هي المرّة الأولى منذ نحو 9 أشهر على الحرب في غزّة التي تصل فيها محادثات وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى إلى هذا المستوى المتقدّم، باعتراف جميع المعنيين بالقتال والتفاوض، وذلك عقب ردّ من حركة "حماس" على "ورقة بايدن" وُصف بأنّه "إيجابي جداً". يأتي هذا في وقت كانت تتحضّر إسرائيل بقيادة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لإعلان المرحلة الثالثة من الحرب، وسط صراع بين المستويين السياسي والعسكري.
"مرونة... وضمانات"
تكشف مصادر مطّلعة على أجواء المفاوضات وردّ "حماس"، لـ"النهار العربي"، أنّ الحركة أبدت "مرونة كبيرة" في الموافقة على التعديلات الأميركية لصياغة بندين موضع خلاف في الخطّة، لكنّها "لم تتنازل أبداً" عن مطلب الوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزّة، بل "وافقت على تأجيل تنفيذ ذلك إلى المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق بدلاً من المرحلة الأولى" وهذا ما كانت تطالب به سابقاً.
وتشرح المصادر أنّ "أميركا بعثت عبر الوسطاء برسالة لحماس تتضمّن تعديلات جديدة على صياغة ومضمون البندين 8 و14 من مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، وقد وافقت الحركة على إحدى الصيغ التي كانت الحكومة الأمنيّة الإسرائيليّة قد قبلت بها مسبقاً، ولهذا السبب ارتفعت آمال التوصّل إلى اتفاق".
والبند الثامن مرتبط بالمفاوضات التي من المفترض أن تتمّ خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة لتحديد الشروط الدقيقة للمرحلة الثانية التي تشمل تحقيق "هدوء مستدام" في غزة، وفقاً للتعبير الأميركي.
وتضيف المصادر أنّه في مقابل ذلك فقد أضافت "حماس" شرطاً على البند 14 الذي كان "مبهماً وخضع للكثير من التفسيرات في السابق"، يتعلّق "بالتزام بايدن خطياً ببنود الصفقة وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2735".
أمّا بشأن محور فيلادلفيا ومعبر رفح، اللذين لم تتضمنهما ورقة بايدن كونهما لم يكونا حينها تحت السيطرة الإسرائيليّة كما لم تدرجهما الإدارة الأميركيّة في التعديلات المطروحة، فقد طلبت "حماس" في ردّها أن يكون الانسحاب منهما "في المرحلة الأولى من الصفقة ضمن بند الانسحاب من المناطق المأهولة" من القطاع الفلسطيني.
قطع الطريق وإحراج نتنياهو
وتشير المصادر المطلعة على المفاوضات إلى أنّ "المرونة الإيجابيّة التي أبدتها حماس مرتبطة بمحاولة الوسطاء الأميركيين والقطريين والمصريين قطع الطريق أمام المرحلة الثالثة من الحرب" التي زاد الحديث عنها في الأيام الماضية، وتضيف أنّ "الكرة الآن باتت في ملعب نتنياهو الذي سيكون في موقف محرج جداً إن رفض الموافقة على الصفقة".
يؤكّد الخبير في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني، لـ"النهار العربي"، أنّ "ردّ حماس أحدث زوبعة في إسرائيل"، مشيراً إلى أنّ المؤسسات الأمنيّة والعسكريّة التي تدفع باتجاه صفقة تبادل أصيبت بـ"استياء كبير" من محاولة مكتب نتنياهو نسب تصريحات لها مغايرة للواقع.
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن "خلافات عميقة بين الجانبين"، وأضافت أنّ "الأطراف المشاركة في المفاوضات فوجئت عندما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول أمني زعمه أنّ حماس مستمرة في الإصرار على بند مبدئي في الاتفاق سيمنع إسرائيل من العودة إلى القتال بعد المرحلة الأولى، وهو أمر غير مقبول لإسرائيل. وهناك ثغرات أخرى لم تسدّ بعد، وستواصل إسرائيل الضغط العسكري والسياسي من أجل إطلاق سراح مختطفينا الـ120".
وأردفت أنّ تحقيقات للأجهزة الأمنية الإسرائيليّة توصلت إلى أنّ "مكتب رئيس الوزراء هو الذي أصدر هذا الإعلان، ونسبه إلى جهة أمنية، وأن الجهاز الأمني ومجتمع الاستخبارات يرفضون أن ينشر الإعلان باسمهم".
ويلفت مسلماني إلى أنّ "الرد المفاجئ لحماس وضع نتنياهو في مأزق، فهو بات محرجاً ولن يستطيع مجدّداً تبرير رفضه لإتمام الصفقة".
ويقول إنّ معارضي نتنياهو الذين يطالبون بإتمام الاتفاق "يرون أنّ هذه الفرصة الأخيرة للقبول بمقترحات حماس والتوصّل إلى نهاية سعيدة لما تبقى من أسرى".
ووافق نتنياهو بالفعل على إرسال الوفد المفاوض إلى القاهرة لاستكمال المحادثات، وسط تقديرات بإمكانية التوصّل إلى اتفاق قبل نهاية تموز (يوليو) الجاري.
حذر واجب
ورغم هذه الأجواء التفاؤليّة، إلا أنّ مصدراً قيادياً في "حماس" يشير إلى ضرورة "الحذر في هذه المرحلة الحساسة".
ويقول المصدر، لـ"النهار العربي"، إنّ "نتنياهو غير سعيد بردّ حماس، وهناك سوابق بعرقلته لأيّ اتفاق، لأنّ وقف الحرب لا يخدم مصالحه الشخصيّة ومستقبله السياسي"، مذكّراً بإقدام الجيش الإسرائيلي بأمر من رئيس الحكومة على "اجتياح مدينة رفح والسيطرة على المعبر مع مصر عقب موافقة الحركة على مقترح الوسطاء في أيار (مايو) الماضي".
وفي السياق نفسه، نقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن مصدر قوله: "نتنياهو وافق على الخطوط العريضة للصفقة، لكنّه غير قادر سياسياً على إنهاء الأعمال العسكريّة وإطلاق سراح هذا العدد الكبير من المعتقلين الثقيلين" كما تطالب "حماس".
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إنّ هناك محاولات لعرقلة الصفقة ونتنياهو "سيضحي بالمختطفين من أجل كسب بعض الوقت إلى ما بعد خطابه بالكونغرس" المقرر في 24 تموز (يوليو).