عمّقت المعاناة المتزايدة والموت والدمار خلال ستة أشهر من الحرب في قطاع غزة الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين باتوا يشعرون اليوم أن آفاق السلام أبعد من أي وقت مضى.
ويقول المزارع الإسرائيلي ياردن زيماش (38 عاما) إنّه كان يشعر الأمان عندما كان يقطف ثمار الأفوكادو مع فلسطينيين في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر)، قبل يومين فقط من الهجوم الذي نفذته حركة "حماس" على مستوطنات وقواعد عسكريّة إسرائيليّة في الجنوب، وأتبع بحرب مدمّرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ ذلك الوقت أسفرت عن سقوط 33091 ضحيّة غالبيتهم من النساء والأطفال.
ومنذ اندلاع أعمال العنف الدامية التي أودت بشقيقه في كيبوتس بئيري المدمّر على بعد أربعة كيلومترات من السياج الحدودي مع غزة، بات زيماش يرى في أهالي غزة تهديداً.
ويقول على مقربة من منازل محترقة: "ربما بعد سنوات، يصبح السلام ممكنا، لكن ليس في الوقت الحالي".
بدورها، تعتبر الفلسطينية فداء مصابح (27 عاما)، التي دمّر منزلها في شمال غزة بقصف جوي، أنّ "معاناتنا ازدادت بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بعد 33000 شهيد والدمار والحصار".
وهي تقيم حاليا في منزل مع 27 من أقاربها في رفح، وتخشى هجوما إسرائيليا محتملا على المنطقة الجنوبية التي يتكدس فيها 1,5 مليون شخص غالبيتهم نازحون.
وتضيف: "كيف أستطيع أن أتأمل بحلول السلام؟ لم يعد لدينا شيء نخسره".
"سؤال مروّع"
لم تجر أي محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية ذات مغزى منذ سنوات. ويعني ذلك أن أي مفاوضات مستقبلية ستكون على خلفية حمام الدم غير المسبوق هذا، وسيشكّك كل طرف بإنسانية الطرف الآخر.
وتظهر مقاطع فيديو صادمة وروايات ناجين حجم العنف المفرط الذي حصل خلال هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) داخل إسرائيل.
وخُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصاً ما زال 130 منهم أسيراً في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
في قطاع غزة، حجم الدمار غير مسبوق، ويُقتل العشرات يومياً، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" التي تسيطر على القطاع، في القصف الإسرائيلي المتواصل الذي سوّى مساحات واسعة من الأبنية بالأرض.
وحذّرت الأمم المتحدة من أن سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة على شفا المجاعة.
ويقول خليل الشقاقي، من المركز الفلسطيني للبحوث السياسيّة، إنّ الجانبين "يحاولان تصوير كلّ ما يحدث في سياق أنّ الطرف الآخر غير مؤهل ليكون شريكاً".
ويتساءل الإسرائيليون والفلسطينيون عمّا إذا كان الطرف الآخر "حقا من البشر. إنه سؤال مروع"، وفق ما يقول دنيس شاربيت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسرائيل المفتوحة.
ورغم أنّ الحرب تدور في غزة، تصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة حيث تنفّذ القوات الإسرائيلية عمليّات عسكريّة يوميّة، بينما يتواجه مستوطنون وفلسطينيون، ما أوصل العنف إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقدين.
ويقول طارق علي (47 عاما)، الذي يعمل موظفا في محل لبيع الأدوات الكهربائية جنوب رام الله في الضفة الغربية، إنّ "ما جرى في غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أبعدَ المسافة لتحقيق سلام بين الشعبين".
ويضيف: "صحيح أنّ وضعنا كان سيّئاً قبل السابع من أكتوبر، لكن اليوم بات الاسرائيليون من الجيش والمستوطنين يقتلون دون رحمة، سواء في الضفة او غزة، وهذا عمّق الكراهية بيننا وبينهم، وبالتالي أبعد إمكانية تحقيق السلام".
"جدران غير عالية بما يكفي"
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي ومقرّه تل أبيب في مطلع آذار (مارس)، أنّ الدعم اليهودي لـ"حلّ الدولتين" تراجع إلى مستوى "غير مسبوق" ليبلغ نسبة 35 بالمئة.
ويمثّل هذا الرقم انخفاضاً حاداً مقارنة بنسبة 49 بالمئة في 2022 أيدوا إقامة دولة فلسطينية.
في المقابل، ارتفعت نسبة تأييد سكان غزة لحلّ الدولتين، وفقاً لاستطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية، من 35 بالمئة في كانون الأول (ديسمبر) إلى 62 بالمئة في آذار (مارس).
ويقول الشقاقي إنّ "خيار السلام على المستوى الشعبي لا يزال قائماً اليوم كما كان في الماضي، وربما سيزداد عندما تنتهي الحرب".
ويقول شاربيت إنّ نطاق الحرب وقلق المجتمع الدولي وفّرا فرصة جديدة للجانبين لتحقيق السلام، مضيفاً: "هناك فرصة ضئيلة جدا، لكنها مع ذلك فرصة".
وتقول هيلا فنلون، من سكان مستوطنة تنفيت هاسارا القريبة من الحدود الشمالية لغزة، إنّها تشعر بأنّ السلام سيكون ممكناً يوماً ما.
لكن في مستوطنتها التي لحقت بها أضرار فادحة في اللحظات الأولى للهجوم، يبدو ذلك بعيد المنال.
وأثناء وقوفها قرب حواجز اسمنتية تفصل بين غزة ونتفيت، تضيف هاسارا: "في الماضي، كنت أعتقد أنّ السلام يعني إزالة هذه الجدران". وتتابع: "في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، أثبتوا لنا أنّ هذه الجدران قد تكون غير عالية بما فيه الكفاية".