النهار

ما الفرق بين هجومي إيران وصدّام على إسرائيل؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
33 عاماً بين الهجومين... ماذا عن النتائج والتداعيات؟
ما الفرق بين هجومي إيران وصدّام على إسرائيل؟
صاروخ من طراز "سكود" (ويكيميديا كومنز)
A+   A-

أثار استهداف تل أبيب للقنصليّة الإيرانيّة في دمشق أوائل الشهر الحاليّ قصفاً هو الأوّل من نوعه الذي تشنّه دولة ضد إسرائيل منذ 33 عاماً. وفي سنة 1991، شنّ العراق بقيادة الرئيس الأسبق صدام حسين عدداً من الهجمات بصواريخ بالستيّة ضدّ إسرائيل رداً على التحالف الدوليّ بقيادة واشنطن لطرد قوّاته من الكويت. فما الفرق بين الهجومين وأيّهما كان أكثر فتكاً وتأثيراً على المستوى الإقليميّ الواسع؟

 

الهجوم الإيرانيّ... الحجم والدفاعات

في 13/14 نيسان (أبريل)، شنّت إيران هجومها مستخدمة أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة (طائرة بلا طيّار) ضدّ إسرائيل. تضمّن الهجوم بشكل أكثر تحديداً نحو 185 مسيّرة و36 صاروخ "كروز" و110 صواريخ بالستيّة. تمّ اعتراض معظمها باستثناء أربعة صواريخ بالستيّة أصابت مكاناً قريباً من قاعدة نفاطيم الجوّية جنوب إسرائيل وقد أصيبت بأضرار بسيطة بحسب الإسرائيليّين. وذكرت وكالة "إرنا" الإيرانيّة للأنباء أنّ الهجوم استهدف تلك القاعدة لأنّها شكّلت محطّة انطلاق للمقاتلات الإسرائيليّة التي استهدفت القنصليّة. وهناك صاروخ خامس سقط في شمال إسرائيل حيث كان هدفه راداراً إسرائيلياً لكنّه أخطأه بحسب تقرير شبكة "سي بي إس".

 

بعد الهجوم أظهرت لقطات فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعيّ أنّ مقاتلات "إف-35" كانت تعود إلى تلك القاعدة بعد تنفيذها طلعات دفاعيّة. وأصيبت فتاة في جنوب إسرائيل بشظايا صاروخ تمّ اعتراضه وكانت حالتها حرجة. باستثناء ذلك، لم تُسجّل أيّ إصابات بشريّة أخرى.

 

شارك بعض وكلاء إيران في المنطقة بإطلاق الصواريخ، لكنّ الأغلبيّة الساحقة منها أتت من الأراضي الإيرانيّة. وساهمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عمليّات الاعتراض إقليمياً، لكنّ الأمين العام السابق لمجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ الجنرال غيورا إيلاند قال إنّ أكبر مساهمة دفاعيّة من واشنطن أتت على مستوى الاستخبارات التي وصفها بـ"الدقيقة للغاية".

 
 

(إيرانيون فرحون بالهجوم الأخير على إسرائيل - أب)

 

وقال مسؤولون أميركيّون لشبكة "سي إن إن" إنّ البحريّة الأميركيّة أسقطت 3 صواريخ بالستيّة على الأقلّ من مدمّرتين في شرق المتوسّط، وشاركت مقاتلات أميركيّة أيضاً في العمليّات الاعتراضيّة. بحسب تقرير في "واشنطن بوست" الأحد، ساهم سربان أميركيّان من مقاتلات "إف-15 إي سترايك إيغلز" بإسقاط 70 مسيّرة كانت متوجّهة إلى إسرائيل.

 

تمّ نقل الأصول الدفاعيّة إلى المنطقة لحماية إسرائيل خلال الأسبوع الماضي على ما أعلنه الرئيس الأميركيّ جو بايدن. من جهتهم، قال الإسرائيليّون إنّ 25 من أصل 30 صاروخ "كروز" تمّ إسقاطها خارج إسرائيل. وذكر مسؤولان أميركيّان في حديث إلى "سي بي إس" أنّ الهدف من هذا الهجوم المتعدّد المستويات كان إنهاك الدفاعات الإسرائيليّة. لكن يبدو أنّ تلك الدفاعات استطاعت التعامل مع هذه الكمّيّات الضخمة من المقذوفات.

