أدت غارة جوية إسرائيلية على قافلة مساعدات في غزة يوم الاثنين إلى مقتل سبعة من موظفي منظمة "وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ المركزي العالمي) الخيرية، من بينهم مواطنون من أستراليا وبريطانيا وبولندا.
وقالت إسرائيل إنها قتلت موظفي الإغاثة عن طريق الخطأ ووعدت بإجراء تحقيق كامل.
وقال الطاهي الشهير خوسيه أندريس، مؤسس المنظمة الخيرية لرويترز في مقابلة غلبت عليها العاطفة الأربعاء، إن الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل سبعة من موظفي المنظمة في غزة استهدفهم "بشكل منهجي وعربة تلو الأخرى".
وأضاف في المقابلة المصورة أن المنظمة كانت على اتصال واضح مع الجيش الإسرائيلي الذي كان على علم بتحركات موظفيها.
وتابع أندريس قائلاً إن هذا لم يكن "موقفاً ينم عن سوء الحظ (لنقول) ’يا لسوء الحظ، لقد أسقطنا القنبلة في المكان الخطأ’".
وأضاف "كان ذلك على مسافة امتدت لما يزيد على 1.5 أو 1.8 كيلومتر، وكانت قافلة الإغاثة واضحة جدا وعليها ملصقات من أعلى... وشعار ملون... كان من الواضح جدا من نحن وماذا نفعل".
وقال أندريس إن الجيش الإسرائيلي كان على علم بمكان وجود القافلة. ودعا إلى إجراء تحقيقات في هذه الواقعة من حكومة الولايات المتحدة ومن حكومات البلدان التي ينتمي لها كل عامل إغاثة أُزهقت روحه.
وأضاف "كانوا يستهدفوننا في منطقة منزوعة السلاح، في منطقة يسيطر عليها جيش الدفاع الإسرائيلي. وكانوا يعلمون أن فرقنا هي التي كانت تتحرك على هذا الطريق... بثلاث سيارات".
غضب عالمي
وأثار الحادث غضباً عالمياً يتصاعد يوماً بعد آخر. والثلثاء قدّم الملك الأردني عبدالله الثاني تعازيه لأندريس، وكتب في تدوينة عبر منصة "إكس": "تعازينا الحارة لخوسيه أندريس ومنظمة بمقتل أعضاء من فريقها خلال إصالهم مساعدات غذائية عاجلة لأهل غزة. نقدر تضحياتكم وإنسانيتكم. يجب حماية المنظمات الإنسانية في غزة وتمكينها من إيصال المساعدات الحيوية للأشقاء في القطاع".
تعازينا الحارة لخوسيه أندريس ومنظمة WCK بمقتل أعضاء من فريقها خلال إيصالهم مساعدات غذائية عاجلة لأهل غزة. نقدر تضحياتكم وإنسانيتكم. يجب حماية المنظمات الإنسانية في غزة وتمكينها من إيصال المساعدات الحيوية للأشقاء في القطاع
— عبدالله بن الحسين (@KingAbdullahII) April 2, 2024
خوسيه أندريس... من هو؟
عندما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في مطلع آذار (مارس) عن خطط الجيش الأميركي لبناء رصيف على ساحل غزة لتوصيل المساعدات الإنسانية عن طريق البحر، كان الطاهي الإسباني الأميركي خوسيه أندريس قد تقدم بخطوة على أقوى قوة مقاتلة في العالم.
وكان أندريس قد استولى على زورق قَطر لنقل 200 طن من الطعام من لارنكا إلى شواطئ غزة لاستخدامها في المطابخ التي تديرها مجموعته للإغاثة من الكوارث. كذلك، سافر جواً إلى تل أبيب لإقناع المسؤولين الإسرائيليين بدعم مبادرته.
ونسبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى أندريس قوله إن وصول سفينة القطر إلى قبرص في منتصف شباط (فبراير)، "خطوة نحو تحقيق المستحيل".
ومن أجل الوصول إلى الشاطئ بعد قصف ميناء غزة، شيّد المقاولون المحليون رصيفاً للمراكب الصغيرة من أنقاض المباني المدمرة. وبدأت السفن رحلة تستغرق ثلاثة أيام عبر المتوسط قبل اكتمال الرصيف.
وفي حرب تفرض تحديات غير مسبوقة على منظمات إنسانية عادة ما تعمل في البيئات الأكثر صعوبة في العالم، تمكنت مؤسسة أندريس الخيرية من استكمال عملها.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص يتضورون جوعاً نتيجة حرب إسرائيل في غزة. وفي حين توفر الأمم المتحدة حوالى 80 في المئة من المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، يشكل "المطبخ المركزي العالمي" أكثر من نصف المساعدات غير التابعة للأمم المتحدة. وكانت عمليات التسليم معظمها من المواد الغذائية، بحسب ما ذكرته هيئة التنسيق العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على المساعدات.
والواقع أن أندريس، الحائز "نجمة ميشلان" مرتين، وروّج أخيراً لأحدث كتاب طبخ له بعنوان "The Tonight Show Starring Jimmy Fallon"، أنشأ منظمة غير ربحية تتخذ من واشنطن مقراً لها، وذلك استجابة لزلزال هايتي عام 2010. وتقدم مطابخها الميدانية وجبات ساخنة مجانية في الأزمات، بما في ذلك الزلازل الأخيرة في تركيا وسوريا والمغرب والفيضانات في أفغانستان وباكستان. وعمل أندريس للمرة الأولى في منطقة حرب في أوكرانيا، حيث بنى شبكة من المطاعم الشريكة لإعداد وجبات الطعام للعائلات النازحة.
