ساعات قليلة فصلت بين لقاء وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مع المسؤولين اللبنانيين، وإعلان إسرائيل أنها بدأت بعملية برية "محدودة" في جنوب لبنان.
رئيس الدبلوماسية الفرنسية حثّ إسرائيل على عدم شن أي غزو بري للبنان، مؤكداً أن بلاده ستعزز دعمها للجيش اللبناني. وقال في مؤتمر صحافي عقده في قصر الصنوبر، إنه على جميع الأطراف "انتهاز الفرصة" للقبول بمقترح وقف إطلاق النار الذي قدمته الأمم المتحدة، مشدّداً أنه "لم يبق إلّا القليل من الوقت".
وقبل وصول الموفد الفرنسي، كان سبق لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن أوضح في كلمة له أن الجانب الإسرائيلي هو من فشّل كل المساعي الدبلوماسية في نيويورك على الرغم من الضمانات الدولية. وبعد لقائه بارو أكد ميقاتي من مقر الرئاسة الثانية أن لبنان على استعداد لتطبيق القرار 1701، وإرسال الجيش إلى جنوب الليطاني ليقوم بمهامه كاملة مع قوات حفظ السلام، بالرغم من أن الجيش موجود أصلاً منذ عام 2006، لكن ما قصده رئيس الحكومة هو تعزيز الوحدات العسكرية جنوب الليطاني.
وهذا ما ظهر في الفترة الأخيرة من مساع لتقديم الدعم للمؤسسة العسكرية حتى تتمكن من القيام بمهامها. لكن هذه الخطوة مرتبطة بشكل أو بآخر بانتهاء الحرب، وهنا مجدداً يصطدم المسار الدبلوماسي بالخطط العسكرية الإسرائيلية. بل أكثر من ذلك هناك من يرى أن الدعم مرتبط بداية بتطبيق القرار الدولي.
الأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور خطار أبو دياب ليس بعيداً عن هذا الرأي، ويقول لـ"النهار العربي" إن المبادرة الفرنسية الأميركية والجهد الأخير "لم يثمر إيقافاً للعملية العسكرية لسببين، الأول أن الآلة العسكرية الإسرائيلية انطلقت ولا يمكن معرفة ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أما السبب الثاني فهو أن حزب الله رفض عرض الدولة اللبنانية وتطبيق 1701".
هنا أيضاً تتقاطع المواقف مع سفير لبنان السابق لدى واشنطن أنطوان شديد، الذي رأى أن فرص نجاح المبادرة قليلة لأن "الوقت هو للحرب"، ومع بدء إسرائيل عملية برية "بات من الصعب القول إن حظوظ المبادرة قوية".
ويتابع، في حديثه مع "النهار العربي"، أنه من الصعب معرفة مدة الحرب "لأن ذلك له علاقة مباشرة بالميدان، لكن من مصلحة نتنياهو أن تستمر حتى الانتخابات الأميركية، أما إذا كانت الغاية البقاء عليها إلى حين الانتخابات الإسرائيلية، فإن النتائج ستكون كارثية".
لبنان يتيم
"فرنسا لم تنجح في حوارها مع حزب الله ولا مع إيران"، يقول أبو دياب، وهي غير قادرة على الضغط على إسرائيل، إضافة إلى وجود "تردد غربي تجاه إسرائيل لأنهم ينظرون إليها كأنها ابنتهم والأولوية لها دائماً في أي قرار سياسي، بينما لبنان يتيم ليس لديه لا دولة ولا عناية دولية، وهو خرج من حضنه العربي ورمى نفسه بالحضن الإيراني".
يدعو أبو دياب "حزب الله" لأن "يعي التغييرات"، خصوصاً أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة "إذا تمكن نتنياهو من تفكيك قدرات الحزب فهي لن تعترض". ويشير إلى أن "إدخال لبنان في هذه المعمعة كان مسألة خطيرة جداً"، وأن "لبنان هو رهينة بيد إيران منذ عام 2006 والخروج السوري".
وعن موقف واشنطن، يرى السفير شديد أن "الأميركيين يفضّلون ألا تتوسع الحرب، خصوصاً في فترة الانتخابات، لكن التصريحات التي صدرت مؤخراً على لسان عدد من المسؤولين في واشنطن يبدو أن توظيفها يأتي في خدمة المعارك الرئاسية". ويلفت هنا إلى أن إسرائيل قدمت نفسها على أنها "بمواجهة ضد حزب الله"، وهو خصم غير شعبي في الولايات المتحدة، و"لا يمانعون رؤية إسرائيل تلحق الضرر به، لأن ذلك من شأنه أن يلحق أضراراً بإيران عند أي مفاوضات تأتي لاحقاً، وأن يلاقي حزب الله مصير حماس".
العودة إلى الطاولة
السفير اللبناني السابق في واشنطن الذي عرف كواليس العديد من المراحل السياسية الحساسة، يؤكد لـ"النهار العربي" أنه عندما يهدأ الميدان "فإنّ المبادرة ستكون على الطاولة وستعود جميع الأطراف إليها"، ويلفت إلى أنّ هذا يتوقف على طريقة انتهاء المعارك. لكنه يؤكد "أن الأطراف لا بد من أن تعود إلى هذه المبادرة".
بالمقابل، ينظر أبو دياب المقيم في فرنسا، إلى أن تأخر ظهور نتائج الدبلوماسية سببه "غياب الدولة اللبنانية التي سلمت قرار السلم والحرب إلى إيران"، ويُذكّر بأنه منذ "7 أكتوبر" كان يأتي الموفدون الدوليون إلى بيروت لتحذير المسؤولين من الوصول إلى ما نحن فيه اليوم، وقالوا وقتها "هناك جنون إسرائيلي. لكن حزب الله استمر في الرهان. ربما كان يعتقد أن الحرب لن تطول، لكن حساباته كانت خاطئة".
ويبدي الخبير في العلاقات الدولية استغرابه من أنّه في الوقت الذي تخرج فيه تصريحات إيرانية تدعو إلى التعقل وعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، نجد أن "العدّ العكسي أمام فرص إنقاذ لبنان بدأ، والشيء الوحيد الذي يمكن القيام به الآن لإنجاح الدبلوماسية هو "قبول حزب الله بوقف الإسناد لأن لا قيمة لها بعد الآن وتحولت الحرب في غزة إلى حرب عصابات، وعلى الحزب والرأي العام إدراك هذه الحقائق".