 

هجوم صدّام... أسباب ونتائج

من 17 كانون الثاني (يناير) حتى 23 فبراير (شباط) 1991، قصف العراق إسرائيل بـ39  صاروخاً بالستياً من نوع "سكود". كان هدف صدام إثارة ردّ إسرائيليّ بهدف توليد شرخ بين أعضاء التحالف الدوليّ الذي شاركت فيه دول عربيّة. انطلقت عمليّة عاصفة الصحراء قبل يوم واحد من بدء الهجوم بصواريخ "سكود".

 

كان العدد الأكبر من الصواريخ من نصيب تل أبيب ثمّ حيفا وتوزّعت الصواريخ الباقية على مناطق أخرى. أدّت الهجمات بحسب المكتبة الوطنيّة الأميركيّة للطبّ إلى 1059 إصابة من بينها حالتا وفاة. تمّ إدخال 232 شخصاً إلى غرف الطوارئ بسبب الانفجار حيث كان أحدهم في حالة حرجة. أمّا الآخرون فأصيبوا بنتيجة الزجاج المتطاير والكدمات وردود الفعل النفسيّة. لكن بحسب تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، كان هناك تباين كبير في عدد القتلى غير المباشرين للهجمات الصاروخيّة وقد تراوح بين 11 و74.

 
 
 

مبنى مدمّر في تل أبيب بفعل هجمات "سكود" العراقية (أ ب)

 

المقصود بالقتلى غير المباشرين أولئك الذين عانوا نوبات قلبيّة أو أساؤوا استخدام أقنعة الغاز ومادّة الأتروبين تحسّباً لاحتواء الرؤوس الصاروخيّة على غاز الأعصاب. لكن بعد مرور 30 عاماً على ذلك الهجوم، أصدر الجيش الإسرائيليّ تقريراً جديداً أشار إلى سقوط 13 قتيلاً (سقط اثنان مباشرة بفعل الهجوم والآخرون للأسباب الفسيولوجيّة والنفسيّة الأخرى). اللافت للنظر أنّ عدد البيوت المتضرّرة كان كبيراً وتخطّى الـ1300 منزل بحسب التقرير نفسه.

 

في ذلك الوقت، لم يساعد الحلفاء إسرائيل على الدفاع عن نفسها. ساهمت بطاريات "باتريوت" في التقليل من حجم الخسائر الإسرائيليّة لكن بشكل محدود جداً وفقاً لدراسة أجراها باحثون من برنامج الدفاع والحدّ من الأسلحة التابع لمركز "إم آي تي" للدراسات الدوليّة. مثّلت عوامل أخرى مساهمات أكبر في الحدّ من الأضرار مثل تفكّك بعض الصواريخ وعدم انفجار بعضها الآخر إلى جانب عدم دقّتها. ووجدت تلك الدراسة أنّ ما خفض عدد الضحايا إلى النصف هو التحذير المسبق الذي قدّمته الأقمار الاصطناعيّة الأميركيّة. ويبدو أنّ قسماً من الصواريخ البالستيّة الإيرانيّة واجه أعطالاً. فقد نقلت "إي بي سي" أيضاً عن مسؤولين أميركيّين أنّ ما لا يقلّ عن نصف الصواريخ البالستيّة الإيرانيّة فشلت في الانطلاق أو التحليق أو تحطّمت قبل وصول وجهتها. وهذا ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن ثلاثة مسؤولين أميركيّين أيضاً.

 

متغيّرات واختلافات أخرى

لم تكن إسرائيل في حينه قد أدخلت منظوماتها الدفاعيّة المتطوّرة جداً كالقبة الحديديّة (70 كيلومتراً) و"مقلاع داود" (300 كيلومتر) وأنظمة "آرو" (2400 كيلومتر). وهي مكّنتها إلى حدّ بعيد من إسقاط الغالبيّة للساحقة من الهجمات. ومنظومة "الباتريوت" خضعت لتحديثات كبيرة منذ ذلك الوقت واستطاعت اعتراض أحد صواريخ "كينجال" الروسيّة الفرط-صوتيّة في أوكرانيا، لكن لم تُستخدم كثيراً في الدفاع عن إسرائيل. بحسب "واشنطن بوست"، أسقطت منظومة واحدة منها في أربيل العراقيّة صاروخاً بالستياً واحداً.

