هي أكثر من صورة وأبعد من مجرّد شعار. هي قصة فاقت 44 مليون مشاركة على منصة "انستغرام" بعدما قرر غاضبون من مجزرة الخيام في رفح قول كلمتهم بعبارة واحدة اختصرت كل الوجع. هذه الصورة التي يبدو أنها أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي، تظهر خياماً في صحراء، توسطتها عبارة "كل العيون على رفح".
اقتحم شعار "كل العيون على رفح" الصمت المطبق وأحدث ضجة إلكترونية بدلالات مهمة خاصة في أوروبا الغربية وأستراليا والهند كدعوة للتوعية بشأن الحرب المستمرة.
صورة عبر الذكاء الاصطناعي
تحوّل الملصق حملة يقودها نشطاء ومنظمات إنسانية. وقال مارك أوين جونز، الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة في قطر والذي يدرس المعلومات المضللة، إن الصورة "تبدو بالتأكيد" منتجة بالذكاء الاصطناعي.
من بين العلامات التي تشير إلى أن الصورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي هي أنها لا تبدو واقعية من الناحية الفوتوغرافية، وتحتوي على ظلال غير عادية، ومعسكر الخيام المصور مترامي الأطراف ومتناسق بشكل غير طبيعي - وهي علامة على تكرار النمط الشائع الذي يعتمده الذكاء الاصطناعي.
تمت مشاركة الصورة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي عبر قصص "إنستغرام"، حيث انضم إليها المشاهير ومنهم بيلا حديد، والممثلة الكوميدية الأوسترالية سيليست باربر، ونجمة مسلسل " Bridgerton " نيكولا كوفلان إلى ملايين الأشخاص الذين شاركوا الصورة. في حين شارك لاعب الكريكيت الأسترالي ترافيس هيد الصورة على حسابه في منصة "إكس".
بداية القصة
في شباط (فبراير) الماضي، قال ريك بيبركورن، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في إسرائيل، إنّ "الأنظار تتجه نحو رفح"، بعد أيام من إصدار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمراً بوضع خطة لإخلاء المدينة من سكانها، تمهيداً لدخولها والقضاء على آخر معاقل "حماس"، وذلك في معرض تحذيره من مغبة التوغل في المدينة المزدحمة بالفلسطينيين الذين يبحثون عن مأوى في خيام مؤقتة.
كان بيبركورن يتحدث في مؤتمر صحافي عقدته المنظمة في رفح. ومنذ ذلك الحين، تكررت عبارة "كل العيون على رفح" من قبل مجموعات عديدة بما في ذلك منظمة إنقاذ الطفولة، وأوكسفام، والصوت اليهودي من أجل السلام، وحملة التضامن مع فلسطين.
تحوّلت هذه العبارة إلى صرخة واحدة للاحتجاجات في جميع أنحاء العالم وحض الناس على النظر إلى ما يحدث حقيقة في رفح، حيث لجأ حوالى 1.4 مليون شخص إليها بعد نزوحهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على غزة.
دلالة الصورة وتفاعلها
وفي هذا الصدد، أكدت الصحافية والخبيرة في الإعلام الرقمي سامية عياش في حديث لـ"النهار" أنه "من المهم جداً أن نشهد انتشاراً لمحتوى يعكس ما يحصل في غزة ورفح. وبرغم من كل التضييق الذي تحاول فرضه منصات التواصل الاجتماعي (فايسبوك - انستغرام وإكس وغيرها) فإن السؤال الأهم المطروح هنا، هل هو كافٍ؟ وماذا يعكس حقيقة؟".
تعرف عياش تماماً أن مشاركة صورة أو بوست هو لتفريغ حالة الغضب الانساني الذي يعيشه كثيرون، وأن أي مشاركة ستكون بمثابة تضامن أو تعاضد انساني مع هذه القضية، وقد يشعر البعض بالتحرر أو التخفيف من شعور الذنب من خلال المشاركة بطريقة ما.
وترى عياش أننا وصلنا إلى مرحلة "تجاوزنا فيها موضوع البوستات والمنشورات، إذ لم يعد لهذه الأخيرة أي نوع من التأثير الحقيقي للناس المتضررين بشكل أساسي، بل إن الأثر يكون للناس الذين شاركوا بهذا المنشور أو ذاك من خلال التخفيف من شعور الذنب وتأنيب الضمير تجاه ما يحصل في غزة وفلسطين".
واللافت مشاركة هذه المنشورات على صفحات المؤثرين والمشاهير، ومع ذلك تشدد عياش على أن أهميتها تتمثل "بتحويل هذا الثقل في المشاركة إلى فعل لدى صانعي القرار. إذ يمكن تشبيه هذه المنشورات بالمظاهرات والاحتجاجات التي تكون على الأرض".
وتضيف: "للأسف الشديد هذا يعني ما كان يعنيه عندما حصلت مجزرة مستشفى الأهلي حيث تمّ تداول الكثير من الصور لأطفال وشباب. ما نشاهده جيد وله تأثير جيد علينا لكن على أرض الواقع ماذا بعد؟".
ومع أن هذه الصورة أصبحت "فايرال" حاصدة ملايين المشاركات، دان ناشطون هذا الملصق متسائلين عن سبب استخدام صورة منشأة من الذكاء الاصطناعي بدلاً من اللقطات الحقيقية والمؤلمة في غزة. وتعلق عياش أن "الصورة تعبيرية بالدرجة الأولى".