيضاً قسم من هؤلاء العودة إلى الميدان إذا كانوا يحملون الـ "بيجر" لقراءة الرسائل المحفّزة المفترضة التي وصلتهم قبل التفجير.

 

بطريقة مقصودة أم لا، ربما ساعد التفجير المتزامن في كشف هوية قسم كبير من مقاتلي الحزب عبر إدخالهم إلى المستشفيات مع التصوير الواسع الانتشار لصور الجرحى. طبعاً، يمكن التساؤل عما إذا كانت هذه العملية قد أضافت الشيء الكثير إلى معلومات الاستخبارات الإسرائيلية عن مقاتلي الحزب والتي ثبت طوال مرحلة الحرب أنها معلومات موثقة. لكن بالحد الأدنى، يمكن الجدال لمصلحة فكرة أن تفجير الـ "بيجر" ساهم بشكل ما في زيادة بنك الأهداف لدى الإسرائيليين.

 

انتكاسات أخرى

برهنت هذه العملية، بحسب اللواء الأسترالي المتقاعد ميك رايان، أن الإسرائيليين "موجودون داخل شبكات الاتصال وسلاسل التوريد لحزب الله". وكتب في "معهد لوي" أن إسرائيل قالت لقيادة الحزب إنها قادرة على "إزالة طبقات عدة من سلسلة الإمرة لدى حزب الله بشكل فوري". يزعزع ذلك حجم الثقة بالاتصالات والتجهيزات الأخرى التي يستخدمها الحزب، على حد رأيه.

مع ذلك، قد يمثل اختراق سلاسل التوريد مشكلة أكبر لحزب الله. بينما يجسد التسلل الإلكتروني والشخصي إلى بيئة الحزب هدفاً أساسياً للإسرائيليين، ويُتوقع أن يركزوا عليه بشكل بديهي، يفرض اختراق سلاسل التوريد احتمالات انكشاف الحزب في عملياته الخارجية الحساسة. في حين أن هذا الواقع غير جديد، إذ سبق أن عرّض عناصره في كثير من الأحوال لعقوبات أميركية بسبب رصد عمليات مالية وأمنية مشبوهة لهم، يتحول هذا الانكشاف إلى نقطة ضعف فتاكة في أوقات الحروب، وعلى نطاق غير متخيّل، كما حدث الثلاثاء.

 

هذا إلى جانب أن اختراق سلسلة التوريد يساعد في اختراق بيئته الأمنية الضيقة وبالعكس، وهو ما يمكن أن يشرع أبواب الحزب على حلقة استخبارية مفرغة في المدى المنظور. يمكن حتى ملاحظة كيف أن إسرائيل أدركت في المقام الأول أن الحزب يريد شراء هذه الأجهزة، قبل التحرك لتفخيخها.

 

لعبة أطفال... ماذا بعد؟

بالرغم مما سبق، يصعب القفز فوق استنتاج تاريخي آخر. يعتقد الكاتب الإسرائيلي آريه كوفلر أن التعقيد في عملية تفجير الـ "بيجر" جعل تفجير الهاتف بكبير مصنّعي القنابل لدى حركة "حماس" يحيى عياش، سنة 1996، يبدو كأنه "لعبة أطفال". لكنه يلاحظ هذا أيضاً: كما أن قتل عياش لم يوقف "حماس" عن شن الهجمات، كذلك، لن يوقف تفجير الـ "بيجر" حزب الله، بالرغم من الانتكاسة التي مني بها.

 

طبعاً، لن تكون الحروب المقبلة سهلة. دمج العنصر البشري بالعنصر السيبراني في حرب المعلومات سيكون طاغياً وقاتلاً في الميادين. كما كتب ديفيد إغناشيوس في "واشنطن بوست"، كل جهاز متصل بالإنترنت يمكن أن يصبح سلاحاً، وكل جهاز منزلي "ذكي"، يمكن أن يتم التلاعب به كي يتعطل بطريقة خطيرة. بالتالي، سيظل الخطر حاضراً بقوة حتى قبل دخول ساحات المعركة، وبعد مغادرتها.

 

 

اقرأ في النهار Premium