دارت اشتباكات عنيفة بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حركة "حماس" اليوم الاثنين في قطاع غزة الذي دمّرته الحرب، بينما تستمر حركة نزوح المدنيين هرباً من العنف، خصوصاً في رفح المهدّدة بعملية عسكرية إسرائيلية كبيرة رغم التحذيرات الدولية والأميركية.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مراسلين لها وشهود عن حدوث اشتباكات عنيفة بين جنود إسرائيليين ومقاتلي "حماس" في مناطق مختلفة من القطاع، في وقت تستعدّ إسرائيل للاحتفال بالذكرى الـ76 لقيامها بعد سبعة أشهر من اندلاع حرب أحيَت لدى العديد من الفلسطينيين ذكرى مرارة نكبة العام 1948.
وفي الأيام الأخيرة، احتدم القتال بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي "حماس" في شمال القطاع. وبعد أشهر قليلة من الإعلان عن تفكيك قيادة "حماس" في تلك المناطق، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنّ الحركة "تحاول إعادة بناء قدراتها العسكرية" هناك.
جباليا وحي الزيتون
وفي السياق، أفادت "حماس" بأنها تخوض "معارك عنيفة" في جباليا، المدينة التي تمّ استهدافها على نطاق واسع في الأسابيع الأولى من الهجوم الإسرائيلي.
وقال محمود البرش الذي فر من جباليا إلى مدينة غزة: "ننتقل من مكان إلى آخر لكن القصف مستمر في كلّ مكان".
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن مصادر محلية قولها إن القوات الاسرائيلية حاصرت واقتحمت مراكز الإيواء، وأجبرت مئات النازحين إلى التوجه لغرب مدينة غزة.
وأضافت المصادر أن طيران ومدفعية الجيش الاسرائيلي استهدفت منازل الفلسطينيين في مخيم جباليا، وجباليا البلد شمالي قطاع غزة، ما أدى إلى تدمير عدد كبير منها.
وقطع الجيش الإسرائيلي الاتّصالات بشكل كامل عن مخيم جباليا.
وفي مدينة غزة أيضاً، يشهد حي الزيتون (جنوب شرق) معارك ويتعرّض لنيران المدفعية والطائرات الإسرائيلية، حسبما أفاد شهود. وقالت إيمان الرملاوي "هربنا من المنزل والقصف فوق رؤوسنا واتجهنا غرب مدينة غزة".
وقالت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" إنه قُتل 57 فلسطينياً على الأقل خلال 24 ساعة حتى صباح اليوم.
وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن أحد أفراد أجهزة الأمن التابعة للأمم المتحدة قُتل في هجوم استهدف سيارته في رفح اليوم، موضحا أنه أول موظف دولي تابع للمنظمة يُقتل في غزة منذ اندلاع الحرب.
"جحيم"
في رفح، نقلت "فرانس برس" عن مراسليها أن عمليات قصف بمشاركة المروحيات تشهدها أحياء في شرق المدينة طلب الجيش مطلع الأسبوع الماضي سكانها إلى إخلائها.
وتوغلت الدبابات الإسرائيلية في رفح وسيطرت على المعبر الحدودي مع مصر اعتباراً من الثلثاء الماضي.
في هذه الأثناء، استمرت حركة النزوح كثيفة من رفح سيراً أو بمركبات وعلى متن دراجات أو عربات تجرّها الدواب، لا يعرفون إلى أي يذهبون بعد أن استحالت معظم مناطق القطاع ركاماً جراء الحرب الأطول في تاريخ الصراع.
ووفق (وفا)، قال سكان إن الدبابات الإسرائيلية قطعت طريق صلاح الدين الذي يقسم الجزء الشرقي من المدينة، ولا يزال الجزء الشرقي من رفح "مدينة أشباح".
وأبلغ السكان عن احتدام القتال وعن مشاهدة قوات ودبابات إسرائيلية في جنوب شرق منطقة رفح.
وكتب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني على منصة إكس: "السلطات الإسرائيلية تواصل إصدار أوامر التهجير القسري... هذا يجبر سكان رفح على الفرار إلى أي مكان... الحديث عن مناطق آمنة كاذب ومضلل. لا يوجد مكان آمن في غزة".
من جهتها، أشارت منظّمة "أطباء بلا حدود" إلى أن الوضع في رفح حرج والإمدادات الحيوية تنخفض بشكل خطير، وقالت: "الإمدادات الطبية على وشك النفاد ونقص الوقود يؤثّر على المولدات وتوزيع المياه النظيفة".
وقال أحمد الطويل وهو أحد سكّان رفح إنّ "المخابز مغلقة وجميع المتاجر مغلقة... ليس لدينا ماء ولا طعام ولا شيء".
والطويل من بين 300 ألف فلسطيني تقول إسرائيل إنهم فروا من شرق رفح التي قصفها الجيش بعد صدور الأمر بإخلائها.
اعتراض قافلة مساعدات
واعترض محتجون إسرائيليون، اليوم الاثنين، طريق شاحنات مساعدات كانت متجهة إلى غزة، وألقوا طرود المواد الغذائية على الطريق في أحدث حلقة من سلسلة الحوادث التي تأتي في وقت تعهدت فيه إسرائيل بالسماح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى القطاع المحاصر دون انقطاع.
وأظهرت مقاطع مصورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي محتجين وهم يلقون الإمدادات من الشاحنات على الأرض، مع انسكاب محتويات الصناديق الكرتونية المفتوحة على الطريق.
على حافّة "الانهيار"
حذّرت وزارة الصحة اليوم من انهيار المنظومة الصحية في ظلّ تقييد إسرائيل دخول المساعدات. وقالت في بيان مقتضب: "ساعات قليلة تفصلنا عن انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة نتيجة عدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات وسيارات الإسعاف ونقل الموظفين".
وحُظر دخول المساعدات إلى غزة بشكل شبه كامل، وفقاً للأمم المتحدة، منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح في السابع من أيار (مايو).
360 ألف نازح من رفح
من جهتها، قالت وكالة "الأونروا" إن ما يقارب من 360 ألف شخص نزحوا من رفح منذ صدور أمر الإخلاء الأول قبل أسبوع.
وأضافت في بيان لها صدر عبر منصة "إكس"، اليوم، أن عمليات القصف وأوامر الإخلاء الأخرى في شمال غزة أدت إلى مزيد من النزوح والخوف لدى آلاف العائلات.
وأكدت "الأونروا" أنه لا يوجد مكان للذهاب إليه، وأنه لا أمان بدون وقف إطلاق النار.
وأكدت أن تقييد وصول المساعدات الإنسانية مسألة حياة أو موت بالنسبة للناس في قطاع غزة، الذين يعانون بالفعل جراء القصف المستمر وانعدام الأمن الغذائي.
وشددت "الأونروا" على الحاجة الفورية والعاجلة لممر آمن للمساعدات الإنسانية وللعاملين فيها.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد أمس الأحد، أنّ اجتياح رفح التي يتكدّس فيها 1.4 مليون فلسطيني، لن يحقّق هدف إسرائيل المتمثّل في القضاء على حركة "حماس"، وسيخلّف "فوضى" وسيحلق "أضرار جسيمة" بالمدنيين.
وتزامن تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مع تعثّر الجولة الأخيرة من المباحثات بوساطة واشنطن والدوحة والقاهرة، بهدف إرساء هدنة تشمل إطلاق رهائن إسرائيليين لقاء الإفراج عن معتقلين فلسطينيين من سجون إسرائيل.
وكانت الحركة أعلنت أنها وافقت على مقترح من الوسطاء بشأن الهدنة، لكن إسرائيل رأت أنه "بعيد كل البعد عن مطالبها".
واعتبرت "حماس" أمس أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي رهن بها وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن تشكّل "تراجعاً" عن نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات، متهّمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بـ"الانقلاب" على مسار المباحثات.