في ما يبدو أنّه انتقال لمرحلة جديدة من الحرب ترتكز على عمليّات نوعيّة موضعيّة، شنّ الجيش الإسرائيلي هجوماً عسكريّاً مباغتاً على حيّ الشجاعيّة، شرق مدينة غزّة، بدأ بقصف جوّي مكثّف قبل أن يتحوّل إلى توغّل بريّ للمدرّعات والجنود، أدى إلى معارك عنيفة مع مجموعات مسلّحة من حركتي "حماس" و"الجهاد" استمرّت حتى وقت متأخّر من مساء أمس.
"صُدمنا بالدبابات"
وأجبر الهجوم الإسرائيليّ آلاف الفلسطينيين على النزوح من منازلهم على وجه السرعة، خاصة أنّ الجيش الإسرائيلي لم يصدر إنذاراً مسبقاً بالإخلاء كما جرت العادة قبل أيّ هجوم برّي، بل دعاهم إلى ذلك خلال سير العمليّة.
ويقول ياسين، وهو أحد الأشخاص الذين هربوا من حي الشجاعيّة عقب بدء العمليّة، في اتصال مع "النهار"، إنّهم "صُدموا" باقتحام الدبّابات للشوارع وإطلاق النار الكثيف. ويضيف: "خرجت وعائلتي على وجه السرعة من المنزل دون أمتعة أو طعام وماء".
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي نساءً ورجالاً وأطفالاً يحملون ما تيسّر من حقائب وطعام ويركضون في الشوارع عقب بدء الهجوم. وكان بعض الرجال يحملون أطفالاً مصابين.
ويتابع ياسين: "توجّهنا من شرق الحي باتجاه الغرب، ووصلنا إلى المدينة (غزّة)، وأثناء هروبنا صادفنا العديد من الجثث والجرحى في الطرق"، موضحاً: "لم نتمكّن من مساعدة أحد بسبب كثافة النار ولم يكن هناك سيارات إسعاف".
ووفقاً لمصادر محلّية فإنّ سيارات "الهلال الأحمر" واجهت صعوبات كبيرة في الوصول إلى الحي المستهدف.
ولاحقاً، أفاد "الهلال الأحمر" عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل في الشجاعية، مشيراً إلى مخاوف من وجود المزيد من الضحايا تحت الأنقاض حيث لا يمكن لفرق الإنقاذ الوصول إليهم.
"مفاجئة وسريعة"
وقبل أيام، سرّبت وسائل إعلام عبريّة معلومات بشأن نيّة وزير الدفاع يوآف غالانت إبلاغ الإدارة الأميركيّة بقرب انتقال الجيش الإسرائيلي للمرحلة الثالثة من الحرب التي يشنّها منذ 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) مع قرب انتهاء الهجوم على رفح. وتتضمّن المرحلة الجديدة "تخفيف العمليات العسكريّة والتحوّل إلى عمليات محدودة".
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيليّة عصمت منصور، في حديث لـ"النهار"، أنّ "العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة ليست عبثيّة، بل جرى التخطيط لها مسبقاً، وتزامنها مع الحديث عن الانتقال للمرحلة الثالثة من الحرب يمنحنا صورة واضحة عن النمط الذي ستتخذه".
ويوضح أنّ هذه المرحلة ستكون عبارة عن "عمليّات مفاجئة وغارات سريعة تهدف بالأساس إلى منع المقاومة من إعادة بناء قوّتها" في المناطق التي أعلنت إسرائيل سابقاً أنّها "قضت على خلايا حماس" فيها.
وفي الأسابيع الأولى للهجوم البرّي الإسرائيلي على قطاع غزّة، اقتحم جنود من "لواء غولاني" و"الفيلق 188" مدرّع حي الشجاعية. وآنذاك، أعلن الجيش الإسرائيلي في نهاية العمليّة أنّه تمّ "تفكيك القدرات الأساسية لحماس".
ويقول منصور: "كلّ منطقة دخلت إليها القوات الإسرائيليّة وقالت إنّها حسمت المعركة فيها، لا يعني أنّها باتت خالية من المقاومة، التي اعترف الإسرائيليون بقدرتها الكبيرة على التجنيد والعودة بسرعة للميدان... وحوّلت هذه الأحياء مجدّداً إلى نقاط ارتكاز لمهاجمة جنود العدو".
"استنزاف طويل"
لكنّ هذه التوغلات لا تعني بقاء القوى المهاجمة داخل المناطق الفلسطينيّة لوقت طويل، إذ إنّه ليس في مصلحتها التمركز والاستقرار في أماكن محدّدة حتى لا تتحوّل لأهداف سهلة للفصائل الفلسطينيّة.
ويؤكّد مصدر في "حماس" لـ"النهار" أنّ الحركة تتوقّع أن تستمرّ هذه المرحلة "لأشهر"، مشيراً إلى أنّ الحرب تتحوّل إلى "عمليّة استنزاف وتسجيل نقاط في غزة وجنوب لبنان".
ويضيف: "بنك الأهداف العسكريّة الإسرائيليّة في غزّة انتهى دون تحقيق انتصار فعلي، والآن ستتحوّل إسرائيل إلى تنفيذ عمليّات محدودة مثل التي رأيناها في الشجاعيّة، وغيرها من محاولات اغتيال لقادة ميدانيين".
ويضيف أنّ هذا الواقع "قد يستمرّ حتى التوصّل إلى اتفاق شامل مع حماس" يُعيد الأسرى ويُخرج القوات الإسرائيليّة من غزّة ويوقف الحرب ويؤمّن إعادة الإعمار وعودة السكان إلى منازلهم.