رغم التقدّم الكبير الذي تحقّق في ملف المفاوضات الرامية إلى التوصّل لاتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس" ينهي الحرب التي أتمّت شهرها التاسع في غزة، إلا أنّ الأجواء التي توحي بها حكومة بنيامين نتنياهو لا تؤذن بأنّ ولادة الصفقة ستكون سهلة، ولا تتناسب مع تصريحات قادة أمنيين وعسكريين وتسريبات منقولة عن فريق التفاوض الإسرائيلي عن "أمل كبير" باغتنام هذه الفرصة والذهاب نحو إنهاء القتال.
"لن نقدّم أكثر"
وحتى اللحظة، لم تتلق الحركة الفلسطينية من الوسطاء أيّ جواب إسرائيلي نهائي بشأن استمرار التفاوض بعد ردّها الإيجابي على "ورقة بايدن"، وفقاً لمصدر من "حماس".
ويقول المصدر لـ"النهار العربي": "رسميّاً لم نتبلّغ بأي ردّ من الاحتلال. نحن بالانتظار لنبني على الأمر مقتضاه. لقد كنا متعاونين لأقصى الحدود وتنازلنا عن شرط الوقف الدائم لإطلاق النار في بداية المفاوضات كما كنا نطالب سابقاً، لكن هذا خطنا الأحمر ولن نقدّم أكثر من ذلك للوصول إلى اتفاق".
ولا يزال حتى اللحظة مكان انعقاد الجولة الجديدة من المفاوضات وزمانها غير محدّدين أيضاً، فتضاربت المعلومات بشأنهما، وأفادت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية بأنّ اللقاء، الذي يحضره مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) ويليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ديفيد برنياع، ورئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، سيُعقد الأربعاء في الدوحة. لكن وسائل إعلام مصرية نقلت عن مصدر كبير قوله إنّها ستتم "في الساعات المقبلة في القاهرة".
ويستند المتفائلون بإمكانيّة التوصّل إلى صفقة، إلى تصريحات ضباط كبار في المؤسسات الأمنية والعسكرية عن رغبة المستوى الأمني – العسكري بذلك، والتسريبات المتعمّدة بشكل يومي عن لسان قادة في الجيش الإسرائيلي بشأن "الإنهاك" الذي تعرّض له وعدم القدرة على الاستمرار بهذا الشكل، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى الضغط على المستوى السياسي للعودة إلى طاولة التفاوض والقبول بما وافقت عليه "حماس"، كونه في الأساس مطلباً إسرائيلياً.
كذلك، يرى أصحاب هذا الرأي الإيجابي، أنّ الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق تستثمره كإنجاز كبير في الحملة الانتخابية المتعثرة للمرشح الديموقراطي، قد تؤتى ثمارها أيضاً، ويلفت هؤلاء إلى تأخير شحنات أسلحة والعمل الحثيث على التوصّل إلى صيغة ملائمة للجانبين تتيح إنهاء الصراع الدموي.
"تاريخان حاسمان"
لكن هذه الأجواء الإيجابية ليست جديدة، فأكثر من مرّة كان ثمة فرصة حقيقيّة للتوصل إلى اتفاق أفشله الإسرائيليون أنفسهم، مثل هدنة رمضان التي لم يكتب لها النجاح، أو غيرها من الجولات المتعثّرة.
ويعتبر سامي أبو شحادة، الأكاديمي الفلسطيني والنائب السابق في الكنيست، أنّ نتنياهو "يحاول كسب الوقت حالياً لتمرير تاريخين حاسمين، لكنّه في نهاية المطاف سيحاول إفشال الصفقة من خلال رفض بعض التفاصيل خلال عمليّة التفاوض".
ويقول أبو شحادة لـ"النهار العربي"، إنّ "نتنياهو لا يمكنه رفض المقترح الآن، بل سيماطل حتى دخول الكنيست في إجازة الدورة الصيفية في 30 تموز (يوليو)، وبذلك يكون قد تجنّب خطر تقديم اقتراح بإسقاط حكومته في الوقت الراهن"، خاصة في ظلّ الضغوطات والغضب في الشارع الإسرائيلي الذي يطالب جزء كبير منه بالموافقة على الصفقة بهدف استعادة الأسرى.
هكذا يكون نتنياهو قد ضمن على الأقل استمرار حكومته ثلاثة أشهر إضافية، أي حتى انتهاء إجازة الكنيست في 30 تشرين الأول (أكتوبر)، وحرم أياً من القيادات الطموحة من حزب "الليكود" بالانقلاب عليه وتأمين نصاب إسقاط مجلس الوزراء.
وحتى ذلك الوقت، تكون صورة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قد أصبحت أوضح، ونتنياهو "يراهن على فوز دونالد ترامب" بهذا الاستحقاق، وفقاً لأبو شحادة، الذي يؤكّد أنّ الرئيس الجمهوري "لا يمكنه أن يقدّم له جديداً على الصعيد العسكري، فكّل ما أمكن قدّمه بايدن بالفعل، لكنّه يريد استعادة الدعم السياسي الأميركي الذي فقده مع الرئيس الديموقراطي" بعدما طالت فترة الحرب.
"استغلال التفاصيل"
لذا، من غير المرجّح أن يمنح نتنياهو بايدن نصراً الآن، فهو يراهن على الحصان الآخر في سباق الرئاسة، ووفقاً للعديد من المطلعين على العلاقة المضطربة بين الرجلين، فإنّ الثقة أصبحت معدومة بينهما، كما أنّ زعيم "الليكود" لا يهاب بايدن الذي يظهر بهيئة "الضعيف" غير القادر على التأثير بقوّة على أطراف النزاع كما ترامب.
ويرى أبو شحادة أنّه بعد دخول الكنيست في الإجازة الصيفية "سيحاول نتنياهو استغلال التفاصيل للإطاحة بالاتفاق، مثل أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب حماس بالافراج عنهم، خاصة القيادات، الذين ترفض إسرائيل بالأساس إطلاق سراحهم في أي تبادل".
ويؤكّد الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) عاموس مالكا في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم" هذه الرؤية، فنتنياهو المُحرج من إيجابيّة "حماس" بشأن ورقة بايدن "سيحاول إيجاد أي ثغرة في ردّ الحركة لعرقلة عمليّة التفاوض". وربّما تكون الرسالة التي نقلها برنياع إلى الوسطاء عن "رفض إسرائيل طلب حماس التزاماً مكتوباً بشأن مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق" مثالاً آخر عن التفاصيل التي يمكن أن تطيح بجهود الوسطاء للتوصل إلى تسوية.
وفي جميع الأحوال، مهما حاول نتنياهو التهرّب من تحمّل مسؤوليّة الفشل في "7 أكتوبر" عبر إطالة أمد الحرب للبقاء في السلطة بحماية ائتلاف اليمين المتطرّف، فإنّه لن يتمكّن من ذلك. يقول أبو شحادة: "في أكتوبر 1973 تحمّلت غولدا مائير مسؤولية الهزيمة، وفي العام 2006 تحمّل إيهود أولمرت مسؤولية الإخفاق في لبنان، ونتنياهو سيدفع الثمن نفسه حتماً".