النهار

"الهدنة التكتيكيّة" في رفح تخفض التّصعيد على جبهة الشّمال؟
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
في صلب الحراك الداخلي، بدأت المعارضة الإسرائيلية الإثنين أسبوعاً من الاحتجاجات التي تبلغ ذروتها السبت، بتظاهرة وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي سابقاً إيهود باراك بأنها ستضم مليون شخص للمطالبة بابرام صفقة تبادل وبإجراء انتخابات مبكرة.
"الهدنة التكتيكيّة" في رفح تخفض التّصعيد على جبهة الشّمال؟
فلسطيني فوق أنقض منزل هدمته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة أمس. (أ ف ب)
A+   A-

تجمعت مؤشرات عدة شديدة الرمزية في الأيام الأخيرة التي سبقت عيد الأضحى، على جبهتي غزة وجنوب لبنان، في وقت لا يزال اقتراح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف النار قيد التفاوض.

من المهمة العاجلة لآموس هوكشتاين مستشار بايدن في لبنان وإسرائيل، إلى إعلان الجيش الإسرائيلي فجأة عن "هدنة تكتيكية" على محور صلاح الدين جنوب قطاع غزة وما تلاه من مناوشات بين المستويين السياسي والعسكري، إلى حل مجلس الحرب، إلى الهدوء النسبي على الجبهتين الجنوبية والشمالية، بعد أيام من التصعيد، بدا خلالها أن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط على مسافة غارة واحدة أو صاروخ واحد. ويمكن إدراج إطلاق إسرائيل رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك في الضفة الغربية في جملة المؤشرات.

غسل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يديه من "الهدنة التكتيكية" كي لا يدفع وزيري اليمين المتطرف إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى الاستقالة وإسقاط الائتلاف الحاكم والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

هذا لا يمنع أن نتنياهو استفاد من إعلان الجيش على رغم قوله في الجلسة الأسبوعية إن إسرائيل هي "دولة تملك جيشاً وليست جيشاً يملك دولة". فالهدنة المذكورة التي أُعلن أن الهدف منها توفير دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ووكالات إغاثة، أتت قبل المداولات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بتنفيذ توصية المدعي العام كريم خان بإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة تجويع سكان غزة.

وبحسب القنوات 12 و13 و14 في التلفزيون الإسرائيلي ووسائل إعلام أخرى، فإن ثمة خلافاً بين الجيش والقادة السياسيين بشأن ما يتعين فعله في غزة في المرحلة المقبلة. وبدأ الحديث عن قرب انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في رفح في غضون أسبوعين. في الأثناء سرب أحد المفاوضين الإسرائيليين أنه لا يزال هناك "عشرات الرهائن الأحياء" في غزة، وكأنه يضغط بذلك لإنجاز صفقة تبادل.
وسبق ذلك إعلان صريح من الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، بأن "إنقاذ رهائن على غرار ما جرى في مخيم النصيرات" ليس متاحاً، في إقرار ضمني بأن لا مناص من إبرام صفقة مع حركة "حماس".

وفي صلب الحراك الداخلي، بدأت المعارضة الإسرائيلية الإثنين أسبوعاً من الاحتجاجات التي تبلغ ذروتها السبت، بتظاهرة قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك إنها ستضم مليون شخص للمطالبة بإبرام صفقة تبادل وبإجراء انتخابات مبكرة. هذه التظاهرات اكتسبت زخماً بعد خروج زعيم حزب "الوحدة الوطنية" بيني غانتس من مجلس الحرب قبل أكثر من أسبوع بسبب عدم وضع نتنياهو استراتيجية لـ"اليوم التالي" في غزة. ويتوقع محللون أن تعود التظاهرات الاحتجاجية إلى الحجم الواسع الذي اتسمت به قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في معرض مناهضة التعديلات القضائية التي اقترحها نتنياهو للحد من صلاحية المحكمة العليا.

في ظل هذه المناخات الضاغطة، فضّل نتنياهو حل مجلس الحرب على أن يدخل إليه بن غفير وسموتريتش لأن ذلك سينجم عنه المزيد من عزل إسرائيل دولياً، وتالياً اكتفى بمجلس أمني مصغر يضمه ووزير الدفاع ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساهي هانغيبي.

ووسط البلبلة السائدة في إسرائيل، استقبل نتنياهو الإثنين هوكشتاين لمناقشة السبل الكفيلة بتهدئة الجبهة الشمالية. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت إدارة بايدن تقيم ربطاً بين جبهتي الشمال وغزة، وتخاطب القيادة الإسرائيلية بلهجة واضحة، مفادها أن الموافقة على هدنة في غزة ستفتح مسار التسوية شمالاً، أي أن واشنطن باتت مقتنعة بالربط بين الجبهتين.

والتصعيد الذي شهدته الجبهة الشمالية قبل عيد الأضحى، وضع إسرائيل أمام سؤال أساسي: هل هي مستعدة لحرب شاملة في وقت يتعرض الجيش الإسرائيلي لحرب استنزاف غزة؟ وأتى تدمير ناقلة الجند "نمر" في رفح ومقتل ثمانية جنود بداخلها ومقتل ثلاثة جنود في عمليتين شمال القطاع، ليؤكد أن "حماس" لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية مهمة، فكيف سيكون عليه الوضع في حال فتح جبهة ثانية في الشمال؟ والحرائق التي اندلعت في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، شرعت السؤال عما إذا كانت هجمات "حزب الله" ربما بدأت تخرج عن طور "الإسناد" أو الرد على عمليات الاغتيال المستهدف لكوادر في الحزب، نحو دور يرمي إلى تخفيف الضغط عن "حماس" في غزة.

الملاحظ أنه مع إعلان "الهدنة التكتيكية" في رفح، هدأت نسبياً بالتزامن جبهة جنوب لبنان. تطور من شأنه تعزيز الاقتراح الأميركي بأن غزة هي المفتاح للهدوء في الشمال وحتى في اليمن، أو سائر "جبهات الإسناد" في المنطقة.

إذاً، أضحت المعادلة على النحو الآتي: إسرائيل وحدها غير قادرة في الوقت الحالي على خوض حرب مفتوحة على جبهة ثانية. وفي هذا السياق، تستشهد مجلة "الإيكونوميست" البريطانية بمقالة نشرها الجنرال الإسرائيلي يتسحاق غيرشون، الذي كان حتى وقت قريب الضابط الثاني في قيادة الجبهة الشمالية في 13 حزيران (يونيو) الجاري، جاء فيها "أن إسرائيل يجب أن تتجه إلى ترتيبات دبلوماسية، وليس إلى حرب، في الوقت الحاضر". وغيرشون كان من دعاة بدء هجوم واسع فوراً على "حزب الله" عقب هجوم "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول.

وفي الوقت نفسه، إدارة بايدن غير متحمسة لحرب أخرى في الشرق الأوسط على عتبة الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وسط احتمالات أن تقود مثل هذه الحرب إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

ولذا، تميل واشنطن إلى تفعيل جهودها السياسية كي تتيح التوصل إلى تهدئة في غزة قبل الانتخابات.

بقي هل يمكن أن يوافق نتنياهو على تهدئة تؤول إلى سقوط حكومته؟ أم أنه يواصل المناورة و"تقسيط" التهدئة كي لا يستفز بن غفير وسموتريتش، ويتفادى أيضاً توسيع شقة الخلاف مع الجيش الذي يبدو أنه يتناغم مع الشارع الإسرائيلي ومع النصائح الأميركية؟


اقرأ في النهار Premium