مر أسبوع دبلوماسي هو الأسوأ على إسرائيل منذ عقود. من طلب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إلى إعلان إسبانيا وإيرلندا والنروج الاعتراف بدولة فلسطين، إلى الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بالوقف "الفوري" للهجوم على مدينة رفح.
وعلى رغم أن إسرائيل لم تمتثل لأمر المحكمة وواصلت عمليات القصف ومحاولات التوغل في أحياء عدة من رفح وبموازاة الحدود مع مصر، فقد برزت حركة دبلوماسية نشطة في باريس في اليومين الأخيرين، حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزيري الخارجية المصري سامح شكري والسعودي الأمير فيصل بن فرحان، بينما أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" وليم بيرنز محادثات مع رئيس الوزراء القطري ورئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" ديفيد برنيع. وفي الليلة ذاتها اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أثمر الاتصال تحويلاً لشاحنات المساعدات الإنسانية من الجانب المصري على معبر رفح إلى كرم أبو سالم.
وليل السبت، وبينما كانت أكثر من مدينة إسرائيلية تشهد تظاهرات للمطالبة بإبرام صفقة لتبادل الأسرى وتطالب بانتخابات مبكرة، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن احتمال معاودة المفاوضات هذا الأسبوع "بناءً على مقترحات جديدة بقيادة الوسيطين المصري والقطري وبمشاركة أميركية نشطة". وحركة "حماس" التي كانت قد أعلنت في السابق أنها لن تشارك في المفاوضات ما استمر هجوم رفح، رأت أن إسرائيل ليست جدية في التوصل إلى اتفاق.
ولم تتضح طبيعة المقترحات الجديدة بعدما كانت انهارت آخر جولة من المفاوضات في 6 أيار (مايو) الجاري بالتزامن مع بدء التوغل الإسرائيلي في رفح. والسبب الرئيسي الذي أدى إلى الفشل، هو عدم الاتفاق على طبيعة الهدنة. إسرائيل تريد وقفاً موقتاً للنار يؤمّن إطلاق عدد من الأسرى ومن ثم تستأنف العمليات الحربية، على غرار ما حصل في هدنة تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. أما "حماس" فتريد وقفاً دائماً للنار، وعدم وضع قيود على عودة النازحين إلى شمال القطاع ورفعاً للحصار الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية. كما سادت خلافات بشأن أعداد الأسرى الذين يتعين إطلاقهم من الجانبين. وتولت مصر الدور الرئيسي في تلك المفاوضات التي جرت في القاهرة في حضور بيرنز والوسطاء القطريين ووفد إسرائيلي.
وتعلق الولايات المتحدة الآمال على أن صفقة التبادل في حال إنجازها قد تفتح الطريق إلى مبادرات دبلوماسية أخرى، ترمي إلى الدخول في نقاش إقليمي بشأن اليوم التالي للحرب في غزة ومن سيتولى السلطة هناك، فضلاً عن استكمال الاتفاق الأمني بين واشنطن والرياض الذي يتضمن شق التطبيع مع إسرائيل وإرساء "مسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية"، وكذلك المباشرة في مفاوضات للتهدئة على جبهتي لبنان والبحر الأحمر.
ومع تراكم الضغوط الدولية على إسرائيل والاحتجاجات المتصاعدة في الشارع، والجدل الدائر بين نتنياهو والجنرالات بشأن أسباب الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والانتقادات المتزايدة من الوزيرين في مجلس الحرب بيني غانتس وغالانت، من شأن كل ذلك تعميق المأزق أمام الحكومة الإسرائيلية.
وفي ظل عدم امتثال إسرائيل لأمر محكمة العدل الدولية، فإن المحكمة سترفع المسألة إلى مجلس الأمن. وهناك ستكون أميركا مضطرة إلى استخدام الفيتو لمنع صدور أي قرار يطلب من إسرائيل الالتزام بأمر المحكمة، الذي لم تعارضه سوى أوغندا وإسرائيل.
ما مدى جدية الاتصالات الحثيثة الجارية الآن في الخروج بمقترحات جديدة، تقبل بها "حماس" وإسرائيل في الوقت ذاته؟ هذا يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة إدارة بايدن في إقناع نتنياهو بأن الوقت قد حان لوقف الحرب، التي لا يهدد استمرارها بدفع الشرق الأوسط كله إلى الهاوية وتوريط أميركا في حرب خارجية أخرى فحسب، وإنما يهدد أيضاً فرص إعادة انتخاب الرئيس الديموقراطي لولاية ثانية في تشرين الثاني المقبل. وربما كان هذا السبب الرئيسي وراء الثقل الدبلوماسي الأميركي الأخير، على أمل أن لا تلاقي هذه الجهود مصير الرصيف العائم قبالة سواحل غزة الذي شتتته قبل يومين رياح شرق أوسطية عاتية!