النهار

هل تصمد قدرات "حزب الله" المالية خلال الحرب؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
يقدّر الخبراء أنفسهم أن هناك نحو 10 مليارات دولار تدور في الاقتصاد الموازي داخل لبنان. يدور القسم الأكبر منها في "الفلك" الأوسع للحزب. لكن في ما يخص الدائرة الضيقة المباشرة له، فينخفض هذا التقدير ليتراوح بين مليار و3 مليارات دولار.
هل تصمد قدرات "حزب الله" المالية خلال الحرب؟
من مشاهد العدوان الإسرائيلي على لبنان (أ ب)
A+   A-

أثار تصعيد الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" أسئلة عدة بخصوص حجم الأضرار التي طالت إمكاناته العسكرية. وفي حين أن معظم الأنظار متجهة الآن إلى موازين القوى الميدانية بين الطرفين، يمثل العامل المالي جزءاً كبيراً من قدرة الحزب على الصمود، وقد يكون مساوياً في أهميته للعامل العسكري.

 

تمتع "حزب الله" منذ فترة طويلة ببنية تحتية مالية منفصلة عن النظام المالي الرسمي في لبنان. كان ذلك جزءاً من خطة حماية قوة الحزب واستقلاليته العملانية. يحاول الإسرائيليون الآن ضرب تلك الموارد بحسب مراقبين. يعتمد الحزب بشكل كبير على السيولة المالية لتغذية عملياته العسكرية، لكن أيضاً لدعم شبكة واسعة جداً من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التابعة له. بما أن أبرز قادة الحزب كانوا منكشفين أمام الاغتيالات المتلاحقة فمن المحتمل أن تكون تلك المراكز ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية.

 

المؤسسة الأشهر

منذ اندلاع "جبهة الإسناد" راح الحزب يعزز أكثر قدراته المالية، كما أشار إلى ذلك تقرير لـ "مؤسسة جيمس تاون" في آذار (مارس) الماضي. تستند هذه القدرات بشكل أساسي (لا حصري) إلى الذهب والسيولة. إن الاعتماد على السيولة، ولو لم يكن يجسد كامل النشاط الاقتصادي لـ"حزب الله"، قد يمثل في إحدى النواحي نقطة ضعف كبيرة لديه. يحتاج الحزب إلى مراكز محددة لتخزين تلك السيولة. وإذا انكشفت هذه المراكز أو بعضها فستكون عرضة للاستهداف.

 

ويشير خبراء ماليون من بريطانيا، لـ"النهار العربي"، إلى أن من بين ما استهدفه الإسرائيليون في الأيام القليلة الماضية مؤسسة "القرض الحسن" بفروعها المنتشرة في أكثر من محافظة. هذه المؤسسة خارجة عن النظام المصرفي الرسمي وغير حاصلة على ترخيص من البنك المركزي. تعمل هذه المؤسسة بشكل رئيسي من خلال إعطاء القروض المالية مقابل رهن كميات من الذهب تفوق قيمتها بنحو ثلاثة أمثال قيمة القرض. في عمليات الاستهداف لتلك المستودعات، من المحتمل أن يكون المتعاملون مع المؤسسة قد خسروا الذهب، مع الإشارة إلى وجود صعوبة في تقدير طبيعة الأضرار التي قد تحل بالذهب وقيمته المتبقية وما إذا كان بالإمكان الحفاظ على سجلات أصحابها وفق الخبراء أنفسهم.

 

لكن ما يمكن الحديث عنه بثقة أكبر (نسبياً) هو الخسائر في السيولة التي قد تظهر قريباً. فالمؤسسات المالية التابعة للحزب والتي من المفترض أن تبدأ بضخ الأموال كما يحصل عادة مع بداية كل شهر، قد تكون عاجزة عن الاستمرار في تلبية حاجات المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية وآلاف من الأسر المرتبطة بالحزب. ويضيف الخبراء أنفسهم أن من بين أهداف الضربات أيضاً الصرافون الذين يتعاملون مالياً مع "حزب الله" والمنتشرون بدورهم في مناطق عدة. هذا يعني تالياً أن الدورة المالية ضمن اقتصاد الحزب المنفصل عن الاقتصاد الرسمي ستواجه عقبات إضافية.