أما في غزة، التي يسكنها حوالى 2.2 مليون شخص، فقدم "المطبخ المركزي العالمي" أكثر من 43 مليون وجبة منذ تشرين الأول (أكتوبر). ويقدم المطبخ الميداني الرئيسي في مدينة رفح يومياً 50 ألف وجبة ساخنة وغيرها من الوجبات للفلسطينيين، ولديه مخبز خاص به. وتدير المنظمة الكثير من المطابخ المجتمعية الأخرى في مختلف أنحاء غزة، وتقدم وجبات الطعام للموظفين والمرضى في المستشفيات التي لا تزال تعمل. وقدمت حوالى ثلث كمية الغذاء التي وفرها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
ويقول أندريس الذي يتطوع في المنظمة بينما يواصل إنشاء مطاعم جديدة، إن هدفه الرئيسي من إطلاق الممر البحري كان إظهار أن الوضع في غزة سيئ لدرجة أنه يستلزم مثل هذه الإجراءات الصارمة. وقال في مقابلة: "يمكننا الاختيار بين التذمر طوال اليوم وإيجاد طرق بديلة... الهدف النهائي بالنسبة إلينا هو التأكد من أننا قادرون على إطعام أكبر عدد ممكن من الأشخاص وتقليل المجاعة إلى الحد الأدنى".
وبنى الطاهي علاقات جيدة مع قادة العالم ونجوم السينما الذين يتعامل معهم في مهمة الاستجابة لحالات الطوارئ في جميع أنحاء العالم.
والواقع أن جاهزية "المطبخ المركزي العالمي" ساعدته في التغلب على العقبات اللوجستية والبيروقراطية في غزة. وعندما نفد غاز الطهو بعد بدء الحرب، لجأ إلى مواقد الحطب وحصل على وقود البليت من مصر. وللتهرب من الحظر الإسرائيلي على ملاعق الخلط المعدنية، اعتمد ملاعق خشبية.
وعندما حالت نقاط التفتيش الإسرائيلية دون تقديم الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية وجبات جاهزة في شمال غزة، انضم "المطبخ المركزي العالمي" إلى الأردن في شباط (فبراير) في إنزال المواد الغذائية جواً، قبل أسابيع من توجيه بايدن الجيش الأميركي نحو القيام بذلك.
وفي منتصف آذار (مارس)، وصلت سفينة القطر التابعة للمجموعة إلى ساحل غزة. وتمكنت الطواقم البرية التي تعمل تحت إشراف القوات الإسرائيلية، من تجهيز منطقة الإنزال في شمال القطاع. وبمجرد تفريغ الحمولة، حققت الشحنة الأولى التي أرسلتها مجموعة الإغاثة عن طريق البحر إلى غزة نجاحاً كبيراً، إذ تمكنت من تأمين حوالى 20 شاحنة من المواد الغذائية.
وأطلقت هذه المهمة نتيجة تدهور الوضع في الشمال مع انقطاع كل المساعدات تقريباً. وأعرب أندريس عن أمله في إيصال الغذاء إلى المدنيين في مستشفيات غزة، بينما يحاول توصيل المزيد من الطعام بالشاحنات، التي تعتبر أكثر كفاءة.
وفي مطلع كانون الثاني (يناير)، أرسل أندريس رسالة نصية إلى صديقه أوسكار كامبس، الناشط الكاتالوني الذي يدير منظمة "Open Arms" غير الربحية لمساعدة المهاجرين، بشأن إرسال الغذاء إلى غزة عن طريق البحر. ومع حصولهما على تصاريح للقيام بالرحلة الأولى، كشف بايدن عن الخطة الأميركية، وقالت المفوضية الأوروبية إنها تدعم ممراً بحرياً، ما ألقى الضوء على رحلة "المطبخ المركزي العالمي" التي انطلقت في الأسبوع التالي.
وأوضح أندريس: "فعلنا ذلك بمفردنا، وليس بالتنسيق مع أي جهة". وهو حصل على تصاريح بيروقراطية من قبرص وإسرائيل، اللتين فتشتا البضائع قبل إبحار السفن، وحصل على دعم مالي من الإمارات العربية المتحدة.
وفي يوم السبت، أطلقت الشحنة الثانية لـ"المطبخ المركزي العالمي" من قبرص بعد انتظار أسابيع ليصبح الطقس أفضل للإبحار. وتنضم إلى البارجة والقاطرة الأصلية سفينة شحن أكبر وسفينة دعم تحمل ما يكفي من الأرز والمعكرونة والدقيق والتمر والأغذية المعلبة لإعداد أكثر من مليون وجبة.
هذه المرة، تنتظر السفينة الأكبر حجماً في المياه الدولية بينما تنقل البارجة الغذاء، في وقت يهدف المطبخ إلى زيادة حجم عمليات التسليم وسرعتها، كما قال خوان كاميلو جيمينيز، الذي ساعد في تنظيم الشحنتين. وأوضح: "أسلوب عملنا هو: الاستعداد والقيام بكل ما يمكن التحكم فيه، لمباشرة الرحلة فور توفر الفرصة".
ومن المرجح أن تكتمل الرحلات الإضافية قبل بدء أعمال البناء على الرصيف الأميركي، الذي يقول مسؤولو الدفاع الأميركيون إنه قد يستغرق شهرين لأن الجيش الأميركي عليه نقل المعدات والقوات إلى المنطقة، بما في ذلك ست سفن و1100 عسكري.
وتدعو خطة البنتاغون إلى تفريغ المساعدات من السفن على رصيف عائم، ثم نقلها بواسطة سفن الدعم العسكرية الأميركية إلى جسر مؤلف من مسارين، يتم ربطه بالشاطئ. وقال بايدن إنه لن ينشر قوات أميركية على الأرض، بل أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يتولى توفير الأمن.