قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 18 فلسطينيا في اليوم الثاني من هجوم مكثف على قطاع غزة قالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إنه يقوّض محادثات وقف إطلاق النار.
وتكثفت جهود الوساطة القطرية والمصرية المدعومة من الولايات المتحدة هذا الأسبوع للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين في إسرائيل.
وواصلت الدبابات الإسرائيلية اليوم الثلاثاء توغلها في بعض أحياء مدينة غزة، ومنها الشجاعية والصبرة وتل الهوا، حيث أفاد سكان أمس بوقوع بعض من أعنف المعارك منذ اندلاع الحرب.
وعقب أوامر إخلاء إسرائيلية اضطر الآلاف إلى مغادرة منازلهم في مدينة غزة شمال القطاع والتوجه غربا نحو ساحل البحر المتوسط وجنوبا.
ونقلت حماس عن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية قوله أمس الاثنين إن الهجوم من شأنه أن "يعيد عملية التفاوض إلى نقطة الصفر".
وذكر الجناحان العسكريان لحركتي حماس والجهاد الإسلامي أنهما اشتبكا مع القوات الإسرائيلية في تل الهوا بالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف المورتر وأوقعا خسائر بشرية بينها.
ولم يعلّق الجيش الإسرائيلي على تلك التصريحات بعد.
الأمم المتحدة: أوامر الإخلاء "مروعة"
من جانبها، احتجت الأمم المتحدة على الأوامر الإسرائيلية الأخيرة للإخلاء الجماعي لسكان قطاع غزة واعتبرتها "مروعة" فيما قال الجيش إنه قتل عشرات النشطاء في هجومه الأخير على مدينة غزة.
وكانت إسرائيل أصدرت الإثنين أوامر إخلاء جديدة تشمل معظم أحياء مدينة غزة وسط قتال عنيف. وتعتبر أوامر الإخلاء هذه الثالثة منذ 27 حزيران (يونيو) المنصرم لسكان شمال قطاع غزة بالإضافة إلى أمر إخلاء لسكان جنوب قطاع غزة في ذات الفترة، في تصعيد جديد للعمليات العسكرية.
وتقول الأمم المتحدة إن عشرات آلاف الأشخاص اضطروا إلى الفرار.
وبحسب السكان لا تزال حركة النزوح مستمرة إلى خارج المدينة فيما يقول آخرون إن ملجأهم الذين وصلوا إليه أصبح هدفا عسكريا أيضا.
واعتبر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن أوامر الإخلاء الجديدة "مروعة" وصدرت بحق المدنيين "الذين تم تهجير الكثير منهم قسرا عدة مرات، ونزوحهم إلى مناطق تشهد عمليات عسكرية للجيش الإسرائيلي وتسجل فيها حالات قتل وإصابة لمدنيين".
وقال المكتب إن سكان غزة الذين طلب منهم مغادرة وسط مدينة غزة إلى الغرب الإثنين انخرطوا في قتال جديد عندما كثف الجيش الإسرائيلي "ضرباته في جنوب وغرب مدينة غزة مستهدفا نفس المناطق التي أصدر تعليمات للناس بالانتقال إليها".
وطالب الجيش من سكان مدينة غزة الانتقال إلى دير البلح التي يقول مكتب الأمم المتحدة إنها "مكتظة أصلا بالفلسطينيين النازحين من مناطق أخرة في قطاع غزة".
الجيش الاسرائيلي
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه يواصل عملياته في مدينة غزة بناء على معلومات استخباراتية تشير إلى وجود حماس والجهاد الإسلامي في المنطقة.
وأضاف أن القوات الإسرائيلية قتلت عشرات المقاتلين وعثرت على أسلحة كثيرة.
وقال مسؤولون فلسطينيون بقطاع الصحة إن غارة جوية إسرائيلية قتلت ستة أشخاص في منزل بمدينة غزة، كما قُتل تسعة آخرون في غارة منفصلة على منزلين في النصيرات ودير البلح بوسط القطاع.
وقال مسعفون إن غارة جوية إسرائيلية على حي تل السلطان غرب مدينة رفح الواقعة بجنوب القطاع أدت إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين.
وفرّ آلاف الفلسطينيين من مدينة غزة الإثنين بعدما اقتحمها الجيش الإسرائيلي بالدبابات، داعياً إلى إخلاء أحياء إضافية، فيما احتدم القتال مع تواصل القصف.
