شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات على قطاع غزة خصوصاً المناطق الوسطى الجمعة، في وقت يتواصل تأهب الدولة العبرية إزاء تهديد إيران بالردّ على قصف قنصليتها في دمشق، توازياً مع اتصالات دبلوماسية لنزع فتيل التصعيد الإقليمي.
الى ذلك، لا يزال الوسطاء الأميركيون والقطريون والمصريون ينتظرون رد كل من إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" على مقترح للتهدئة يهدف الى إرساء هدنة ومبادلة الرهائن الإسرائيليين بمعتقلين فلسطينيين، بعد أكثر من ستة أشهر على اندلاع الحرب التي تسببت بدمار هائل وأزمة انسانية كارثية في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وأفاد مكتب الاعلام الحكومي التابع لـ"حماس" الجمعة بأن الطيران الإسرائيلي شنّ عشرات الغارات خلال الليل على مختلف مناطق القطاع، خصوصا النصيرات والمغراقة والمغازي في وسطه.
وأفاد عن مقتل 25 شخصا على الأقل في غارة طالت منزل عائلة الطباطيبي في حي الدرج، تمّ نقل جثثهم الى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي قام بتفجير عشرات المنازل والمباني السكنية بعد تفخيخها في مخيم النصيرات للاجئين.
وأكد محمد الريس (61 عاما) أن القصف الجوي والمدفعي طال النصيرات "طوال الليل... هربنا في الصباح ولا مكان نذهب إليه. هذه سادس مرة ننزح فيها".
وأفاد بيان للوزارة بأنه خلال 24 ساعة حتى صباح الجمعة، سُجّل مقتل 89 شخصا، مشيرا إلى أن عدد المصابين الإجمالي ارتفع إلى 76214 جريحا جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر.
من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة أن طائراته المقاتلة استهدفت في الساعات الماضية أكثر من "60 هدفا إرهابيا" تشمل منصات إطلاق صواريخ ومنشآت عسكرية لـ"حماس".
وكان الجيش أعلن أنه بدأ ليل الأربعاء - الخميس "حملة عسكرية مباغتة في وسط قطاع غزة"، نفّذ من خلالها ضربات جوية على "العشرات من البنى التحتية الإرهابية فوق الأرض وتحتها".
عين على إيران
وبعد دخول الحرب شهرها السابع، زادت في الأيام الماضية المخاوف من بلوغ التصعيد مستوى غير مسبوق، مع توعّد إيران بالردّ على قصف مبنى قنصليتها في دمشق في الأول من نيسان (أبريل).
واتهمت طهران عدوها اللدود إسرائيل بتنفيذ الضربة التي أدت الى مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني بينهم ضابطان كبيران. وتوّعد كبار المسؤولين، يتقدمهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الدولة العبرية بـ"معاقبتها".
في المستجدّات، أكد البيت الأبيض أن تهديدات إيران "حقيقية". وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لصحافيين "لا زلنا نعتبر أن تهديد إيران المحتمل، حقيقي وموثوق" وتنوي الولايات المتخذة "بذل كل ما هو ممكن لضمان تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها".
وكشف 3 مسؤولين أميركيين لموقع "أكسيوس" عن أن إيران وجّهت رسالة إلى إدارة الرئيس جو بايدن عبر دول عربية عدّة في وقت سابق من هذا الأسبوع مفادها بأن إذا شاركت الولايات المتحدة في القتال بين إسرائيل وإيران فستتعرّض القوّات الأميركية في المنطقة للهجوم.
وشددت إسرائيل التي لم تتبن الضربة، على أنها ستردّ على أي استهداف إيراني، بينما أكدت حليفتها واشنطن دعمها في مواجهة أي تهديد.
وبينما أعلنت واشنطن تقييد حركة دبلوماسييها في إسرائيل بسبب المخاوف الأمنية، وصل قائد القيادة المركزية الأميركية ("سنتكوم") الجنرال إريك كوريلا الى الدولة العبرية الخميس للقاء مسؤولين عسكريين.
كذلك، بحث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هاتفيا مع نظيره الأميركي لويد أوستن "مستوى الاستعداد (لمواجهة) هجوم إيراني ضد دولة إسرائيل"، وفق بيان رسمي إسرائيلي.
وشدد غالانت على أن "إسرائيل لن تتساهل مع ضربة إيرانية ضد أراضيها".
وحذّر وزير الخارجية يسرائيل كاتس من أنه "اذا قامت إيران بهجوم من أراضيها ستردّ إسرائيل وتهاجم إيران".
وعلى رغم التباينات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن طريقة إدارة الأخيرة للحرب في غزة، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع دعم بلاده "الثابت" للدولة العبرية في مواجهة أي تهديدات إيرانية.
وأكد البيت الأبيض الخميس أنه "حذر" إيران من استهداف إسرائيل.
