واصل الجيش الإسرائيلي قصف مناطق عدة في قطاع غزة الأربعاء مع استمرار القتال في الشمال خصوصاً، فيما فرّ آلاف الفلسطينيين من الجنوب إثر أمر بالإخلاء يثير مخاوف من عملية جديدة واسعة النطاق في المنطقة تعمّق الأزمة الإنسانية الحادة.
وقال سكان في خان يونس إن العديد من العائلات لم تتمكن من العثور على خيام بسبب نقصها ونامت على جانب الطريق بعد أن أدت أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي إلى نزوح الآلاف ممن يعيشون شرقي المدينة.
وتتواصل حركة النزوح منذ الاثنين من المناطق الشرقية في رفح وخان يونس مع فرار العائلات بحثا عن ملجأ بين الأنقاض والدمار، وفي ظلّ شحّ الماء ونقص الغذاء مع استمرار القصف والمعارك.
وفي درجات حرارة خانقة، فرّ النازحون سيرا أو تكدّسوا في عربات وسط أنقاض خان يونس، أكبر مدينة في جنوب قطاع غزة، والتي انسحب منها الجيش الإسرائيلي في بداية نيسان (أبريل)، مخلّفا دماراً هائلا.
وتقدّر الأمم المتحدة أن نحو 250 ألف شخص كانوا في المنطقة التي أمر الجيش بإخلائها بعد إطلاق صواريخ منها باتجاه إسرائيل. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن الأمر الذي يشمل منطقة مساحتها 117 كيلومترا مربعة، أي ثلث قطاع غزة، هو "الأشمل منذ تشرين الأول (أكتوبر)، عندما صدرت أوامر لسكان شمال غزة بالإخلاء" في الأيام الأولى من الحرب.
وقال عبد الله محارب، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 25 عاماً، إنها ليست المرة الأولى التي يُضطرون فيها للرحيل. وروى كيف انتقلوا من مكان إلى آخر عندما استهدفت القوات الإسرائيلية خان يونس في كانون الأول (ديسمبر). بعد انسحاب الجيش، عاد رغم الدمار مع عائلته إلى منزلهم. وها هم يغادرونه مرة أخرى، من دون أن يعرفوا إلى أين يذهبون.
وقال محارب: "نمنا في الشارع بلا مأوى بلا طعام وبلا ماء، والقصف والغارات من حولنا".
المستشفى الأوروبي
في هذه الأثناء، أعلنت منظمة الصحة العالمية الاربعاء أن جميع المرضى تقريبا في مستشفى غزة الأوروبي والمستشفى الميداني للصليب الأحمر غادروا بعد أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي.
وأضافت المنظمة أنّ 270 مريضاً قرروا المغادرة الاثنين مع الطواقم الطبية، والثلاثاء قامت وزارة الصحة في غزة بإجلاء المزيد من المرضى.
وقال علي أبو أسمهان الذي أصيب بنيران إسرائيلية وكسور في الساقين والحوض "إجانا اتصال أخلي الأوروبي... وجينا على ناصر لقينا المكان في ناصر... مليان".
وأضاف: "أنا قاعد هنا بنام في الشارع... بستنى يفضولي مكان ويقعدوني جوه (المستشفى)".
وذكر مسؤول دفاعي إسرائيلي أمس الثلاثاء أن الموظفين والمرضى أُبلغوا بإمكانية البقاء في مستشفى غزة الأوروبي رغم صدور أمر بإخلاء المنطقة التي يقع فيها.
ارتفاع حصيلة الضحايا
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس في قطاع غزة الأربعاء أن حصيلة قتلى الحرب بين إسرائيل والحركة المستمرة منذ نحو تسعة أشهر، ارتفعت إلى 37953 على الأقل.
وقالت الوزارة في بيان إنها أحصت بين من وصلوا إلى المستشفيات "28 شهيدًا و125 إصابة خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة" حتى صباح الأربعاء. وأشارت إلى أن إجمالي عدد المصابين "بلغ 87,266 إصابة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)".
بعد أن أعلن في نهاية حزيران (يونيو) أن المرحلة "الكثيفة" من الحرب اقتربت من نهايتها، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء إن الحرب لن تنتهي إلا بعد تحقيق أهدافها، بما في ذلك "القضاء على حركة حماس واستعادة جميع الرهائن" الذين خطفوا خلال هجوم الحركة قبل تسعة أشهر على إسرائيل.
