النهار

تفجير الـ"بيجر"... عملية ردعية أم هجومية؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
ماذا لو فرضت اللحظة تفجير أجهزة النداء في مرحلة مبكرة بالمقارنة مع تلك التي كان مخططاً لها في السابق تقديم ساعة الصفر للحرب الإسرائيلية الواسعة على "حزب الله"؟
تفجير الـ"بيجر"... عملية ردعية أم هجومية؟
من مراسم تشييع أحد ضحايا تفجير أجهزة اتصال "حزب الله" (ا ف ب)
A+   A-

هو من أصعب الأسئلة التي تدور حول ضرب إسرائيل لمئات مقاتلي "حزب الله" بطريقة دراماتيكية يومي الثلاثاء والأربعاء. فتوقيت وملابسات تفجير أجهزة النداء المعروفة باسم "بيجر" تضاعف التباس الغاية من وراء الهجوم. إذا عمدت إسرائيل إلى تفجير أجهزة النداء في وقت مبكر، خوفاً من اشتباه عناصر الحزب بخلل فيها كما قال إعلام أميركي، فقد يكون الهدف من التفجير عدم إهدار فرصة إيذاء مقاتلي الحزب جسدياً ونفسياً. بالتالي، تكون الفرضية أن التفجير هو حدث عسكري واستخباري كبير، لكن موضعي. مع ذلك، تبقى هذه الفرضية غير مكتملة.

 

ماذا لو فرضت اللحظة تفجير أجهزة النداء في مرحلة مبكرة بالمقارنة مع تلك التي كان مخططاً لها في السابق، لكنها بالمثل، فرضت تقديم ساعة الصفر للحرب الإسرائيلية الواسعة على "حزب الله"؟ إذا كان على إسرائيل استغلال تضعضع سلسلة الإمرة والقيادة في الحزب وحرمان الميدان من عشرات أو مئات من مقاتليه فستكون اللحظة الحالية مناسبة لشن تلك الحرب. ويتعزز إلحاح هذه اللحظة مع إضافة العامل النفسي إلى المعادلة.

 

مع ذلك، لا يمكن خوض حرب بناء على حدث تكتيكي، ولو كان ناجحاً. تحتاج الحروب إلى إعداد نفسي ولوجستي وعسكري، ولا يمكن توفير هذه العناصر بشكل فوري، خصوصاً أن إسرائيل لمّا تنتهِ من حرب غزة بعد. هذا من دون الحديث أيضاً عن أن قسماً كبيراً من الجنود الإسرائيليين بحاجة إلى الراحة، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي بحاجة إلى التقاط أنفاسه.

 

كلام التاريخ والرد الإسرائيلي

مارك تشامبيون من "بلومبرغ" لا يستبعد أن يكون هجوم الـ "بيجر" إنذاراً أخيراً لدفع الحزب إلى التراجع. من جهة، لن تحصل إسرائيل على الشرعية لحرب ثانية، ومن جهة أخرى، سبق أن حاولت إسرائيل إقامة "مناطق آمنة" في جنوب لبنان مرات عدة في السابق بدون نجاح، كما ذكّر تشامبيون.

 

وليس الأمر فقط أن الحروب السابقة، وآخرها حرب تموز (يوليو) 2006، انتهت بإخفاق إسرائيلي. كما يقول عدد من المراقبين الغربيين، من بينهم مدير الأبحاث في "مركز صوفان" كولين كلارك، أصبح "حزب الله" اليوم أقوى بكثير مما كان عليه قبل 18 عاماً. فقد بات يمتلك منظومة تفوق 100 ألف صاروخ، منها ما هو دقيق، إلى جانب امتلاكه خبرة إضافية من الحرب في سوريا.

 

من المرجح أن يلعب هذا العامل دوراً مضاعفاً في إبطاء أي قرار إسرائيلي بشن حرب واسعة. لكن في المقابل، وكما اكتسب "حزب الله" خبرة إضافية في سوريا، اكتسب الجيش الإسرائيلي خبرة إضافية في غزة. حتى لو لم تكن تلك الخبرة وحدها كافية لسد عقبات كثيرة أمام اجتياح بري، كالمساحات الشاسعة والتضاريس المتنوعة وحجم القوة البشرية للحزب بالمقارنة مع ما هو عليه الأمر في غزة، ربما تعتقد القيادة الإسرائيلية أن تفوقها الاستخباري يساعد على سدّ تلك الفجوات.

 

لكن التفوق الاستخباري يمكن أن يُسخّر بشكل أفضل في الردع، منه في الهجوم. بحسب مدير مركز "استراتيجيك أناليسيز أستراليا" مايكل شوبريدج، واصلت هجمات أجهزة النداء رسم مسار "الردع الشخصي" الذي تعتمده إسرائيل والذي يعمد إلى نقل الحرب باتجاه القيادات السياسية والعسكرية لإيران ومحورها بدلاً من حصرها بالمقاتلين ذوي الرتب الأدنى. بمعنى آخر، إن الاستراتيجية الإسرائيلية، ومن ضمنها التفجيرات الأخيرة، تجنّب إسرائيل الدخول في حرب برية مكلفة، مهما كانت نظرة تل أبيب إلى عناصر قوتها الخاصة.

 

لا يتفق الجميع على أرجحية الردع على الهجوم في الحسابات الإسرائيلية. الخبير في شؤون الأمن القومي مارك توث والعقيد المتقاعد من الجيش الأميركي جوناثان سويت يميلان أكثر إلى أن تكون تفجيرات الـ "بيجر" مقدّمة لخوض إسرائيل عملية واسعة ضد "حزب الله". يعود ذلك بشكل أساسي إلى حالة التخبط المفترضة داخل صفوف الحزب.

 

بين التصريحات والتحركات

عند استخدام كلمة حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله، يتجه التصور بشكل شبه آلي إلى حرب جوية وبرية في آن. مع ذلك، ربما تعمد إسرائيل في المرحلة المقبلة إلى تكثيف القصف الجوي والعمليات الأمنية حصراً. بناء على نتائج الحملتين الجوية والاستخبارية، يمكن أن تقرر تل أبيب لاحقاً ما إذا كان عليها المضي قدماً في حرب برية أم تجنب الخيار المر.

 

في غضون ذلك، لا يمكن تجاهل إعلان حكومة الحرب نقل ثقل العمليات العسكرية إلى الشمال. ترافق ذلك مع نشر الفرقة 98 على الحدود مع لبنان، وهي فرقة شاركت في الحرب على غزة وخصوصاً في خان يونس. انسحبت الفرقة من تلك المنطقة في أواخر آب (أغسطس) وهي تنضم إلى الفرقة 36 رافعة عدد الجنود الإسرائيليين على الحدود اللبنانية إلى نحو 40 ألفاً. هو رقم كبير بالطبع، لكن من المرجح ألا يكون كبيراً بما يكفي لشن حرب برية في المستقبل القريب.

 

يتحدث الإسرائيليون بتعابير مبهمة عن المرحلة المقبلة. قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إن "الثمن (الذي ينبغي أن يدفعه) حزب الله يجب أن يكون باهظاً". بينما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم الأربعاء، بعد الموجة الثانية من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية، "أننا نفتح مرحلة جديدة من الحرب".

 

إذاً، هي من أكثر المراحل غموضاً في الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول). لكن ما يفلت من براثن هذا الغموض ينبئ بحدة قتالية أعلى. الضوابط على حرب شاملة تتلاشى بوتيرة أسرع.

 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium