شنّ الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الأربعاء غارات جوية على مدينة رفح الفلسطينية المكتظة التي يهدد بتنفيذ عملية عسكرية برية واسعة النطاق فيها في وقت تجري في القاهرة مفاوضات "الفرصة الأخيرة" للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحركة "حماس".
وفي القاهرة استؤنفت المفاوضات بحضور وفد إسرائيلي وممثلين لحركة "حماس" بالإضافة إلى وسطاء قطريين وأميركيين ومصريين، بحسب قناة "القاهرة الإخبارية" المقرّبة من الاستخبارات المصرية، في حين ذكرت وسائل إعلام عبرية أن مصر تهدد بـ"إعادة التظر في وساطتها إذا بقي السلوك الإسرائيلي كما هو"، وأشار بعضها إلى أن "التوصل لاتفاق بات مستحيلا، وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يمكن المفاوضين الإسرائيليين من التقدم في المحادثات".
ويأتي ذلك فيما أكد مسؤول إسرائيلي اليوم أنّ مباحثات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس تناولت إمكان وقف الهجوم العسكري على رفح مقابل إطلاق سراح الرهائن لدى "حماس"، بينما "عاد بيرنز للقاهرة بعد اجتماعه بنتنياهو ورئيس الموساد بإسرائيل"، وفق ما نقلت "سي إن إن" عن مصدر مساء اليوم.
ورغم التحذيرات والضغوط الدولية، لا يزال نتنياهو مصمّما على شنّ هجوم بري على رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة المحاصر، والتي تعدّ آخر معقل لحركة "حماس" التي توعّدت إسرائيل بالقضاء عليها.
ونشر الجيش الإسرائيلي دباباته حيث سيطر على المعبر الحدودي مع مصر، ممّا أدّى إلى قطع الممر الرئيسي لقوافل المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.
وقبل ذلك، دعا الجيش الإسرائيلي سكان المناطق الشرقية من المدينة إلى إخلائها والتوجّه نحو "مناطق إنسانية" قال إنه أقامها في المواصي شمال شرق المدينة.
وفي هذه الأثناء، قال الجيش في بيان: "بناء على معلومات استخباراتية عن إرهابيين ينشطون في المنطقة، تشنّ القوات الإسرائيلية غارات مستهدفة على الجانب الغزاوي من معبر رفح في الجزء الشرقي من رفح".
وأضاف أنّه "تم القضاء على عدد من الإرهابيين خلال اشتباكات" منذ اليوم السابق، فيما اكتشف الجنود "فتحات أنفاق" ودمّروها.
خوف شديد
وأضاف الجيش الإسرائيلي أنّ سلاح الجو ضرب "أكثر من 100 هدف" تابع للفصائل المسلّحة في مختلف أنحاء القطاع.
وخلال الليل، انتُشل جرحى وجثث في رفح من تحت أنقاض المنازل التي دمّرتها عمليات القصف.
وقال مهند أحمد قشطة (29 عاما) وهو من سكان رفح: "نعيش في مدينة رفح أجواء مريبة جدا وخوفا شديدا وقلقا... حيث يقوم جيش الاحتلال بإطلاق قذائف المدفعية بشكل عشوائي في مناطق البلد وحي الجنينة وكافة المناطق الشرقية للمدينة".
وأضاف: "حتى المناطق التي يعتبرها الجيش الإسرائيلي آمنة تتعرّض للقصف".
فتح معبر كرم أبو سالم
وتسببت الحرب في أزمة إنسانية كارثية في قطاع غزة الذي كان يبلغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة، وأدى إلى حدوث حالات مجاعة في شماله وفقا للأمم المتحدة، ودمار هائل.
وبعد ضغوط من الولايات المتحدة، أعلنت إسرائيل اليوم إعادة فتح معبر كرم أبو سالم الحدودي المستخدم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وذلك بعد أربعة أيام على إغلاقه عقب هجوم صاروخي أدى إلى مقتل وجرح أربعة جنود.
