منذ أن حدّث الكابينيت الإسرائيلي أهداف الحرب وأضاف إليها بند إعادة سكّان الشمال إلى مناطقهم، "فتحت أبواب جهنم" وفق وصف سياسي لبناني للحال، وبدأت الهجمات اليومية الإسرائيلية على "حزب الله" تتوالى وبأشكال مختلفة، لتُشكّل الضربات الأعنف منذ حرب تموز (يوليو) 2006 وحتى قبلها، في حين قال مسؤول آخر إن "عدد القتلى هو أعلى عدد يومي من قتلى أعمال العنف منذ الحرب الأهلية".
وحدّث الكابينيت أهداف الحرب فجر الثلاثاء 17 أيلول (سبتمبر)، فبدأت الهجمات منذ ذلك اليوم. في اليوم الأول انفجرت أجهزة "بيجرز"، والأربعاء انفجرت أجهزة اللاسلكي، الخميس شنّت إسرائيل غارات عنيفة جداً على الجنوب، والجمعة استهدفت الضاحية واغتالت القيادي إبراهيم عقيل ومعه قادة قوّة "الرضوان"، واستكملت هجماتها يومي الإثنين والثلاثاء بقصف مواقع عدّة جنوباً وبقاعاً، وحاولت اغتيال القيادي في التنظيم علي كركي.
يكاد يكون هذا الأسبوع هو الأسوأ على "حزب الله" الذي خسر 37 عنصراً في هجمات تفجير أجهزة الاتصال، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 4000 عنصر، كثر منهم أُصيبوا بعيونهم أو فقدوا أطرافاً، قبل أن يخسر عقيل و14 قيادياً من "الرضوان"، ليعود ويدفع الثمن مجدّداً مع الغارات العنيفة التي استهدفت مواقعه وبيئته وقتلت نحو 500 مدني وعسكري.
خسائر "حزب الله" لم تقتصر على القدرات البشرية، بل أيضاً على البنى التحتية العسكرية، فالجيش الإسرائيلي أعلن استهداف أكثر من 1300 موقع للتنظيم في الجنوب والبقاع يوم الإثنين فقط، بينها منصات إطلاق صواريخ ومخازن أسلحة، إلى جانب تحمّله كلفة أعباء نزوح عشرات أو مئات الآلاف من سكّان المنطقتين اللتين تشكلان عصب بيئته الحاضنة.
في هذا السياق، يقول إميل حكيّم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "إنها بالتأكيد أصعب لحظة يمر بها حزب الله منذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى الصعيد العسكري إنها الضربة الأكبر التي تلقاها الحزب حتى الآن"، في حين تنقل صحيفة "فايننشال تايمز" عن مصدر أن الحزب "مكشوف، لا أعتقد أنهم كانوا في مثل هذا الموقف الضعيف من قبل".
العميد الركن نزار عبد القادر يتحدّث عن خطورة الاستهدافات، ويُشير إلى أن "إسرائيل تسعى لقطع التواصل لدى حزب الله لشلّ قدرته الحيوية على تنفيذ عمليات، وتغتال القيادات لتفكيك القيادة والسيطرة وإفقاد الحزب قدرة ضبط عمله العسكري، وتدمّر المواقع ضمن ما يُعرف بتكتيك تسطيح الميدان، وكل هذه العمليات هدفها إضعاف الحزب وتدمير قدراته".
برأي الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية رياض قهوجي، فإن "إسرائيل تسعى لتقليص قدرات الحزب وتوجيه ضربات تخلق الضغط عليه، إلا أنّ التدمير الكامل وإنهاء القدرات العسكرية يحتاج وقتاً طويلاً، لكن إذا استمرت عمليات الاغتيال والقصف لأشهر أو سنة، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على إمكانيات الحزب".
وبحسب ما تنقل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر، فإنّه "في كل دقيقة أو أقل، يتم إصابة وتدمير أحد الأصول، أو أحد العناصر التابعين لحزب الله"، ولفتت المصادر إلى أن "حجم الهجمات الإثنين تجاوز متوسط الهجمات اليومية في حرب لبنان الثانية عام 2006"، مشيرةً إلى أن "إسرائيل جمعت المعلومات الاستخباراتية، وحدّثت بنك الأهداف بشكل يومي، ودرست أنشطة حزب الله في جميع تشكيلاته، ودرّبت سلاح الجو على جميع الأهداف والسيناريوهات".
إلى ذلك، فإنّ للضربات تبعات معنوية سلبية على "حزب الله" وجمهوره، خصوصاً إذا ما لم يتمكّن التنظيم من الرد بشكل متوازن على الهجمات، وهو الأمر الذي يستبعده خبراء عسكريون، ما يؤثّر على ثقة الجمهور، وتنقل الصحيفة البريطانية عن محللين قولهم إن "حزب الله يواجه ضغوطاً متزايدة من أنصاره، الذين تراجع شعورهم بالأمن بشكل كبير".
هذه الضربات التي يتعرّض لها "حزب الله" لن يكون لها وقع على المدى القريب فحسب، بل ستكون لها تداعيات على المديين المتوسط والبعيد. وفي هذا السياق، يقول خبراء إن "حزب الله ربما يحتاج إلى بعض الوقت للتعافي"، لكن ذلك لا يعني "انتهاء" الحزب وتشبيه حالته بحالة "حماس"، ويقول حكيّم: "قد يكون حزب الله تعرض للضرب والضعف ولكنه لم يمت بعد".
في هذا السياق، يقول عبد القادر لـ"النهار" إن الضربات التي تلقاها الحزب "موجعة" وستُضعف قدراته، لكن من غير المعروف بعد ما إذا كانت ستمنعه من تنفيذ عمليات ضد شمال إسرائيل كما تُعلن الأخيرة هدفها "إلّا أن الحزب سيعود بعد فترة معيّنة، وهذا رهن الدعم الإيراني وحجمه".
وفي حديثه لـ"النهار"، لا يستبعد قهوجي أن تستمر الضربات لفترة طويلة، ويستشهد بسيناريو غزّة فيقول إن "الاعتقاد كان بانتهاء الحرب بغضون أشهر قليلة، لكنها مستمرّة منذ سنة، وبالتالي الحرب ضد حزب الله قد تطول وقد تستمر إلى أن يتسلّم الرئيس الأميركي الجديد صلاحياته، وذلك بعد أربعة أشهر، وبالتالي السؤال كيف سيكون شكل الحزب حينها؟".
في المحصلة، فإن جميع الخبراء العسكريين يُجمعون على ان "حزب الله" تلقّى ضربات قوية في "الأسبوع الأسوأ في تاريخه"، لكن ما قد يكون أكثر سوءاً هو ما ينتظر "حزب الله" في الفترة الأخيرة، إذ أن مسار الحرب تصعيدي وإسرائيل تُعلن يومياً عن شكل جديد للمواجهات، وبالتالي فإن هذه الضربات قد تُصبح أكثر أذية ما سيُرتّب نتائج سلبية إضافية على إمكانيات الحزب.