تشكل المواجهات المتزايدة في الضفة الغربية وعلامات الصراع المدني بين "حماس" والسلطة الفلسطينية علامات إضافية على الانقسامات العميقة حول مستقبل غزة، وهي تثير تساؤلات حول الشكل الذي قد تبدو عليه حكومة ما بعد الحرب في القطاع.
واعتقلت حماس أواخر الشهر الماضي عدداً من مسؤولي السلطة الفلسطينية في غزة وحاولت منع قافلة مساعدات يشرف عليها موظفو السلطة من إكمال طريقها في القطاع، واتهمت موظفين بالعمل مع إسرائيل في أول مواجهة بين الحركتين منذ هجمات 7 أكتوبر(تشرين الأول).
وقالت "حماس" أيضًا إنها ستشرع في اعتقال المزيد من الأشخاص المرتبطين بالسلطة الفلسطينية في غزة.
وبعد عدد من الحوادث الأمنية بين الجانبين في غزة والضفة الغربية، وتصاعد لهجة الانتقادات والتخوين بينهما ولقاءات "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في طهران، أصدرت "فتح" الأسبوع الماضي توبيخًا علنيًا نادرًا لإيران، أحد الممولين والداعمين الرئيسيين لحماس، معلنة رفضها "التدخلات الخارجية، وتحديداً الإيرانية، في الشأن الداخلي الفلسطيني"، ومعتبرة أن هذه التدخلات "لا هدف لها سوى إحداث الفوضى والفلتان والعبث بالساحة الداخلية الفلسطينية، الأمر الذي لن يستفيد منه إلا الاحتلال الإسرائيلي وأعداء شعبنا".
القيادي في حركة "فتح" منير الجاغوب شرح خلفيات البيان وتصاعد التوتر بين "فتح" و"حماس"، مؤكداً أن الخلافات بين الطرفين ليست بالجديدة، وتعود إلى الانتفاضة الأولى وصولاً إلى الانقلاب عام 2007 (سيطرة حماس على غزة)، ثم أخيراً الأحداث التي وقعت داخل مدينة طولكرم بالاستيلاء على سيارة تابعة للسلطة الفلسطينية، و"وضع علم أحد الأحزاب عليها بطريقة توحي بأن هناك شيئاً يتحضر في الأفق، له علاقة بالذهاب إلى بحر من الدماء الجديدة في الضفة الغربية، ومحرقة جديدة كما حدث في قطاع غزة".
وعلى هذا الأساس، يعتبر أن القيادة الفلسطينية تنبهت إلى ما يحدث هناك، فتحركت قوات الأمن لإنهاء هذه الظاهرة.
واستغرب سلوك "حماس" حيال قوافل المساعدات، قائلاً أن "شخصاً يريد أن يقاوم الاحتلال يذهب ليستولي على مركبة تابعة للسلطة الفلسطينية"!. ففي رأيه أنه يتم استغلال المواجهة مع الاحتلال لخلق الفوضى والعبث، وهذه عملياً زعزعة للاستقرار العام والأمن الداخلي. واعتبر أن ما يحصل خطير جداً، و "عملية تقويض للسياسة الفلسطينية عن طريق استغلال مواجهة الاحتلال، فمواجهة الاحتلال شيء والعبث بالجبهة الداخلية والسياسية الفلسطينية شيء آخر، ويجب أن نفرق بين الاثنين".
ويدرج بيان "فتح" الأخير في هذا الإطار. قائلاً: "بعدما تبين للأجهزة الفلسطينية أن هناك أطرافاً تدعم هذه الجهات بالمال والسلاح، وأن هذا التمويل له علاقة بدعم خارجي من جهة مثل إيران". ويتساءل: "كيف وصل هذا التمويل؟ وكيف تم شراء السلاح وكيف تم توزيعه، ولماذا لم يستخدم ضد الاحتلال ولماذا يتم استخدامه ضد السلطة الفلسطينية؟ طبعاً، من أجل تقويضها". وأضاف: "الاحتلال الإسرائيلي يقتحم يومياً المدن والقرى والمخيمات حتى يقول للشعب الفلسطيني إن هذه السلطة غير قادرة على حمايتك، ثم يخرج المسلحون للاعتداء على السلطة الفلسطينية، وبالتالي هذا العبث له علاقة، ليس بتحطيم القدرات الأمنية الفلسطينية، فنحن ليس لدينا لا صواريخ ولا قدرات عسكرية، ولكن تحطيم النفوذ السياسي الفلسطيني ليظهر الفلسطينيون كأن لا رأس سياسياً لهم وتصبح الأمور بلا جدوى".
