حين خطط يحيى السنوار لعملية "طوفان الأقصى"، كان أحد أهدافه المفترضة جر إيران ومحورها إلى الحرب لمحاصرة إسرائيل على أكثر من جبهة. لم يتحقق ذلك. الاستثناء شبه الوحيد كان دعم "حزب الله" لحركة "حماس" عبر إطلاق صواريخ على قواعد عسكرية إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية.
على الأغلب، لم يلبِّ ذلك طموح السنوار بحصول اجتياح بري يقوم به الحزب لشمال الأراضي المحتلة. لكن بعد نحو عام على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، يبدو أن حلم السنوار قريب من أن يتحقق، أو على الأقل، لم يعد بعيداً كما كان في الأيام والأسابيع الأولى على إطلاق الهجوم.
"فخ" السنوار
منذ قررت إسرائيل نقل ثقل عملياتها من غزة إلى الشمال، اتسعت دائرة الحرب مع "حزب الله"، من دون أن يشمل ذلك توغلاً برياً إسرائيلياً. بدءاً بتفجيرات أجهزة الاستدعاء والاتصالات اللاسلكية مروراً باغتيال القائد العسكري الجديد للحزب إبراهيم عقيل وصولاً إلى 23 أيلول (سبتمبر)، تاريخ أعنف قصف جوي في التاريخ المعاصر على حد تعبير خبراء لصحيفة "نيويورك تايمز"، يلفح المنطقة لهيبٌ أوسع.
في هذا السياق، يعتقد الكاتب في صحيفة "جيروزاليم بوست" يوناه جيريمي بوب أن السنوار قد ينجح في إطباق فخه إما على إسرائيل أو على إيران و"حزب الله". بحسب رأيه، إذا نجح الحزب بإطلاق ما يكفي من الصواريخ على إسرائيل بطريقة تحسن شروط وقف إطلاق النار بالنسبة إليه وإلى حليفته "حماس"، فسيكون فخ السنوار قد نجح، ولو متأخراً. وبالعكس، إذا نجحت إسرائيل بضرب قدرات الحزب بلا غزو، أو بغزو أقل كلفة من المتصور، فسيكون السنوار قد دمر عقوداً من التخطيط الإيراني.
لكن "فخ" السنوار لن ينجح فقط بعناصره الخاصة. سيحتاج أيضاً إلى قرار خاص من قيادة "حزب الله".
معركة تدريبية
حين قرر الحزب عدم الانجرار إلى توغل بري بعد 7 أكتوبر، بنى رؤيته على سلوك الطرق الأقل صعوبة بالنسبة إليه. ربما لم يكن الحزب جاهزاً ميدانياً في الأساس لخوض غزو كهذا، خصوصاً أن تقارير لفتت إلى أن السنوار لم يُخطر إيران بمخططه. من جهة أخرى مكمّلة، كان الاستهداف البعيد بالصواريخ لأهداف إسرائيلية أكثر أماناً لمقاتليه.
أمكن قول إن "جبهة الإسناد" كانت في التصور الأساسي معركة تدريبية لعناصر الحزب، إلى جانب كونها فرصة لاستعراض أسلحته الحديثة مثل الطائرات بلا طيار، وبعض الصواريخ الجديدة مثل "بركان". ولا يمكن نفي الأضواء الإعلامية التي تُسلط على الحزب بفعل "عدم ترك غزة لمصيرها". في الصورة العامة، بدت تلك الرؤية الأقرب إلى المنطق، وقد استندت، بالدرجة الأولى، إلى مصلحة الحزب المباشرة.
لكن كما كانت حسابات "حماس" قاصرة عن رصد العديد من المتغيرات، كذلك كان الأمر بالنسبة إلى حسابات الحزب.
المتغيرات الطارئة
لم يتوقع "حزب الله"، كما "حماس"، أن تطول الحرب كل هذه المدة. كان الافتراض الأساسي أن إسرائيل معتادة على الحرب الخاطفة لا الحرب المطولة والمستنزِفة، ناهيكم عن حرب الخنادق. من وجهة النظر هذه، كانت أسابيع أو أشهر قليلة من القتال الصعب كافية لإنهاك إسرائيل ودفعها بالقوة إلى طاولة التفاوض. إلى حد بعيد، لم يتحقق ذلك.
من ناحية أخرى، لم يتوقع الحزب على الأرجح أن يكون الإسرائيليون قد جمعوا ما يكفي من المعلومات الاستخبارية عنه إلى درجة تجعله مخترقاً على جميع المستويات تقريباً. قد تكون مجلة "إيكونوميست" محقة حين تقول إن تركيز تل أبيب على "حزب الله" ساهم بشكل أو بآخر في دفعها إلى تجاهل الخطر الآتي من "حماس" قبل 7 أكتوبر.
مكّن ذلك الإسرائيليين من التحكم بقواعد التصعيد بطريقة شبه أحادية. كانت قدرات الحزب محصورة إلى حد كبير في إطلاق الصواريخ والمسيّرات على القواعد الإسرائيلية بأعماق مختلفة، ومع ذلك محدودة نسبياً (باستثناء استهداف تل أبيب صباح أمس الأربعاء بصاروخ وحيد خضع للاعتراض). بالمقابل، بدت إسرائيل أكثر قدرة على التنويع في هجماتها، بدءاً من ضرب مخازن الحزب وصولاً إلى اغتيالات متتالية لقادته المتمرسين وحتى اختراق "سلسلة التوريد" لديه عبر بيعه أجهزة اتصال مفخخة.
لعبة "إدارة التوقعات"
حتى مع الصعوبات التي يواجهها، لا يبدو أن "حزب الله" راغب أو ربما قادر على التراجع. أحد أسباب ذلك هو السرديات التي أطلقها في السابق عن قرب إسرائيل من الزوال، وعن إمكانات الحزب الرادعة لها. ولّد ذلك توقعات عالية السقف من الواضح أن الحزب عاجز عن تلبيتها أمام جمهوره. أدخل ذلك "حزب الله" في حلقة مفرغة: كلما تلقى ضربة عسكرية أو أمنية، توجب عليه التعويض بجهد مضاعف؛ أولاً للرد على الضربة، وثانياً لاستعادة سرديته الأساسية العالية الطموح. بطبيعة الحال، لا يستطيع الحزب – بحسب إمكاناته التي أظهرتها الحرب لغاية الآن على الأقل – مجاراة هذه الأهداف إلى ما لا نهاية.
في إطلالته الإعلامية الأخيرة عقب تفجير أجهزة الـ "بيجر"، شدد أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله على أن جبهة دعم غزة لن تتوقف مهما اشتد القصف الإسرائيلي، وأن السبيل الوحيد لعودة الهدوء إلى الجبهة الشمالية هو وقف إطلاق النار في غزة. في أحد الجوانب، يبدو السنوار متحكماً بجزء من مشهد النزاع بين "حزب الله" وإسرائيل. لكن في جانب آخر، يظهر أن السرديات الانتصارية السابقة للحزب متحكمة بحساباته إلى حد مساوٍ، إن لم يكن إلى حد أكبر حتى.
كما أظهر النزاع الحالي، أن لعبة "إدارة التوقعات" من أصعب المهام في خوض الحروب العسكرية والنفسية. المبالغة في رفع سقف التحدي قد يؤدي إما إلى خيبة أمل أو إلى فقدان السيطرة على التطورات.