اتصالات دبلوماسية
من جهتها، جددت إسرائيل الخميس تأكيد حتمية الرد على الضربة في دمشق.
وقال وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان "عندما يُقدِم النظام الصهيوني، مخالفا القانون الدولي واتفاقيات فيينا، على انتهاك كامل لحصانة الأفراد والمقار الدبلوماسية، يصبح الدفاع المشروع ضرورة".
وشدد على أن "السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتكز دائما على تجنب التوترات"، معتبرا أن "إسرائيل هي نظام احتلال ولفلسطين الحق المشروع في الدفاع عن النفس. على هذا المسار، السبيل الوحيد لحل المشكلات الراهنة هو إنهاء الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في غزة".
وتلقى أمير عبداللهيان في الأيام الماضية سلسلة اتصالات من نظرائه في دول عدة منها ألمانيا وبريطانيا والسعودية وقطر، تمحورت جميعها على خفض التوتر وتجنب التصعيد.
وأكدت الخارجية الأميركية ليل الخميس أن الوزير أنتوني بلينكن تواصل مع عدد من نظرائه بمن فيهم الصيني واني يي والسعودي فيصل بن فرحان، لحضّ إيران على عدم "التصعيد".
وأفادت بكين الجمعة بأنها حضّت واشنطن على أداء "دور بنّاء" بشأن التوتر. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ "ستواصل الصين أداء دور بنّاء في مسألة الشرق الأوسط (...) والمساهمة في تهدئة الوضع. على الطرف الأميركي خصوصا أن يؤدي دورا بنّاء".
وفي ظل المخاوف من تصعيد واسع، نصح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مواطنيه "بضرورة الامتناع عن التوجه إلى إيران وإسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية"، على ما أفادت أوساطه وكالة "فرانس برس".
دخول رفح لتحقيق "النصر"
اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) مع شن حركة "حماس" هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أوقع 1170 قتيلا غالبيتهم مدنيون، بحسب تعداد أجرته وكالة "فرانس برس" استنادا إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء" على الحركة، وتشن عمليات قصف أتبعتها بهجوم بري، ما أدى الى مقتل 33634 شخصا في القطاع غالبيتهم من المدنيين، بحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ"حماس" صدرت الجمعة.
كذلك، خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 129 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
ومساء الخميس، تظاهر إسرائيليون أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمطالبة بمواصلة الحرب حتى "النصر".
وقال ديميتري (42 عاما) وهو أستاذ يبلغ 42 عاما "يجب احتلال رفح في أسرع وقت ممكن لتحقيق النصر في الحرب".
ويلوّح نتنياهو منذ أسابيع بشنّ هجوم بري على رفح في أقصى جنوب القطاع قرب الحدود مع مصر، معتبرا ألا مفر منها لتحقيق هدف "القضاء" على "حماس".
الا أن العملية المحتملة تثير مخاوف دولية على مصير المدنيين، اذ تؤكد الأمم المتحدة أن المدينة باتت الملاذ الأخير لمليون ونصف مليون شخص نزح معظمهم من مناطق أخرى في القطاع.
وعلى صعيد المفاوضات، وعلى رغم مهلة 48 ساعة، لم يُعلن حتى الجمعة أن "حماس" وإسرائيل قد قدمتا أي رد على اقتراح هدنة عرضه الوسطاء الأحد، في ظل ضغوط دولية على الطرفين يبدو أنها لم تدفع أيا منهما الى المساومة على مطالبه.
وينص مقترح الوسطاء على إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يوميا وعودة النازحين من شمال غزة، إلى بلداتهم، بحسب مصدر من "حماس".
وتطالب الحركة بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل قطاع غزة والسماح بعودة النازحين إلى الشمال وزيادة تدفق المساعدات في وقت تقول الأمم المتحدة إن جميع السكان وعددهم نحو 2,4 مليون شخص يتضورون جوعا.
وتواجه إسرائيل التي تفرض حصارا مطبقا على قطاع غزة منذ بداية الحرب، ضغوطا دولية للسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وهي زادت في الأيام الماضية عدد شاحنات المساعدات التي تسمح لها بالدخول.
إلى ذلك، يتواصل التوتر في الضفة الغربية المحتلة، والذي تصاعد منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.
وقتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين اثنين في عملية اقتحام جرت في ساعة مبكرة الجمعة قرب مدينة طوباس، على ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأفاد التقرير بمقتل رجل عندما أطلق الجنود الإسرائيليون النار على سيارته في طوباس. وقُتل فلسطيني آخر بنيران إسرائيلية خلال اقتحام الجنود مخيم الفارعة قرب طوباس، وفق الوكالة.
ولم يصدر عن الجيش الإسرائيلي أي تعليق فوري على العملية.