 
 وبالرغم من أنباء أوّلية تحدّثت عن إنذار إيرانيّ مسبق ومحدّد بشأن الهجوم، نفت الولايات المتّحدة أن تكون إيران قد أخطرتها قبل 72 ساعة من بدء الهجوم على إسرائيل. وقبل الهجوم بصواريخ سكود سنة 1991، هدّد صدام باستهداف إسرائيل إذا شنّ التحالف هجوماً عسكرياً ضدّ قواته، لكن يبدو أنّ التحالف لم يأخذ تهديدات الرئيس العراقيّ الأسبق على محمل الجدّ بما أنّ واشنطن تأخّرت قليلاً في منح إسرائيل منظومة "الباتريوت". كما لم تبلّغ واشنطن تل أبيب بانطلاق الصواريخ حينها إلا قبل ثلاث دقائق. مع ذلك، عزّزت تلك المنظومة نوعاً ما معنويّات الإسرائيليّين.
 

وكما قصفت إيران الدولة العبريّة للمرّة الأولى منذ وصول الثورة إلى الحكم سنة 1979، مثّل القصف العراقيّ أوّل هجوم يطال المدن الإسرائيليّة البعيدة من الجبهات الأماميّة كما حصل في حروب سابقة. لهذا السبب كان الإسرائيليّون غير جاهزين نفسياً للهجمات العراقيّة بحسب "جيروزاليم بوست".

 

النقطة الأهمّ... وسؤال

إحدى نقاط الاختلاف البارزة التي تستحقّ إضاءة خاصّة هي الردّ الإسرائيليّ على كلا الهجومين. سنة 2021، كتب يوسي ملمان تقريراً في صحيفة "هآرتس" تطرّق إلى مختلف الحسابات التي أجرتها إسرائيل في دراستها للردّ على هجوم 1991. من جهة، ضغط الأميركيّون وفي مقدّمهم بوش الأب (وضمنياً وزير الدفاع ديك تشيني) على الإسرائيليّين لعدم الردّ وتهديد التحالف بالانقسام. أيّد معظم الجنرالات الانتقام لكنّ رئيس الوزراء إسحق شامير بدا أقرب إلى توجّه بوش. كان هناك أيضاً تخوّف من عدم دقّة الاستخبارات الإسرائيليّة وقدرة المقاتلات الإسرائيليّة على شنّ هجمات بعيدة المدى. وساد خوف من إمكانيّة أن يردّ صدّام باستهداف مفاعل ديمونا، وهذا ما حصل لكنّ الصاروخ سقط بعيداً منه.

 

اليوم، يبدو أنّ قدرة أميركا على تقييد إسرائيل أقلّ بكثير من السابق. فمقاتلات ودفاعات تل أبيب أصبحت أكثر تطوّراً بكثير، ما يمنحها هامشاً كبيراً من الحركة. وبوجود ائتلاف نتنياهو في الحكم، تبدو النزعة الإسرائيليّة الحربيّة أكبر من أيّ وقت مضى. وربما رأت إسرائيل في ذلك الوقت أنّ قوة العراق الإقليميّة كانت في طور الأفول بعد الحرب، بعكس رؤيتها للقوّة الإيرانيّة الآن. لغاية كتابة هذه الأسطر، لم تُقدِم إسرائيل على الانتقام. لكنّ التصريحات الصادرة من تل أبيب توحي بأنّ احتمالات الردّ أكبر من احتمالات ضبط النفس، بالرغم من تفضيلات واشنطن المعاكسة، هذا إن لم يكن بسببها. فماذا لو كانت إسرائيل، في ردّها على الردّ، توجّه أيضاً رسالة إلى أميركا تقول فيها إنّ أيّام تلقّي التوجيهات بشأن أمنها القوميّ قد ولّى إلى غير رجعة؟

 

اقرأ في النهار Premium