وأقرّ رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال هيرتسي هاليفي بأن الجيش يخوض حرباً "طويلة الأمد".
"سرايا القدس"
من جهته، قال أبو حمزة المتحدث باسم "سرايا القدس"، الجناح المسلح لحركة "الجهاد الإسلامي"، اليوم الأربعاء إن عددا من الأسرى الإسرائيليين أقدموا على محاولة الانتحار فعليا.
وأوضح أن ذلك جاء مع اختلاف المعاملة التي يلقاها الأسرى نتيجة للطريقة التي تعامل بها إسرائيل السجناء الفلسطينيين.
وقال أبو حمزة على تطبيق تيليغرام: "قرارنا في سرايا القدس بمعاملة أسرى العدو بذات معاملة أسرانا داخل السجون سيبقى ساريا طالما استمرت حكومة الإرهاب بإجراءاتها الظالمة تجاه شعبنا وأسرانا".
عمليات مححدة الأهداف
في المقابل، ذكر الجيش الإسرائيلي أن القوات واصلت عمليات محددة الأهداف في رفح ودمرت عدة مواقع للمسلحين الفلسطينيين وقتلت عددا منهم.
وقال مسؤولون في قطاع الصحة إن غارتين جويتين إسرائيليتين على مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة أسفرتا عن مقتل خمسة فلسطينيين. وفي حي الشجاعية شرق مدينة غزة في وسط القطاع، قال مسعفون إن غارة جوية أسفرت عن مقتل أربعة وإصابة 17 آخرين.
وأضاف مسؤولو الصحة أن غارة جوية أخرى أصابت سيارة في مدينة دير البلح جنوب القطاع، مما أسفر عن مقتل ثلاثة.
ولم تفصح إسرائيل عمّا إذا كانت بصدد تنفيذ عملية واسعة أخرى في جنوب غزة، لكن أوامر الإخلاء التي تصدرها تكون عادة مقدمة لحملة عنيفة.
وبدأ الجيش عملية برية في 7 أيار (مايو) في مدينة رفح الحدودية مع مصر التي كانت تضمّ مئات آلاف السكان والنازحين الذين اضطروا بمعظمهم للفرار.
وبعد أن ساد الاعتقاد أن معركة رفح ستكون المرحلة الأخيرة من الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، استؤنفت في الأسابيع الأخيرة المعارك في مناطق عدة كان قال الجيش إنه سيطر عليها، لا سيما في الشمال حيث بدأ عملية برية في 27 حزيران (يونيو) في حي الشجاعية في شرق مدينة غزة.
وتسبّب القصف والقتال بنزوح ما بين 60 ألفاً و80 ألف شخص من المنطقة، وفق الأمم المتحدة.
وأعلن الجيش الأربعاء أنه يواصل عملياته في الشجاعية، مشيرا الى القضاء على عدد من "الإرهابيين" وتدمير بنى تحتية لهم.
وأضاف أن عملياته مستمرة أيضًا في رفح وفي وسط قطاع غزة.
وقال مراسل وكالة فرانس برس إن القصف المدفعي والغارات استهدفت مناطق عدة في مدينة غزة الأربعاء، بما في ذلك الشجاعية حيث أفاد مصدر من حماس عن خوض قتال بري.
وعُثر على سبعة قتلى تحت أنقاض منزل تعرّض للقصف في شمال المدينة، بحسب الدفاع المدني في قطاع غزة.
وأفاد شهود أن القصف المدفعي استهدف وسط قطاع غزة، بما في ذلك مخيم النصيرات للاجئين. في الجنوب، استهدف القصف وسط وغرب مدينة رفح، بحسب المكتب الإعلامي لحماس.
وتسبّبت الحرب بكارثة إنسانية في القطاع المعزول عن العالم والمحاصر حيث يعاني سكانه وعددهم 2,4 مليون نسمة من الجوع الحاد مع نقص المياه والغذاء جراء شح المساعدات، فيما اضطر 1,9 مليون يشكّلون 80% من السكان، إلى النزوح، وفق الأمم المتحدة.
وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في قطاع غزة سيغريد كاغ الثلاثاء إن "المدنيين الفلسطينيين في غزة غارقون في هاوية من المعاناة".