لا تحجب الرسائل البروتوكولية المتبادلة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والإسرائيلي اسحق هرتسوغ، توتراً عميقاً بين الدولتين الحليفتين يتراكم منذ تشكيل الحكومة الأخيرة لبنيامين نتنياهو وبلغ ذروته مع الحرب الوحشية على غزة.
لا تحجب الرسائل البروتوكولية المتبادلة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والإسرائيلي اسحق هرتسوغ، توتراً عميقاً بين الدولتين الحليفتين يتراكم منذ تشكيل الحكومة الأخيرة لبنيامين نتنياهو وبلغ ذروته مع الحرب الوحشية على غزة.
وحرص هرتسوغ على نشر نسخة من رسالة بايدن لتهنئته بعيد استقلال اسرائيل على حسابه في "إكس"، معلقاً عليها بأن "العلاقة المهمة بين بلدينا هي في الواقع متينة وثابتة، ويجب الحفاظ عليها قوية قدر الإمكان".
فمنذ سبعة أشهر، لا ينفك الانقسام بين واشنطن وتل أبيب يتزايد بشأن ما يقول مسؤولون أميركيون وأقرب حلفائهم في الشرق الأوسط إنه أهداف الحرب في غزة، وبات كل من الجانبين يعبّر عن موقفه من الآخر علناً، وصولاً إلى اتخاذ بايدن قراراً امتنع عنه طوال شهرين، بتعليق شحنة أسلحة إلى إسرائيل، في محاولة لثني نتنياهو عن اجتياح رفح.
اعتبر البعض خطوة بايدن بمثابة القطيعة الأكبر بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ حظر الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان عام 1982، لمدة 6 أعوام، مبيعات الأسلحة العنقودية إلى إسرائيل رداً على استخدامها هذه الأسلحة في لبنان، في الوقت الذي تستمر المساعدات الأميركية العسكرية وغيرها لإسرائيل.
ويقول المفاوض الأميركي السابق آرون ديفيد ميلر لـ"النهار العربي" إن الظروف مختلفة بين 1982 واليوم، إذ كان ريغان رئيساً مؤيداً جداً لإسرائيل، وكان يتعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي (مناحيم بيغن) وقّع للتو معاهدة سلام كاملة بين إسرائيل ومصر. كذلك، يميز ديفيد ميلر بين بيغن الذي كان عضواً في حزب الليكود، "لكنه لم يكن متطرفاً، على الأقل في فترة حكمه"، وبين "الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة إسرائيل". ويتحدث عن فارق آخر بين الأزمتين، يتمثل في "نظام سياسي أميركي منقسم بشأن إسرائيل، مع حزب جمهوري يقول إن إسرائيل لا يمكن أن تخطئ، وديموقراطيين منقسمين بشدة".
أزمة ثقة
على هذا الأساس، يتحدث الزميل البارز في معهد "كارنيغي إنداومنت" عن أزمة ثقة بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية، بدأت مع الإصلاح القضائي الذي عارضته الإدارة الأميركية، واستمرت مع سياسات الضم في الضفة الغربية، وصولاً إلى أداء إسرائيل في غزة.
ويعتبر ميلر الخلاف المتزايد بين واشنطن وتل أبيب "مقلقاً للغاية"، مشيراً إلى أن المحركين الأساسيين للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وهما القيم المشتركة والمصالح المشتركة، يتعرضان الآن لضغوط متزايدة.
ومع ذلك، لا يتوقع حصول قطيعة. ويذهب إلى اعتبار أن قرار بايدن يمثل استخداماً متحفظاً للنفوذ يهدف إلى إيقاف شحنة عسكرية واحدة من الذخائر في الوقت الذي أقر الكونغرس مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار و780 مليون دولار إضافية من المعدات العسكرية الأجنبية.
باختصار، لا يرى ميلر في تعليق شحنة الأسلحة تغييراً كبيراً، معتبراً أن الهدف منه توجيه رسالة لتسليط الضوء على ما كانت الإدارة الأميركية تقوله في السر حول قضية واحدة منفصلة، وهي أن حملة برية كبيرة من دون استعدادات مناسبة للمقيمين الفلسطينيين قد تنتهي بمأساة مروعة، وقد تقتل آلافاً منهم.
حتى الآن، يبدو أن الخط الأحمر الذي حاول بايدن رسمه لنتنياهو ضاع في رمال غزة. فبعد الانتقادات الإسرائيلية التي وجهت الى القرار "المخيب" للرئيس الأميركي، تحركت الدبابات الإسرائيلية إلى الأحياء الشرقية وبعض الأحياء الجنوبية في رفح، وإن تكن لم تدخل بعد إلى الجزء الرئيسي من المدينة.
واليوم، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إدارة بايدن أخطرت الكونغرس بمضيها في صفقة أسلحة بمليار دولار لإسرائيل، الأمر الذي يضعف الرسالة التي توختها الإدارة الأميركية بتعليقها شحنة القنابل.
حسابات الانتخابات
عموماً، ثمة عاملان سيحددان اتجاهات العلاقة الإسرائيلية - الأميركية يتمثلان بالسياسات الداخلية في اسرائيل ونتيجة الانتخابات الأميركية. ويقول ميلر: "إذا تم انتخاب المرشح المفترض للحزب الجمهوري... أعتقد أن إدارة ترامب ستخفف الضغط على الحكومة الإسرائيلية. ولكن ماذا يحصل في حال إعادة انتخاب جو بايدن؟ وماذا يحصل في حال حدوث تغييرات في القيادة في إسرائيل ووقف إطلاق النار؟".
وإلى أي مدى تؤثر حرب غزة على الديناميكيات داخل الولايات المتحدة، يقول: " لا أعتقد أن غزة تحتل مكانة بارزة. حتى بين فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، تحتل هذه الحرب المرتبة 15، في أسفل القائمة. التغير المناخي أكثر أهمية، والديموقراطية أكثر أهمية".
ولكن الاحتجاجات الجامعية تقول غير ذلك، يجيب: "تخرج الاحتجاجات في أكثر الجامعات نخبوية، والعديد من أكثر الجامعات نخبوية في البلاد. لا أعتقد أنها تمثل الشباب على مستوى البلاد".
ويتحدث ديفيد ميلر عن أسباب أخرى تجعل الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يواجهون مشكلة مع جو بايدن، "وهذا صحيح بالنسبة للشباب الأميركيين من أصل أفريقي وحتى الناخبين الشباب من أصل إسباني. التضخم مشكلة كبيرة. نعم، الاقتصاد. الاقتصاد هو العامل الأول الذي سيؤثر. عمر الرئيس مشكلة أيضاً" .
إلى ذلك، يقول الباحث البارز إن معادلة "غزة أولاً" لا يمكن أن تكون بحسب ديفيد ميلر "غزة فقط"، وإنما اتفاق من شأنه أن يخلق الأمن والازدهار لسكان القطاع واعتراف من حكومة اسرائيلية جديدة بضرورة وجود أفق سياسي. ويقول: "يمكنني أن أرى مساراً عملياً وحتى احتمالات التطبيع الإسرائيلي - السعودي ومبادرة إقليمية في ظل ظروف معينة. هذا يعتمد على عوامل ليست موجودة الآن بأي حال من الأحوال".
وهل ترى أن ميثاقاً أمنياً بين الولايات المتحدة والسعودية كثر الحديث عنه أخيراً، بات قريباً، يجيب أن "الميثاق الثنائي الذي يتألف من ميثاق دفاع مشترك، ودعم المفاعل النووي السعودي الناشئ... أعتقد أن هذا قريب جداً. لكن مرة أخرى، تبحث الإدارة الأميركية عن موافقة مجلس الشيوخ. إنهم يريدون معاهدة دفاع مشترك وهذا أمر صعب من دون وقف إطلاق النار في غزة والتزامات كبيرة من جانب هذه الحكومة الإسرائيلية تجاه دولة فلسطينية. ونحن بعيدون جداً حتى عن إمكانية حدوث ذلك. وسيتطلب ذلك قراراً من جانب هذه الحكومة الإسرائيلية ما قد يعني على الأرجح حل الحكومة، وربما إجراء انتخابات جديدة". وبناء عليه يرى أن "الوقت ليس حليفاً لهذه العملية. الوقت عدو لها".
وماذا عن معاهدة كهذه مع الإدارة المقبلة، يقول ميلر الذي شارك في فريق مفاوضات كامب ديفيد برئاسة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر: "إذا أعيد انتخاب بايدن، أعتقد أن هذا ممكن. ولكن الأمر سيكون صعباً. لقد أمضيت الجزء الأكبر من حياتي المهنية في محاولة مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على إيجاد طريقة للتوصل إلى اتفاق بشأن عدد من القضايا وشاركت في آخر جهد جدي في كامب ديفيد، أي قبل 24 عاماً. وحتى في ذلك الحين، وفي ما يتعلق بالقضايا الخمس الأساسية، حدود القدس، والأمن، واللاجئين، والمستوطنات، والدولة... كانت الفجوات بين ياسر عرفات وإيهود باراك في ذلك الوقت هائلة. ومذذاك لم يزد الوضع إلا سوءاً".