منذ اللحظة الأولى التي أفرج فيها الرئيس الأميركي جو بايدن عن مقترحه المدوي الرامي إلى وقف الأعمال الحربية في غزة، خطوة أولى في مسار تسوية لوضع مشتعل هناك منذ نحو ثمانية أشهر، تحت عنوان أنه آن الأوان لهذه الحرب أن تضع أوزارها وتنتهي، شخصت الأنظار إلى تل أبيب من جهة لمعرفة رأي حكومتها بهذا العرض ومدى تجاوبها معه، وإلى الجانب الفلسطيني المشتبك ميدانياً مع الإسرائيلي وخصوصاً إلى حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" اللتين تخوضان بشراسة غمار المواجهات، بغية استشراف مدى تجاوبهما مع هذا المقترح الجديد وهل يعتبرانه "عرضاً سخياً" مقدماً من الإدارة الأميركية، أم أنه عبارة عن مكمن آخر؟
اللافت أن حركة "حماس" سارعت بعد أقل من نصف ساعة على ظهور بايدن وإطلاقه ذلك العرض، إلى إعطاء جواب عُدّ غاية في الدبلوماسية والمرونة، فحواه "أننا ننظر بايجابية" إلى هذا العرض، وأنه يخضع للنقاش والدرس في دوائرها المعنية، في حين أن "الجهاد"، وهو الفصيل الثاني المعدود عسكرياً في ميدان مقارعة إسرائيل ويستنكف عادة عن إعطاء رأيه بمسار المفاوضات كونه أولج إلى "حماس" مهمة التفاوض حصراً، لم يلتزم الصمت هذه المرة إذ لم يخف تحفظه وشكوكه وتخوفاته من هذا الفارض نفسه.
"تكذب وتخادع"
ويقول رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية في الحركة إحسان عطايا في تصريح لـ"النهار العربي" إن "الإدارة الأميركية تكذب وتخادع، وتمارس بخبثها دور البريء النزيه المحايد، وهي التي تقود في الواقع حرب الإبادة والمجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء والمدنيين العزل في غزة".
ويضيف: "وعليه فإن تصريح بايدن الأخير يأتي في هذا السياق. وفي الواقع فإن هذا التصريح وفي هذا التوقيت بالذات أي بعد ثمانية اشهر على تلك الحرب الوحشية، يحمل بالنسبة لنا في طياته رسائل متعددة الاتجاه:
إحسان عطايا.
- رسالة إلى الجماهير التي تعترض على السياسات الأميركية الداعمة بوضوح لإسرائيل، وخصوصاً بعد تصاعد حركة الاحتجاج والرفض في الجامعات الأميركية نفسها فضلاً عن الجامعات الأوروبية. وبمعنى أوضح فإن ما سمّي مقترح بايدن ما هو إلا جزء من محاولات بدأتها الإدارة الأميركية جاهدة لامتصاص تداعيات تلك التحركات الواسعة، التي تقابلها الإدارة الأميركية بممارسة أشكال القمع والديكتاتورية، وهو ما أظهر الوجه الحقيقي لواشنطن التي تدّعي الحفاظ على حرية الرأي والتعبير، في حين أنها تبطش بالمحتجين وتزج بهم في السجون وتعرضهم للضرب والإهانة".
رسالة إلى الداخل
ويتابع المسؤول في "الجهاد": "انه كذلك رسالة الى الداخل الصهيوني المنقسم على نفسه لتغليب صوت الفريق المتماهي مع سياسة بايدن ونهجه، على أن تحمل لاحقاً حكومة نتنياهو وحدها تبعة القتل ومسؤولية الاخفاق في الهزيمة المتوقعة في غزة".
ووفق عطايا، ثمة كذلك "رسالة ثالثة الى العالم كله فحواها أن أميركا ليست طرفاً في هذه الحرب وأنها تلتزم جانب الحياد".
وردّاً على سؤال أجاب: "بالنسبة لأية مبادرة أو مقترح غايته وقف العدوان على غزة، يتعين أن تقدم وفق الأصول المعروفة، ولا تكون في سياق المزايدات والحملة الاعلامية الوقائية لتحسين الصورة. وفي كل الأحوال فإن قيادة حركة الجهاد الاسلامي تدرس هذا المقترح بجدية وهي في صدد إعداد ملاحظاتها عليه ورأيها بحرص ومسؤولية، ونحن نناقش المقترح مع الأخوة في قيادة فصائل المقاومة الفلسطينية بقصد الوصول إلى رد موحد عليه".