وأوضح الجاغوب أن البيان جاء أيضاً للرد على "تفوهات أسامة حمدان اليومية ضد السلطة الفلسطينية وضد حركة فتح، فهو يخرج إلى وسائل الإعلام، وشغلته وعملته هي تخوين السلطة الفلسطينية وتخوين حركة فتح وشتمهما. ليس لديه شيء آخر".
ولماذا صعدت "فتح" لهجتها ضد إيران؟ أجاب الجاغوب بأن "إيران هي التي تمول هذه الفصائل، وما قاله المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني إن معركة طوفان الأقصى هي انتقام لمقتل قاسم سليماني، لم يكن خطأ في وسائل الإعلام بل كان حقيقة. ويوم أمس قالوا إن من أعد طوفان الأقصى كان (محمد رضا) زاهدي، وإسماعيل هنية وقف يتحدث وخلفه شعار طوفان الأحرار. تحولت المعركة إلى طوفان الأحرار. هل هي إيران التي تتحكم باسم المعركة أيضاً؟ إذاً هي التي تقف خلف كل هذه المآسي للشعب الفلسطيني والمحرقة الكبيرة التي تحدث". وأضاف: "هم يتحدثون ليلاً ونهاراً الآن عن معركة آتية لها علاقة بالانتقام لما حدث في السفارة الإيرانية في دمشق. هل يريدون أن يحاربوا بالدماء الفلسطينية؟".
وختم الجاغوب: "هنا تكمن خلفية المخاوف الفلسطينية والاتهامات لإيران، لأن ما يتحدث به الإيرانيون يثبت أنهم خلف ما يحدث من عبث في الساحة الفلسطينية وحتى الآن بالساحات العربية".
أمن السلطة الفلسطينية في طولكرم
بين "فتح" و"حماس"
تأتي تلك التطورات بعد أيام من لقاء قياديين من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في طهران، وإعلانهم "تقديرهم للجمهورية الإسلامية في إيران لما تقدمه من دعم استراتيجي للمقاومة والشعب الفلسطيني ومواقفها الثابتة في دعم حقوقه الوطنية".
كما تتزامن مع كشف مصدر مطلع في "حماس" أن القوة الأمنية التي اعتقلتها الحركة في غزة، بينما كانت ترافق شاحنات مساعدات من الهلال الأحمر المصري، تشكلت بعد اجتماع أمني إسرائيلي مع رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطيني ماجد فرج، في مطلع شهر آذار (مارس) الماضي في إحدى العواصم العربية.
وقال المصدر إنه تم تكليف اللواء فرج إدارة فرق لمرافقة شاحنات المساعدات إلى غزة، وذلك في إطار التمهيد لإيجاد بديل من "حماس" بعد انتهاء الحرب، وبغطاء من بعض الدول العربية.
وأضاف المصدر أن فرج قدم قائمة بمئات الأشخاص المقيمين في غزة للقيام بهذا الدور، على أن تتولى الدول العربية المعنية تنسيق دور الفرق المشكلة لمرافقة المساعدات وتوزيعها.
وكانت القناة 14 الإسرائيلية المقربة من معسكر نتنياهو نشرت أن إسرائيل توجهت إلى السلطة الفلسطينية من أجل أن تتحمل مسؤولية توفير الحماية للشاحنات وتوزيع المساعدات داخل قطاع غزة، بخاصة بعدما ثبتت استحالة تولي العشائر ذلك.
وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن السلطة الفلسطينية ستتولى المهمة عن طريق ماجد فرج الذي بدأ فعلياً يعمل على ذلك، وعين ضابطاً من جهاز الاستخبارات الذي بدأ بدوره التنسيق مع العشائر، بخاصة في جنوب قطاع غزة، لبناء قوة عشائرية مسلحة.