مساء اليوم، أفاد الجيش الاسرائيلي بأن معبر كرم أبو سالم استهدف بصواريخ اطلقت من رفح في جنوب القطاع المحاصر، ما أسفر عن إصابة جندي إسرائيلي بجروح طفيفة.
واتهم الجيش حركة "حماس" بهذا القصف الذي يعوق "تشغيل المعبر" الذي كان أغلق لثلاثة أيام بعد إطلاق صواريخ أسفرت عن مقتل أربعة جنود اسرائيليين وإصابة عشرة آخرين.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت الثلثاء أنّ مخزونها من الوقود المخصّص للعمليات الإنسانية في قطاع غزة يكفي ليوم واحد فقط بسبب إغلاق معبر رفح.
كما أكّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس اليوم على منصة إكس، أنّ "الوقود في مستشفيات جنوب غزة يكفي لثلاثة أيام فقط، ما يعني أن عملها قد يتوقف قريبا".
وكانت واشنطن اعتبرت الثلثاء أن إغلاق إسرائيل لمعبري رفح وكرم أبو سالم الأساسيين لدخول المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة هو أمر "غير مقبول".
كذلك، أعلن مسؤول أميركي أنّ الولايات المتّحدة علّقت الأسبوع الماضي إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بعدما فشلت الدولة العبرية في معالجة "مخاوف" واشنطن إزاء خطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح رفح.
"جولة حاسمة"
واستؤنفت المفاوضات غير المباشرة في القاهرة اليوم، حسبما أفادت وسائل إعلام مقرّبة من السلطات المصرية، وذلك بهدف التوصل إلى هدنة وتجنّب "حمام دم" في رفح في حال وقوع هجوم.
ويتواجد في العاصمة المصرية ممثلون عن إسرائيل و"حماس"، وكذلك عن الدول الوسيطة قطر ومصر والولايات المتحدة.
وفي السياق ذاته، أجرى بيرنز ونتنياهو محادثات في القدس في إطار جهود واشنطن للتوصل إلى هدنة.
وقال مسؤول إسرائيلي إنّ الجانبين "بحثا احتمال وقف إسرائيل عملياتها في رفح مقابل إطلاق سراح الرهائن".
من جهته، قال المحلّل الفلسطيني مخيمر أبو سعدة من جامعة الأزهر في غزة، إنّ توقيت سيطرة إسرائيل على معبر رفح "قد يظهر أنها تحاول تخريب المحادثات"، مضيفاً أنّ "هذا الاستيلاء يعدّ أيضاً رمزاً يظهر للعالم أنّ حماس لم تعد تملك السيطرة".
وجاء التوغل الإسرائيلي في شرق رفح الإثنين، بعد ساعات من إعلان "حماس" موافقتها على مقترح الهدنة الذي اعتبرته إسرائيل "بعيدا" عما اتفق عليه مفاوضوها سابقا.
وقال مسؤول في "حماس" إن محادثات القاهرة قد تكون "الفرصة الأخيرة" لاستعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.
وأوضح القيادي في حماس خليل الحية أنّ المقترح يتضمّن ثلاث مراحل، مدة كلّ منها من 42 يوما، "بهدف الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار"، مضيفا أنّ الصيغة تشمل "انسحابا كاملا من غزة وعودة النازحين وتبادلا للأسرى".
لكن إسرائيل قالت إن المقترح الذي وافقت عليه حماس "بعيد عن المطالب الإسرائيلية".
واليوم، قال مصدر في "حماس" طالبا عدم كشف هويته إن "المقاومة مصرّة على مطالب شعبها المحقة ولن تتنازل عن اي حق من حقوق شعبنا. بعد قليل ستبدأ المفاوضات في القاهرة... وستكون هذه الجولة حاسمة".
من جهته، قال نتنياهو إنه أعطى الوفد الإسرائيلي تعليمات أن يكون "حازما بشأن الشروط اللازمة للإفراج" عن الرهائن، و"المتطلبات الأساسية لضمان أمن إسرائيل".