وجهت إسرائيل ضربة قوية لـ"حزب الله" بقتلها عدد من قادة قوة النخبة التابعة له بعد أيام من تفجير آلاف أجهزة الاتصال التي يحملها عناصره، في تصعيد غير مسبوق لم يردع الحزب عن مواصلة القتال، وفق محللين.
ويتبادل "حزب الله" وإسرائيل القصف عبر الحدود منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بعدما فتح الحزب المدعوم من طهران، "جبهة إسناد" لـ"حماس" وقطاع غزة إثر اندلاع الحرب بين الحركة الفلسطينية والدولة العبرية. لكن هذا التصعيد اتخذ مسارا تصاعديا حادا في الأيام الماضية مع ضربات إسرائيلية مكثفة.
ويقول المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية آرام نرغيزيان إن إسرائيل بضرباتها المتتالية، تمكنت بضرباتها المتتالية من "اختراق" و"ضعضعة" "حزب الله" الذي كان يقدّم نفسه على أنه "قوة موحدة ومنضبطة مع قدرة على مكافحة التجسس من الطراز الأول".
واستهدفت غارة إسرائيلية الجمعة اجتماعا لقيادة قوة الرضوان، وحدة النخبة في الحزب، في ضاحية بيروت الجنوبية. وأدت الغارة الى مقتل 45 شخصا، بحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية. ومن بين هؤلاء، 16 عنصرا على الأقل من هذه القوة، بينهم قائديها الحالي إبراهيم عقيل والسابق أحمد وهبي، بحسب مصدر مقرّب من الحزب.
وبحسب المصدر، كان هدف الاجتماع وضع "خطط لعملية نوعية برية داخل الأراضي المحتلة" ردا على الضربة القاسية التي تلقاها الحزب بأجهزة الاتصال.
وأعقبت الغارة سلسلة انفجارات طالت آلاف أجهزة الاتصال العائدة لعناصر الحزب الثلاثاء والأربعاء، في عملية نسبها لإسرائيل، وتوعّد أمينه العام حسن نصرالله بـ"حساب عسير" رداً عليها.
على رغم ذلك هذه الضربات، وشنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات مكثفة السبت على أهداف للحزب في جنوب لبنان، الا أن ذلك لم يعطّل قدرته على مواصلة قصف شمال إسرائيل بالصواريخ.
وأعلن "حزب الله" الأحد أنه استهدف بعشرات الصواريخ مجمعات صناعات عسكرية تابعة لشركة إسرائيلية قرب مدينة حيفا، للمرة الأولى منذ بدء التصعيد. ووضع الحزب ذلك في إطار "ردّ أولي" على تفجير أجهزة الاتصالات لعناصره.
كما أطلق فجر الأحد عشرات الصواريخ على دفعتين على قاعدة رامات ديفيد الجوية الواقعة على بعد نحو 45 كيلومتر من الحدود اللبنانية.
وجاء ذلك غداة إعلان الجيش الإسرائيلي شنّ "عشرات" المقاتلات غارات مكثفة على أهداف للحزب في جنوب لبنان، بينها "آلاف" من القاذفات الصاروخية.
وتشكّل مجموعة الضربات هذه تصعيدا غير مسبوق للعنف المتواصل عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ نحو عام.
"كما فعلت حماس"
واتهمت إسرائيل عقيل بأنه "العقل المدبر" لخطة هجوم على منطقة الجليل الحدودية مع لبنان في شمال إسرائيل.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري الجمعة أن "حزب الله كان ينوي اقتحام إسرائيل، والسيطرة على بلدات وقرى الجليل، وقتل وخطف المدنيين الإسرائيليين، تماما كما فعلت حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر)".
وشنّت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ذاك اليوم هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل، تسبّب بمقتل 1205 أشخاص معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وردّت إسرائيل بحملة قصف مدمرة وهجوم بري على غزة، ما أسفر عن سقوط 41,391 قتيلا على الأقل، وفق وزارة الصحة التابعة لـ"حماس". وتؤكد الأمم المتحدة أنّ غالبية القتلى من النساء والأطفال.
وقوة الرضوان هي بمثابة رأس الحربة لـ"حزب الله" في القتال البري والعمليات الهجومية، وتشارك وحداتها الصاروخية في قصف مواقع عسكرية إسرائيلية منذ بدء التصعيد قبل نحو عام.
وطالبت إسرائيل مرارا، وفق ما نقل وسطاء دوليون الى مسؤولين لبنانيين، بإبعادها عن حدودها الشمالية.
تضم هذه الوحدة الخاصة مقاتلين من ذوي الخبرة، قاتل بعضهم خارج لبنان. وغالبا ما يكونون في الخطوط الأمامية.
وأسفرت الغارة الإسرائيلية وتفجيرات أجهزة الاتصالات في غضون أيام قليلة، عن مقتل أكثر من ثمانين شخصا وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين بجروح، بحسب حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية.
"مأزق"
وأكد نصرالله الخميس أن تفجيرات أجهزة الاتصال كانت بمثابة ضربة "غير مسبوقة" على المستويين الإنساني والأمني للحزب منذ تأسيسه عام 1982.
ويرى الباحث في شؤون "حزب الله" في "أتلانتيك كاونسل" نيكولاس بلانفورد أنه "بالنظر إلى أن لدى حزب الله عشرات الآلاف من المقاتلين قيد تصرفه، فإن شل قدرات بضع مئات منهم قد يكون هامشيا من الناحية العسكرية البحتة".
إلا أن ذلك لا ينفي أن الضربة كانت قاسية على "المستوى المعنوي، وربما فرضت شعورا بالضعف وأثارت بعض الذعر" في صفوف الحزب، وفق بلانفورد.
ولطالما أكد "حزب الله" قدرته على قصف أهداف حيوية على امتداد مساحة إسرائيل، وامتلاكه ترسانة أسلحة ضخمة بينها صواريخ دقيقة.
ويشرح نرغيزيان في هذا الإطار أن "حزب الله يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ، لكن ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنه أطلق الآلاف منها منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) وأن آلافا أخرى قد دمرت بضربات اسرائيلية محددة في لبنان وسوريا".
منذ بدء الحرب في غزة، أبقى "حزب الله" عملياته بين حدين فاصلين: مواصلة دعم حليفته "حماس"، وتفادي الحرب الشاملة.
ويعتقد بلانفورد أن "إسرائيل تراهن على واقع أن حزب الله لا يريد حربا وأنه غير مستعد لتجاوز عتبة معينة قد تقود إلى حرب".
ويكرر الأمين العام لـ"حزب الله" التأكيد على أن جبهة لبنان هي "إسناد" لـ"حماس" ولن تتوقف قبل توقف الحرب في غزة.
ويرى بلانفورد أن "حزب الله" بهذا الربط "وضع نفسه في مأزق صعب". ومع ذلك، لا يرجح "أن تتمكن إسرائيل من الانتصار في حرب مع حزب الله الى حدّ هزيمته ومنعه من تشكيل تهديد لها".
ويضيف: "يتعين على حزب الله الآن أن يتعامل مع وضعية إسرائيلية أكثر عدوانية وحزما"، في لحظة "ربما تكون الأكثر خطورة في الصراع المستمر منذ قرابة عام".