النهار

تحرّك برّي "محدود" لاختبار جاهزيّة "حزب الله"... ونتنياهو يتلاعب بالإقليم حتى إيران؟
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
الحديث الإسرائيلي عن "محدودية" الغزو البري يهدف إلى طمأنة الولايات المتحدة، التي تقول إنها لا تريد حرباً واسعة في المنطقة من الممكن أن تجر إلى تدخل إيراني. ومع ذلك، لا يمكن الركون إلى المدى الذي يمكن أن تذهب إليه العملية البرية، إذا حصلت على نطاق واسع.
تحرّك برّي "محدود" لاختبار جاهزيّة "حزب الله"...
ونتنياهو يتلاعب بالإقليم حتى إيران؟
مكان سقوط صاروخ أطلقه "حزب الله" على حورشيم وسط إسرائيل (أ ف ب)
A+   A-
في كل الاجتياحات البرية الإسرائيلية للبنان، كانت الأهداف المعلنة شيئاً بينما الذي حصل شيء آخر، وكانت الأمور تتطور وفقاً للغايات السياسية المصاحبة للتحركات العسكرية.

الجيش الإسرائيلي أعلن أن عمليته البرية التي بدأها فجر الثلاثاء "محدودة" وتشمل الحافة الأمامية للحدود، ولم تصل إلى حد الاشتباك المباشر مع مقاتلي "حزب الله" علماً أن لبنان و"حزب الله" لم يؤكدا اجتياز القوات الإسرائيلية الحدود. وترافق ذلك مع قصف جوي ومدفعي كثيف، ومع توسيع الغارات على سوريا لليوم الثاني، في مسعى واضح لقطع طرق الإمداد عن الحزب.

والحديث الإسرائيلي عن "محدودية" الغزو البري يهدف إلى طمأنة الولايات المتحدة التي تقول إنها لا تريد حرباً واسعة في المنطقة من الممكن أن تجر إلى تدخل إيراني. ومع ذلك، لا يمكن الركون إلى المدى الذي يمكن أن تذهب إليه العملية البرية، إذا حصلت على نطاق واسع.

في عام 1982، أقنع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ، بأن الغاية من العملية الإسرائيلية التي أطلقت عليها تسمية "سلامة الجليل" طرد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى شمال الليطاني، لكن شارون ورئيس وزرائه مناحيم بيغن توغلا عميقاً إلى بيروت.

وفي عام 2006، وبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت يفاوض وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً كوندوليزا رايس حول مشروع قرار لوقف النار في مجلس الأمن، أعطى أوامره لتوسيع العملية البرية قبل ثلاثة أيام فقط من صدور القرار 1701 لتنتهي بفشل ذريع للجيش الإسرائيلي.

الآن، يتوقف التوغل الإسرائيلي على عوامل عدة، في مقدمتها الديناميكية الميدانية، وهل سيواجه الجيش الإسرائيلي مقاومة قوية من "حزب الله" تجعل كلفة التقدم أكبر من المحتمل وتجعله يغوص في الوحل اللبناني مجدداً، كما حصل عام 1982، أو يكرر عمليته الفاشلة في 2006؟

ثانياً، أمام نتنياهو فترة تزيد على الشهر حتى موعد الانتخابات الأميركية، ليتضح من سيكسب، المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس أو المرشح الجمهوري دونالد ترامب، كي يحقق طموحاته في البعد الميداني والاستراتيجي. بعد الانتخابات سيكون نتنياهو مجبراً على الأخذ في الاعتبار ما سيرسو عليه المشهد السياسي الأميركي، ودائماً مع تفضيله ترامب.

ثالثاً، تعتقد الحكومة الإسرائيلية التي تضم الوزيرين المتطرفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين كانا من المعارضين للانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، أن الفرصة سانحة الآن لتغيير الواقع الاستراتيجي بكامله في الشرق الأوسط، وتحجيم النفوذ الإيراني.

وتبني إسرائيل عمليتها البرية على المكاسب الكبرى التي حققتها في الأسابيع الأخيرة في المواجهة مع "حزب الله"، وهي تعتقد أنها تتحرك في اللحظة المناسبة وقبل أن يستعيد الحزب توازنه من الضربات الاستخبارية والتكنولوجية غير المسبوقة التي تعرض لها، ابتداءً بتفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكي ووصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله.

وبعد غياب نصرالله، ترى إسرائيل أن فراغاً استراتيجياً حلّ بـ"حزب الله" وسائر قوى "المحور" وصولاً إلى إيران، وأن ثمة اختلالاً واضحاً في الموازين يتعين استغلاله لتحقيق أقصى مكاسب، تعيد للدولة العبرية عاملي الردع والضربات الاستباقية.

ومع اقتراب الذكرى السنوية لهجوم "حماس" على غلاف غزة والإخفاق الكبير الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه، يهم نتنياهو القول للإسرائيليين اليوم إنه بفضل قيادته حوّل إسرائيل في غضون عام من دولة يعتريها الإخفاق، إلى دولة في موقع الهجوم على "سبع جبهات"، وبأنها تقترب من "النصر الشامل" بعد إضعاف "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان وضرب الحوثيين في اليمن وتوجيه ضربات لسوريا.

ولا سقف لما يسعى إليه نتنياهو. أميركا معه وتؤمن له جانب إيران. وليس من قبيل الصدفة أن يطلق وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تحذيراً بالتزامن مع التحرك البري الإسرائيلي نحو جنوب لبنان، لإيران من إساءة التقديرات والتدخل لمساندة "حزب الله"، مرفقاً ذلك بلائحة تعزيزات عسكرية أميركية في الخليج وشرق المتوسط. ونادراً ما كانت أميركا تبقي على حاملتي طائرات في المنطقة.

هل يستغل نتنياهو الحماية الأميركية ليذهب إلى حد توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية؟
 

اقرأ في النهار Premium