بدأت أولى الشاحنات المحمّلة مساعدات تم نقلها إلى الميناء العائم قبالة غزة توزيع حمولاتها في القطاع المحاصر، وفق ما أعلن الجيش الأميركي، بينما تبقى المعارك محتدمة بين إسرائيل وحركة "حماس" على وقع انقسامات جديدة بين المسؤولين الإسرائيليين بشأن حكم غزة بعد الحرب.
وشهد شمال قطاع غزة معارك عنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس الجمعة، غداة إعلان إسرائيل "تكثيف" عملياتها في رفح في جنوب القطاع رغم المخاوف الدولية على السكان المدنيين.
بعد أيام على منع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني الذي بات على شفير المجاعة، أعلن الجيش الأميركي أن شاحنات "محمّلة مساعدات إنسانية بدأت تتوجه إلى الساحل" عبر رصيف المنصة العائمة غداة ربطه بشاطئ غزة.
في الشهر الثامن من الحرب بين إسرائيل وحماس، يخوض الجيش الإسرائيلي مواجهات مع فصائل فلسطينية في مخيم جباليا للاجئين (شمال) الذي طاله كذلك قصف جوي ومدفعي إسرائيلي، بحسب شهود.
ارتفاع حصيلة الضحايا...
إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة في بيان اليوم السبت أن ما لا يقل عن 35386 فلسطينيا قُتلوا وأصيب 79366 خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع والمستمر منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وذكرت الوزارة في البيان أن المستشفيات استقبلت 83 قتيلاً و105 مصابين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وقُتِل أكثر من 15 فلسطينياً وجرح 30 آخرون إثر قصف إسرائيلي على مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
في آخر المستجدّات الميدانية، دعا الجيش الإسرائيلي سكّان أحياء الكرامة ومشروع عامر والعطاطرة والسلاطين في شمال قطاع غزة إلى مغادرتها على الفور، مهدّداً بقصفها بقوة وبشكل عاجل.
وقال: "عناصر حماس تستخدم هذه الأحياء لإطلاق قذائف صاروخية على البلدات الإسرائيلية وقوّاتنا ستعمل بكل قوة فيها".
وأشار إلى أن قوّات لواء المظلّيين تخوض قتالاً مكثّفاً في قلب مدينة جباليا وأماكن لم تعمل بها مسبقاً.
من جهته، أكّد المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) السبت أن 800 ألف شخص "أجبروا على الفرار" من رفح في أقصى جنوب قطاع غزة منذ أن بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في المدينة هذا الشهر.
وقال فيليب لازاريني عبر منصة "إكس" إن "ما يقرب من نصف سكان رفح أو 800 ألف شخص موجودون على الطريق، بعد أن أجبروا على الفرار منذ أن بدأت القوّات الإسرائيلية العملية العسكرية في المنطقة في 6 أيار (مايو)".
وأضاف: "لا توجد مناطق آمنة في غزة.. لا يوجد مكان آمن.. لا أحد في أمان بغزة".
صباحاً، قصف الجيش الإسرائيلي بوابة أحد مدارس الإيواء التي تؤوي نازحين في مخيم جباليا، واستهدف الفلسطينيين الذي حاولوا العودة لمنازلهم فيه، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، نقل معظمهم إلى مستشفى كمال عدوان الذي استهدف القصف العنيف محيطه أيضا.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أن الوضع الإنساني داخل المخيم الذي يتعرض لقصف متواصل منذ أيام كارثي، وذلك في ظل الحصار المفروض على العائلات فيه وشح مقومات الحياة من طعام ومياه وأدوية، في ما لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول للمخيم وانتشال جثامين الضحايا والإصابات ما ينذر بكارثة حقيقة.
بدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي انتهاء عملية استمرت أسبوعاً في حي الزيتون في مدينة غزة والقضاء على أكثر من 90 مقاتلاً.
وفي رفح، في أقصى جنوب قطاع غزة، أعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، استهداف القوات الإسرائيلية "المتمركزة على المركز الحدودي" مع مصر بقذائف.
وقالت: " تمكّنا من استدراج قوة إسرائيلية وتفجير عبوة بها وقتل 5 جنود من أفرادها وإصابة آخرين في شرق مدينة رفح".
وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 50 عنصراً من "حماس" خلال العمليات في رفح، وعثر على عشرات الأنفاق وكميات كبيرة من الأسلحة.
ويتعرّض ساحل هذه المدينة المكتظة بمئات آلاف النازحين لنيران البحرية الإسرائيلية، بحسب شهود، بعد ضربات ليلية أدت إلى وقوع إصابات، وفق المستشفى الكويتي في المدينة.
كما أعلن الجيش الأميركي وصول "نحو 500 طن (من المساعدات) في الأيام المقبلة موزعة على زوارق عدة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من جانبه "نعمل على وضع اللمسات الأخيرة على خططنا التشغيلية للتأكد من أننا مستعدون لإدارة" هذه المساعدات، "مع ضمان سلامة موظفينا"، مؤكدا تفضيله النقل البرّي.
انقسامات جديدة
ظهرت انقسامات جديدة بين المسؤولين في إسرائيل بشأن حكم قطاع غزة بعد الحرب، حيث أدى الهجوم غير المتوقع الذي شنته "حماس" في أجزاء من القطاع إلى زيادة الضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويقاتل الجيش الإسرائيلي مقاتلي "حماس" في أنحاء غزة منذ أكثر من سبعة أشهر بينما يتبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي مع "حزب الله" المدعوم من إيران على طول الحدود الشمالية مع لبنان.
لكن بعد أن أعاد مقاتلو "حماس" تجميع صفوفهم في شمال غزة، حيث قالت إسرائيل في وقت سابق إنه تم تحييدهم، ظهرت انقسامات واسعة في حكومة الحرب الإسرائيلية في الأيام الأخيرة.
وتعرض نتنياهو لهجوم شخصي من وزير الدفاع يوآف غالانت لعدم استبعاده تشكيل حكومة إسرائيلية في غزة بعد الحرب.
غانتس يهدد
ومساء اليوم، طالب غانتس، نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة تشمل تحديد الجهة التي قد تحكم القطاع بعد انتهاء الحرب مع حركة "حماس".
وأضاف غانتس في مؤتمر صحافي أنه يريد من حكومة الحرب وضع خطة من ست نقاط بحلول الثامن من حزيران (يونيو).
وقال إنه في حالة عدم تلبية توقعاته، فسوف يسحب حزبه المنتمي لتيار الوسط من حكومة الطوارئ التي يرأسها نتنياهو الذي رد بالقول: "في الوقت الذي يحارب فيه جنودنا في رفح يختار غانتس توجيه إنذار لرئيس الحكومة بدلاً من حماس"، مضيفا أن "شروط غانتس تعني إنهاء الحرب وهزيمة إسرائيل والتضحية بالأسرى والإبقاء على حماس وإقامة دولة فلسطينية".
وتعرض غانتس لهجوم في أعقاب مؤتمره من قبل وزير الاتّصالات الإسرائيلي شلومو كرعي ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
وأدى رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الصريح للقيادة الفلسطينية بعد الحرب في غزة إلى خلاف واسع النطاق بين كبار المسؤولين وأدى إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.
ويقول خبراء إن عدم الوضوح لا يخدم إلا مصلحة "حماس"، التي أصر زعيمها على أنه لا يمكن إنشاء سلطة جديدة في المنطقة دون مشاركتها.
وقالت ميراف زونسين، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية لوكالة فرانس برس: "بدون بديل لملء الفراغ فإن حماس ستواصل النمو".
ويتفق المحاضر في جامعة تل أبيب إيمانويل نافون مع ذلك.
وأضاف: "لو تركت حماس في غزة، فبالطبع سوف يظهرون هنا وهناك وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى مطاردتهم"، موضحاً: "إما أن تنشئوا حكومة عسكرية إسرائيلية أو حكومة يقودها العرب".
ضغط أميركي
وقال غالانت الأربعاء خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب: "أدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إعلان أن إسرائيل لن تفرض سيطرة مدنية على قطاع غزة".
وتعرض نتنياهو لهجوم مماثل بشأن تخطيطه للحرب من رئيس الأركان هرتسي هاليفي بالإضافة إلى كبار المسؤولين في جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت)، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية.
ويرزح نتنياهو تحت ضغوط من واشنطن لوضع حد سريع للصراع وتجنب التورط في حملة طويلة.
وأصر نتنياهو الخميس على رفض أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة ما بعد الحرب، قائلا إنها "تدعم الإرهاب وتعلمه وتموله".
وبدلا من ذلك، تشبث نتنياهو بهدفه الثابت المتمثل في "القضاء على حماس"، مؤكداً أنه "ليس هناك بديل للنصر العسكري".
ويقول خبراء إن الثقة في نتنياهو تتضاءل.
ورأى كولين بي كلاك، مدير السياسة والأبحاث في مركز "صوفان غروب" للابحاث أنه "مع انتقاد غالانت لفشل نتانياهو في التخطيط لما بعد الحرب في ما يتعلق بحكم غزة، بدأت بعض الانقسامات الحقيقية في الظهور في مجلس الحرب الإسرائيلي".
وكتب على موقع إكس: "لست متأكدا من أنني أعرف الكثير من الأشخاص، بما في ذلك أشد مؤيدي إسرائيل حماساً، الذين يثقون في بيبي" في إشارة إلى نتنياهو.
"طريق مسدود"
ويقول الخبراء إن الآمال تضاءلت الآن في عودة الرهائن الإسرائيليين، وربما بدأ الصبر على نتنياهو يتضاءل في إسرائيل.
وبعد دخول القوات الإسرائيلية مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، حيث كان يعيش أكثر من مليون نازح من غزة، توقفت المحادثات التي تتوسط فيها مصر والولايات المتحدة وقطر لإطلاق سراح الرهائن.
وقالت زونسزين من مجموعة الأزمات الدولية: "صفقة الرهائن وصلت إلى طريق مسدود تماماً - لم يعد بالإمكان الإيحاء بحصول تقدم".
وأشارت إلى أنه "بالإضافة إلى الخلاف مع الولايات المتحدة وواقع أن مصر رفضت تمرير المساعدات عبر معبر رفح - كل هذه الأمور وصلت إلى ذروتها."
"نيران صديقة"
وتحذر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بانتظام من خطر المجاعة في قطاع غزة حيث يعيش نحو 2,4 مليون نسمة، نزح 70% منهم منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
وفي ذلك اليوم، نفذت حركة حماس هجوماً على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل أكثر من 1170 شخصا غالبيتهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية. وخطف خلال الهجوم أكثر من 250 شخصا ما زال 125 منهم محتجزين في غزة قضى 37 منهم، وفق مسؤولين إسرائيليين.
وأعلن الجيش الاسرائيلي الجمعة العثور في غزة على جثث ثلاثة رهائن خطفوا في هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وإعادتها إلى البلاد.
وأشار المتحدث باسم الجيش دانييل هاغاري إلى أن الثلاثة "قتلوا بوحشية" على يد حماس لدى محاولتهم الفرار من مهرجان نوفا الموسيقي "وتم نقل جثثهم" إلى غزة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل خمسة جنود بنيران صديقة الأربعاء خلال القتال في جباليا.
وقتل ما مجموعه 279 جنديا إسرائيليا منذ دخول القوات الإسرائيلية قطاع غزة في 27 تشرين الأول (أكتوبر).