وبحسب المحللين والصحافيين الإسرائيليين، فإن ماجد فرج يقوم بتنسيق نشاطاته مع منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في (المناطق) الضفة الغربية وقطاع غزة غسان عليان، وتم إصدار تعليمات لممثل السلطة إياد ناصر الذي استأجر خمس شركات نقل ليتم من خلالها نقل المساعدات.
وبحسب رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ففي الوقت الذي لم يتم فيه اتخاذ قرار بشأن "اليوم التالي"، فإن حركة "حماس" تعمل على زيادة سيطرتها على غزة، بخاصة على المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، وبالتالي يجب تعزيز البدائل وإيجاد الحلول بسرعة.
وبدأت الخطوة الأولى بتشكيل 10 فرق تتكون كل منها من 4 أشخاص، لمرافقة 10 شاحنات دخلت من معبر رفح. وصعد كل فريق إحدى الشاحنات لتسليم المساعدات إلى جمعية الهلال الأحمر في غزة. غير أن المفاجأة التي لم يتوقع حدوثها كانت الفوضى العارمة التي أحاطت بعملية التوزيع وتجمهر الناس لتسلمها، ما دفع عناصر القوة الأمنية إلى سحب أسلحتهم الشخصية من أجل السيطرة على، وهو الأمر الذي أدى لانكشافهم أمام قوات أمن "حماس" التي قامت باعتقالهم والتحقيق معهم.
واعترف هؤلاء العناصر بأنهم يتبعون ماجد فرج وأقروا بتفاصيل الخطة الموضوعة.
وأشار المصدر إلى أن حركة "حماس" أطلعت القوى الوطنية والإسلامية بمن فيها حركة "فتح" في اجتماع في غزة على تفاصيل ما جرى، وتمت إدانة ذلك ودعم الإجراءات التي اتخذت.
مخطط من 3 مراحل
وكان مسؤول أمني في وزارة الداخلية في قطاع غزة، قد اتهم اللواء ماجد فرج بوضع خطة أمنية لإدارة قطاع غزة تستند إلى 3 مراحل، وفقاً لما كشفته التحقيقات، تشمل المرحلة الأولى الأمن الغذائي تحت غطاء الهلال الأحمر الفلسطيني، والثانية تستهدف العشائر، والثالثة تتعلق بالأمن الشامل. وأضاف أن الخطة حددت مقر الهلال الأحمر في مستشفى القدس مقراً للقوة الأمنية بحماية جوية إسرائيلية.
وأشار إلى أن اللواء فرج كلّف فريقاً من ضباط الاستخبارات الفلسطيني بمتابعة تنفيذ الخطة، وأن الضباط الذين تم تكليفهم هم ناصر عدوي وسامي نسمان وشعبان الغرباوي وفايز أبو الهنود.
وأكد أن أفراداً من القوة كلفوا بجمع معلومات عن مجمع الشفاء الطبي لمصلحة فرج، قبل أسبوعين من الاقتحام الأخير.
إلى ذلك، لفتت الجبهة الداخلية في قطاع غزة إلى أن هدف هؤلاء كان إحداث حالة من البلبلة والفوضى ، وإنهم تسللوا بتأمين من جهاز الأمن العام "الشاباك" والجيش الإسرائيلي بعد اتفاق تم بين الطرفين.
وهددت بأنه "سيتم الضرب بيد من حديد على كل مَن تسول له نفسه أن يلعب في مربع لا يخدم سوى الاحتلال، وقد أعذر من أنذر".
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن مصدر رسمي فلسطيني قوله "إن بيان ما تسمى داخلية حماس بشأن دخول المساعدات إلى غزة لا أساس له من الصحة".
وأضاف المصدر الرسمي: "سنستمر في تقديم كل ما يلزم لإغاثة شعبنا، ولن ننجر خلف حملات إعلامية مسعورة تغطي على معاناة شعبنا في قطاع غزة وما يتعرض له من قتل وتهجير وتجويع".