على رغم الضربات الاستخبارية والجوية واغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله وتداعياته على الداخل اللبناني وفي الشرق الأوسط عموماً، يبقى الهدف الإسرائيلي المعلن بإعادة 60 ألفاً من نازحي مستوطنات الشمال القريبة من الحدود مع لبنان، رهن المخاطرة بإطلاق غزو بري للجنوب.
الغزو البري المطروح، يتراوح بين المناورة المحدودة، والاجتياح إلى عمق أكبر، بما يضمن إبعاد مقاتلي "حزب الله" إلى شمال الليطاني، وتالياً تمكين النازحين من مستوطنات الشمال من العودة.
ونقلت شبكة "اي بي سي" التلفزيونية الأميركية عن مسؤولين أميركيين، أن الاجتياح البري الإسرائيلي للبنان بات وشيكاً. وقالا إن "عمليات صغيرة النطاق أو تحركات حدودية داخل لبنان، قد بدأت أو على وشك أن تبدأ، في محاولة لإبعاد قوات حزب الله عن الحدود".
إنما للغزو البري محاذير وربما لن يكون بالسهولة التي يتخيلها البعض. وتبدي أميركا معارضة علنية. لكن المعارضة الأميركية السابقة لغزو إسرائيلي لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة، انتهت إلى لا شيء، وتجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل النداءات التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن في هذا الشأن. وستقع النداءات الأميركية بالنسبة إلى لبنان على آذان صماء. وحتى عندما تحذر واشنطن من أخطار جر المنطقة إلى نزاع واسع، فإن المقصود بهذا التحذير هم أعداء إسرائيل وليس إسرائيل نفسها.
وعندما يضع الجنرالات الإسرائيليون الخطط لاجتياح بري، لا بد من أن تمر في أذهانهم الخسائر الكبيرة التي مني بها جيشهم عندما دخل لبنان عام 2006. ومع ذلك، ثمة إلحاح من المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، على المبادرة إلى عملية برية في أسرع وقت ممكن. لماذا؟
يرى المسؤولون الإسرائيليون أن "حزب الله" يعاني بشدة نتيجة الضربات غير المسبوقة التي تعرض لها، وأفقدته قيادات الصف الأول والثاني والثالث، وتعرض الكثير من مقاتليه لإعاقات بسبب تفجيرات أجهزة "البيجر" واللاسلكي والغارات الجوية المكثفة.
إذن بالنسبة الى إسرائيل هذا هو الوقت المناسب لدخول بري إلى لبنان، أي قبل أن يستوعب الحزب صدمة اغتيال أمينه العام وكوادره العسكرية الأخرى، فينظم صفوفه ويستأنف القتال بضراوة.
ويزيد من احتمال الخيار البري، الغطرسة التي تشعر بها القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيليتان حيال المكاسب الكبيرة التي تحققت جراء الحملة الجوية في الـ15 يوماً الأخيرة.
كما أن الخسائر الهائلة التي مني "حزب الله" تغري، ولا شك، نتنياهو بالدخول البري، وقد يعتبر أن التأخير في إطلاق العملية البرية، سيصب في مصلحة الحزب وإيران.
وفي الأسابيع الأخيرة، استدعت إسرائيل لواءي احتياط، ونقلت فرقة كوماندوس ومظليين من قطاع غزة، وأعلنت قيادة الجبهة الشمالية جاهزيتها للتحرك براً إذا تلقت الأوامر من المستوى السياسي.
لكن النائبة الإسرائيلية السابقة والباحثة غير المقيمة في المجلس الأطلسي كسنيا سفيتلوفا، حذرت من أن "حزب الله ينتظر بفارغ الصبر من إسرائيل أن تبدأ التحرك على الأرض، لأن ذلك سيشكل تغييراً في قواعد اللعبة بالنسبة إليه وسيجعله ينبعث من تحت الرماد، وأن يستعيد مجدداً الدعم من المجتمع اللبناني الأوسع".
المحاذير لا تقف عند هذا الحد فحسب. فالتحرك براً سيجعل إسرائيل أكثر انغماساً في شؤون لبنان وتركيبته السياسية. وهذا ما جربته إسرائيل عام 1982. ماذا كانت النتيجة؟ خلق الاجتياح حافزاً عقائدياً لتأسيس "حزب الله" بدعم من إيران، ومن ثم شن حرب استنزاف غرقت فيها إسرائيل واضطرتها إلى الانسحاب عام 2000، حيث كانت نقطة تحول في تاريخ صعود الحزب وقوته.
وعندما يتحدث نتنياهو عن تغيير "موازين القوى" في المنطقة، فهذا يعني أنه على وشك المبادرة إلى توسيع حربه الجوية لتشمل غزواً برياً في أقرب وقت. ويعزز هذا الاستنتاج رفض نتنياهو المطلق الحديث عن تهدئة مع لبنان في الوقت الحاضر، والجميع يعلم ما كان مصير النداء الأميركي - الفرنسي المشترك.