 

ويقدّر الخبراء أنفسهم أن هناك نحو 10 مليارات دولار تدور في الاقتصاد الموازي داخل لبنان. يدور القسم الأكبر منها في "الفلك" الأوسع للحزب. لكن في ما يخص الدائرة الضيقة المباشرة له، فينخفض هذا التقدير ليتراوح بين مليار و3 مليارات دولار.

 

ماذا عن تأثّر القدرات العملانية للحزب؟

يتحدث الخبراء الماليون أنفسهم عن وجود صعوبة في تقييم الأضرار وانعكاساتها الميدانية. لكن نظرياً، يشيرون إلى أن المقاتلين يحتاجون إلى الرواتب الشهرية لإعالة عائلاتهم، بخاصة في ظل الحرب التي فرضت عليهم النزوح إلى مناطق أكثر أمناً. حتى في الأوضاع الطبيعية، ثمة عائلات كثيرة تنتظر المخصصات المالية في آخر أو مطلع كل شهر لتلبية احتياجاتها الأساسية. والأمر نفسه تقريباً يسري على المؤسسات الصحية والاجتماعية والتعليمية الأخرى التابعة لـ "حزب الله" مثل مدارس وكشافة المهدي.

 

من هنا، يتساءل الخبراء الماليون أنفسهم عن قدرة هؤلاء المقاتلين على الاستمرار في القتال، وإلى متى، إذا بدأت منابع الأموال تجفّ. والمؤسسات التعبوية الأخرى التي تمدّ صفوف الحزب بالعناصر أيضاً لن تكون بمنأى عن هكذا تداعيات. وبطبيعة الحال، ستشعر الشبكة الاجتماعية الأوسع للحزب بتأثير الضربات المستهدفة لبنيته المالية. ومن بين التداعيات المحتملة لتلك الضربات، تأثر عائلات الشهداء التي كان تحصل باستمرار على مرتبات شهرية من الحزب.

 

هل انتهى عصر "الثراء وسط الفقر"؟

في 3 أيلول (سبتمبر) 2024، وتحت عنوان "لماذا حزب الله ثري ولبنان فقير"، لخص كاميرون عبادي مقابلة مع الكاتب الاقتصادي في مجلة "فورين بوليسي" آدم توز. أشار توز إلى أن "حزب الله" تمكن بفضل أذرعته المالية من تأسيس عدد من ماكينات الصرافة الآلية في ذروة الأزمة المالية، حتى أنه ضخ "كمية سخية" من السيولة لمن كان بحاجة إليها.

ليس هذا فقط. كان الذراع المالي للحزب "مكوناً جديداً وسريع التوسع" مما عمّق وضعه في النسيج اللبناني. وقد نجح في بناء نوع من سلسلة توريد قادرة على توفير جميع المستلزمات المتعلقة بقطاع معين (مثل الطاقة الشمسية) على ما قاله توز.

 

يعتقد الخبراء الماليون أنفسهم، في حديث إلى "النهار العربي"، أن "حزب الله أمام أزمة مالية ملحة قد تطرأ في المرحلة المقبلة إن لم يكن في الساعات المقبلة"، على مشارف تشرين الأول (أكتوبر)، وهو موعد تحويل المستحقات المالية المعتادة عند مطلع كل شهر. هل تصح هذه التوقعات؟ أم أن الحزب تمكن من حماية القسم الأكبر من سيولته في مواجهة التعقب والضربات الإسرائيلية؟

 

قد لا يطول كثيراً زمن انتظار بعض الأجوبة على الأقل.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium