النهار

"النهار العربي" في الأغوار الفلسطينية... استيطان متمدّد وضمّ وتهجير صامت
فلسطين- مرال قطينة
المصدر: النهار العربي
على طول الشارع رقم "90" الذي يصل مدينة القدس بالأغوار الشمالية يمكن ملاحظة التغييرات في المعالم الجغرافية وطبيعة المنطقة الأكثر انخفاضاً والأشد حرارة في فلسطين.
"النهار العربي" في الأغوار الفلسطينية... استيطان متمدّد وضمّ وتهجير صامت
جنود اسرائيليون يستجوبون مزارعين في الأغوار.
A+   A-
على طول الشارع رقم "90" الذي يصل مدينة القدس بالأغوار الشمالية يمكن ملاحظة التغييرات في المعالم الجغرافية وطبيعة المنطقة الأكثر انخفاضاً والأشد حرارة في فلسطين. مزيد من المستوطنات، وغياب التجمعات الفلسطينية التي كانت تنتشر على جانبي الطريق قبل حرب غزة التي اقتربت من إنهاء شهرها الثامن.
 
في إمكان المسافر أن يلاحظ أيضاً انتشار الحواجز العسكرية على مداخل القرى ومدينة أريحا الفلسطينية في الضفة، وحركة العربات وآليات الجيش الإسرائيلي المنتشرة على طول الشارع، كما أن وجود المستوطنين ظاهر للعيان. وإلى اليمين بإمكانك رؤية الحدود الأردنية بوضوح.
 
تبلغ مساحة محافظة الأغوار وطوباس الممتدة في شمالي البحر الميت 1,6 مليون دونم، وتُشكّل ما نسبته 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية. يعيش فيها نحو 70 ألف فلسطيني في 29 بلدة، وهناك حوالى 15 ألف فلسطيني آخر يعيشون في عشرات التجمعات البدوية الصغيرة. وتشير التقديرات الى وجود حوالى 9400 مستوطن اسرائيلي منتشرين في 37 مستوطنة و7 بؤر استيطانية.
 
اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسة تقوم على استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة بصورة مكثفة، وبأشكال تفوق كثيراً باقي مناطق الضفة، والتي تتجسّد بالتهجير الصامت للسكان والضمّ الفعلي للأراضي، التي تُعتبر الاحتياطي الأكبر لتطوير الضفة الغربية. فالأراضي خصبة جداً وتشكّل بيئة مؤاتية لتربية المواشي، كما يمكن استغلال المساحات المفتوحة قليلة السكان، لإنشاء مراكز زراعية متطورة من أجل التصدير ومرافق للبنية التحتية في مجالي الطاقة والصناعة.
 
 
 
على امتداد سنوات الاحتلال الـ 76، سيطرت إسرائيل على معظم أراضي المنطقة بوسائل مختلفة، من بينها مصادرة آلاف الدونمات التي استُخدمت لإقامة المستوطنات الأولى في المنطقة، كما أنها تستغل معظم الأراضي لاحتياجاتها، إذ تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأراضي، ومن المكوث فيها أو البناء عليها وإنشاء بُنى تحتيّة، ومن رعي الأغنام ومن فلاحة الأراضي الزراعية، ويتمّ تقييد مصادر المياه والكهرباء عنهم.
 
تختلف المبرّرات القضائية الإسرائيلية لفرض هذا المنع، ووُضعت تعريفات مختلفة للمنطقة نفسها. نحو 50% من المساحة تقع ضمن تعريف "أراضي الدولة"، و46% من المساحة أعلنها الجيش مناطق عسكرية مغلقة وتشمل المسطّحات البلدية، وهناك 11 منطقة إطلاق نار. كما تفرض إسرائيل على الفلسطينيين البقاء ضمن بلداتهم التي ضاقت عليهم، وتمنعهم منعاً شبه تامّ من البناء في المناطق المصنّفة (سي).
 
نهب واستغلال
تُعتبر قرية عين البيضاء الواقعة شمالي الأغوار الأكثر استراتيجية، حيث أنها نقطة التقاء بين الأراضي التي احتُلت عام 1948 وتلك التي احتُلت عام 1967 مع الحدود الأردنية ومصب نهر الأردن.
 
 
القرية غنية بينابيع المياه التي يسعى المستوطنون للاستيلاء عليها ويستخدمها المزارعون منذ سنوات طويلة لريّ حقولهم، ومحاولة تطوير مشروع سياحي إقليمي استيطاني، فغالبيتهم يكسب قوته من الزراعة، ويقومون بتسويق منتجاتهم من الخضار والفواكه في مدن الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، بينما يسعى المستوطنون إلى حرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد.
 
حواجز وضغوط وترهيب
رئيس المجلس المحلي عمر الفقهاء قال لـ"النهار العربي" إن "سياسات الاحتلال الإسرائيلي تخنق السكان، بين حواجز الجيش المنتشرة على مداخل القرية واعتداءات المستوطنين. نحاول أن نخلق بيئة مريحة للسكان بتطوير البنية التحتية، وحل مشكلتي المياه والكهرباء التي تتسبب بهما أصلاً سياسة إسرائيل، لكن منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) اختفى القانون وأصبح المستوطنون يطبّقون مخططاتهم تحت سطوة السلاح".
 
بدوره، قال الناشط الحقوقي عارف ضراغمة: "الناس هنا يتعرّضون يومياً لإجراءات تعسفية تهدف إلى دفعهم للرحيل، والمستوطنون لم يتركوا طريقة إلّا واستخدموها للاعتداء، لذلك أغلب السكان يعانون من الضغوط النفسية".
 
بين الحقول أخبرتنا مجموعة من المزارعين أن المستوطنين يقومون بعمليات السرقة والنهب والتدمير بشكل ممنهج ومنظّم وبحماية الجيش.
 
منذ أشهر تعرّض قطيع أغنام يعود للراعي عبدربه بني عودة لاعتداءات عدة، بدأت بتسميم على مرتين في سهل الساكوت القريب، آخرهما قبل 10 أيام، وانتهت بتخويف المستوطنين الأغنام بسياراتهم ما أدى إلى سقوطها في الوادي حيث قضى 30 رأساً جراء الانهيار الترابي.
 
مجموع الخسائر يراوح بين 45-50 رأساً من الأغنام، وصفت بأنها لن تعوّض قبل عامين على أقل تقدير، وبتكلفة تفوق 28 ألف دولار.
 
 
 
وتعرّض أيضاً الأخوان محمد ومحمود الفايز لسرقة معدات زراعية للري ومحولات، إضافة لإتلاف البيوت البلاستيكية والمحاصيل بطريقة تهدف إلى منعهما من ري المحاصيل من البطيخ والشمام والخضروات، ولدفعهما إلى ترك الأرض والرحيل قسراً، ووصلت خسائرهما إلى 5000 دولار لكل منهما، لكنهما أكدا أن ذلك يدفعهما للتمسك بالأرض أكثر.
 
عبد الحكيم مطاوع يعتمد منذ سنوات على الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء ولتشغيل المولدات والمحولات لري الأرض، قرّر اتباع هذه الطريقة نظراً لارتفاع أسعار السولار. قبل أسبوع هاجمه ثلاثة مستوطنين وحارسهم المسلح ببندقية من نوع أم -16، وقاموا بتكسير 44 من أصل 48 لوحاً شمسياً ثم سرقوا المولد وكسروا المحوّل. وقال: "أنا أزرع البطيخ والشمّام، لديّ أبناء في الجامعة والمدارس. خسارتي فاقت 18 ألف دولار، وإذا تركت الأرض فإن الخسارة لن تُعوّض".
 

اقرأ في النهار Premium