جولة ثامنة بدأها وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط، في محاولة للدفع قدماً باتجاه صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، بظلّ تشكيك بإمكانيّة نجاح هذا المسعى مع تشبّث الجانبين بشروطهما، وعمليّة تحرير الأسرى من مخيّم النصيرات، والاضطرابات السياسية التي تعصف بحكومة بنيامين نتنياهو.
وفيما سرت الأسبوع الماضي أجواء إيجابية في أوساط "حماس" بشأن إمكانيّة التوصّل إلى اتفاق، يبدو أنّ عمليّة الجيش الإسرائيلي في النصيرات لاستعادة أربعة أسرى، والتي سقط ضحيّتها 210 فلسطينيين ونحو 400 جريح، عقّدت الأمور وخفّضت منسوب التفاؤل.
وأتت تصريحات بلينكن بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، أولى محطات جولته، لتصبّ الزيت على النار مع "حماس" بعدما وصفها بـ"العقبة الوحيدة" أمام الحلّ.
وقال بلينكن، قبيل توجّهه إلى إسرائيل، في تصريحات صحافية موجّهة إلى الحكومات في أنحاء المنطقة: "إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، فاضغطوا على حماس لتقول نعم" على مقترح الهدنة المقدّم من الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي لم يُقدّم التنظيم رداً رسمياً عليه بعد.
سرعان ما ردّ سامي أبو زهري، القيادي الكبير في "حماس"، على الوزير الأميركي، معتبراً أنّ خطابه "هو مثال للانحياز لإسرائيل وتوفير الغطاء الأميركي للمحرقة التي يمارسها الاحتلال في غزة. هذه المواقف هي المعيق الحقيقي أمام التوصل لأي اتفاق".
"لا ثقة... ولا انفراجة"
ويؤكّد مصدر مسؤول في "حماس"، في اتصال مع الـ"النهار"، أنّه "لا يتوقّع أن تحقّق جولة بلينكن أيّ انفراجة على صعيد مفاوضات التسوية"، وأنّ "أقصى ما يمكنها أن تصل إليه هو إقناع مصر وإسرائيل بإعادة تشغيل معبر رفح" الذي ترفض السلطات المصريّة فتحه ما دامت تُسيطر القوات الإسرائيليّة على الجزء الفلسطيني منه.
ويلفت المصدر إلى أنّ "انحياز أميركا الفاضح لإسرائيل بدلاً من مطالبتها بوقف الحرب وقتل المدنيين الأبرياء مبعث قلق لحماس التي لا تثق بإدارة بايدن"، ويكشف أنّ ما "قُدّم للحركة على أنّه مقترح بايدن لا يشبه الخطاب الذي أدلى به". ويضيف أنّ الحركة طلبت وجود "دول محايدة تضمن تطبيق أي اتفاق قد يتمّ التوصّل إليه، وتركيا والصين من ضمن الأسماء المطروحة".
معضلة غانتس
بعد مصر، توجّه بلينكن إلى إسرائيل التي سيغادرها اليوم إلى الأردن وقطر، قبل أن ينتقل إلى إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع الأربعاء.
وفي الدولة العبرية، التقى الوزير الأميركي عدداً من المسؤولين، في مقدّمتهم نتنياهو ورئيس "المعسكر الوطني" بيني غانتس الذي لم يتمّ إلغاء الاجتماع معه رغم استقالته وأعضاء حزبه من حكومة الطوارئ، ليترك نتنياهو تحت رحمة اليمين المتطرّف الرافض رفضاً قاطعاً أيّ تسوية.
هذه المعضلة التي خلقها انسحاب غانتس لا بدّ أن تُصعّب مهمّة بلينكن الحاليّة وتُقلّل فرص استئناف المفاوضات قريباً، لكن ربّما يكون أثرها عكسياً في المستقبل القريب فتُسهم في خلق ائتلاف سياسي جديد في إسرائيل "أقلّ تشدّداً وأكثر تقبّلاً لفكرة التوصّل لصفقة"، وفقاً للمسؤول في "حماس"، خاصة أنّ غانتس يطرح نفسه أصلاً شريكاً للولايات المتحدة أكثر مرونة من "بيبي"، وتُظهر استطلاعات الرأي أنّه أوفر حظاً للحلول مكان نتنياهو في حال الدعوة إلى انتخابات عامة جديدة.