ومع دخول الحرب في قطاع غزة شهرها العاشر إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تستمر الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل لهدنة، ومن المقرر إجراء محادثات جديدة في هذا الصدد خلال هذا الأسبوع في قطر ومصر، وهما دولتان تؤديان دور الوسيط مع الولايات المتحدة.
على الأرض، تواصلت المعارك في القطاع الفلسطيني المحاصر والمدمّر. وفي شماله، أفاد شهود عيان والدفاع المدني والمكتب الإعلامي لحكومة حماس أن الدبابات الإسرائيلية اقتحمت العديد من الأحياء في مدينة غزة خلف وابل من القصف من الطائرات الحربية والمسيّرات، ما دفع الآلاف إلى الفرار مجددا.
وشاهدت وكالة "فرانس برس" فلسطينيين يغادرون المكان سيرا على الأقدام وعلى دراجات وعربات تجرها حمير، حاملين أمتعتهم عبر الشوارع المليئة بالركام وتحت أزيز المسيرات.
"ننام بين الردم"
وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الجيش الإسرائيلي سكان غزة إلى إخلائها.
في 27 حزيران (يونيو)، دعا الجيش إلى إخلاء جزء من شرق القطاع، خصوصا منطقة الشجاعية وحيي التركمان والتفاح.
والأحد في 7 تموز (يوليو)، أمر بإخلاء بعض المناطق المجاورة للشجاعية. والاثنين أمر بإخلاء منطقة أوسع نطاقا تشمل حي الرمال وهو من أكبر أحياء مدينة غزة.
وتبقى مناطق غير مشمولة حاليا بأوامر الإخلاء وهي المنطقة الساحلية التي تضم مخيم الشاطئ والمناطق الجنوبية بما فيها حي الزيتون والمناطق الشمالية بما فيها حي الشيخ رضوان.
ودعا الجيش الإسرائيلي الاثنين السكان للتوجه إلى الجنوب، نحو دير البلح، لكن شهود عيان أفادوا وكالة "فرانس برس" أن النازحين يفضلون التوجه إلى الغرب والشمال.
من جهتها، اعتبرت حماس في بيان أن "تصعيد جيش الاحتلال الصهيوني عدوانه على أحياء مدينة غزة، واستهدافه عشرات الآلاف من السكان المدنيين وإجبارهم على النزوح من بيوتهم تحت وطأة القصف الوحشي هو إمعان في حرب الإبادة المتواصلة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكثر تسعة أشهر".
وقال عبدالله خمّاش وهو أحد سكان حي الرمال "إلى أين نذهب؟ قالوا لنا اذهبوا من هنا إلى هناك ثم يأتون إلينا. هذا يجعلنا نريد أن ندفن أنفسنا أحياء".
وأضاف "عند الساعة الثالثة صباحا غادرنا منزل الجيران ونمنا في الشوارع. والآن سنعود لننام بين الردم".
وأعلن الدفاع المدني في غزة "تلقي بلاغات بوجود عشرات الشهداء والمصابين" مشيرا إلى أن طواقمه لا تستطيع الوصول إليهم "في ظل القصف العنيف"، مشيرا إلى أن "قوات الاحتلال تحاصر عشرات العائلات".
وفي جنوب القطاع، حيث صدرت تحذيرات لسكان في الأيام الأخيرة بوجوب إخلاء مناطقهم، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل عشرات المقاتلين في الشجاعية وأكثر من ثلاثين منهم في رفح واستهدف مواقع إطلاق صواريخ في خان يونس.
وفي 7 أيار (مايو)، شن الجيش الإسرائيلي عملية برية في رفح، المدينة الواقعة عند الحدود مع مصر وُصفت بأنها المرحلة الأخيرة من الحرب ضد الحركة الإسلامية، ما دفع مليون فلسطيني إلى الفرار، وفقا للأمم المتحدة.
الجيش الاسرائيلي
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنّه قصف ليل الإثنين-الثلاثاء "إرهابيين كانوا يستخدمون منشآت مدرسة" تابعة للأونروا في مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة "غطاء" لأنشطتهم.
وقال الجيش في بيان إنّه "وبناءً على معلومات استخباراتية وباستخدام ذخيرة دقيقة، ضرب سلاح الجو الإسرائيلي عدداً من الإرهابيين الذين كانوا يقومون بأنشطة إرهابية، مستخدمين مباني مدرسة في منطقة النصيرات غطاء".
من جانبه، قال مصدر في مستشفى العودة بالنصيرات لوكالة "فرانس برس" إنّ المستشفى "استقبل عدداً من الجرحى الذين أصيبوا جرّاء استهداف بوابة مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في المخيّم الجديد بالنصيرات".
ويتّهم الجيش الإسرائيلي كلاً من حماس والجهاد الإسلامي "بانتهاك القانون الدولي بشكل منهجي من خلال استخدامهما مباني مدنية وسكّاناً (في غزة) دروعاً بشرية لشنّ هجمات إرهابية ضدّ دولة إسرائيل".
والسبت، أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس سقوط 16 قتيلاً و50 جريحاً في قصف إسرائيلي طال مدرسة تأوي نازحين في النصيرات.
من ناحيته، قال الجيش الإسرائيلي إنّ قواته الجوية استهدفت "العديد من الإرهابيين في منطقة مدرسة الجاعوني" التابعة للأونروا.
وأضاف الجيش في بيان أنّ "هذا الموقع كان يُستخدم كمخبأ وبنية تحتية عملياتية تُنفّذ منه هجمات ضدّ جنود"، مشيراً إلى أنّ "إجراءات عدّة قد اتُخذت للحدّ من خطر إلحاق ضرر بالمدنيين".
تفاقم الأوضاع الانسانية
وحذّرت مسؤولة الشؤون الإنسانية في المجلس النروجي للاجئين ميساء صالح الإثنين لدى عودتها من مهمة ميدانية من أنّ قسماً من المدنيين توجّهوا إلى دير البلح في وسط القطاع حيث الأوضاع الإنسانية تتفاقم.
وقالت إنّ "السؤال الأول الذي يطرح كل صباح هو نفسه: ماذا سنأكل اليوم؟"، وأضافت "خلال فترة تواجدي في دير البلح، لم أرَ شيئا أشبه بمساعدة. إنها تقريبا غير موجودة".
مزيد من العقبات
بعد أشهر من المفاوضات غير المباشرة وغير المثمرة، تنطلق حلقة جديدة من المباحثات بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار والإفراج عن رهائن "يرجّح جدا" أن تبدأ الأربعاء بمشاركة دول الوساطة الثلاث، وفق ما أعلن الإثنين مصدر فلسطيني.
وقال المصدر طالباً عدم الكشف عن هويته إنّ مدير الـ"سي آي إيه" وليام بيرنز ورئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنيع "يتوجّهان الى الدوحة الأربعاء".
وأضاف أنّ الرجلين سيلتقيان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وبحسب قناة "القاهرة الإخبارية" المقربة من المخابرات المصرية، يفترض أن يشارك وفدان إسرائيلي وأميركي في القاهرة في مفاوضات بهدف التوصل إلى هدنة مرتبطة بتحرير الرهائن.
والأحد، قال قيادي في حماس لوكالة "فرانس برس" إن الحركة وافقت "أن تنطلق المفاوضات" حول الرهائن الإسرائيليين "من دون وقف إطلاق نار" دائم في قطاع غزة.
والإثنين اتّهمت حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة المفاوضات و"بوضع مزيد من العقبات".
وقالت الحركة في بيان إنّه "في ضوء ما يجري من تهديد جيش الاحتلال لأحياء واسعة من مدينة غزة وطلب إخلائها وما يقوم به من مجازر وقتل وتهجير" فإنّ رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية "أجرى اتصالات عاجلة مع الإخوة الوسطاء، محذّراً من التداعيات الكارثية لما يجري في غزة، كما في رفح وغيرها".
واندلعت الحرب في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) بعد هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن 1195 قتيلاً، معظمهم مدنيّون، وفق تعداد لوكالة "فرانس برس" يستند إلى أرقام إسرائيليّة رسميّة.
ومن بين 251 شخصا خُطفوا خلال الهجوم، ما زال 116 محتجزين رهائن في غزّة، بينهم 42 لقوا حتفهم، حسب الجيش الإسرائيلي.
وردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متعهّدا القضاء على حماس وأدّى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزّة حتّى الآن إلى مقتل 38193 شخصًا على الأقلّ غالبيّتهم مدنيّون بحسب وزارة الصحة في حكومة حماس.
وتسببت الحرب في نزوح جماعي وكارثة إنسانية في قطاع غزة حيث يعاني آلاف الأطفال من سوء التغذية وسط شح المياه والغذاء، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وأعربت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة مرارا عن قلقها بشأن الأزمة الإنسانية الخطرة، محذّرة من خطر المجاعة جراء الحرب والحصار الإسرائيلي للقطاع البالغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة.