ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنّه خلال ثمانية أشهر من الحرب في غزة، "تحرص كتائب القسّام - الجناح العسكري لحركة حماس - على القتال كقوّة لا مركزية ومخفية إلى حد كبير، وذلك على النقيض من هجومها على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، إذ شارك آلاف من عناصرها بالزي الرسمي في الهجوم".
وأضافت، في تقرير لها: "بدلاً من المواجهة المباشرة للحملة الانتقامية التي نفّذتها إسرائيل عقب ذلك الهجوم، انسحب أغلب مسلّحي حماس من قواعدهم ومواقعهم الأمامية، سعياً إلى إضعاف التفوّق التكنولوجي والعددي الذي تتمتّع به إسرائيل. واختار أغلب مسلّحي حماس شن هجمات مفاجئة على مجموعات صغيرة من الجنود الإسرايليين".
وتابعت: "لا يظهر عناصر حماس إلا بشكل عابر، إذ يخرجون فجأة من مجموعة من الأنفاق، مسلّحين بقذائف صاروخية، لضرب جنود إسرائيليين ثم العودة بسرعة إلى حصونهم تحت الأرض. وفي بعض الأحيان، يختبئ مسلحو حماس بين المدنيين القلائل الذين قرّروا البقاء في أحيائهم على الرغم من الأوامر الإسرائيلية بالإخلاء، أو رافقوا المدنيّين أثناء عودتهم إلى المناطق التي استولى عليها الإسرائيليون ثم تركوها".
ووفق تقرير الصحيفة الأميركية، "تعتمد حماس على أسلوب حرب العصابات، وغالباً ما يتنكّر مقاتلوها في زي مدني ويختبئون دخل الأحياء السكنية ويخزّنون أسلحتهم في شبكة طويلة من الأنفاق وفي المنازل والمساجد وتحت الأرائك وحتى في غرف نوم الأطفال".
استراتيجية
وأشارت إلى أن تحليلاً لمقاطع فيديو نشرتها "حماس" ومقابلات مع ثلاثة من أعضاء الحركة وعشرات الجنود الإسرائيليين، دلّلت على أن استراتيجية "حماس" تعتمد على استخدام مئات الأميال من الأنفاق، التي فاجأ حجمها القادة في إسرائيل.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن العضو السابق في الجناح العسكري لـ"حماس"، الذي يعمل محلّلاً مقيماً في إسطنبول صلاح الدين العواودة قوله إن "كتائب القسام كانت تعمل كجيش له قواعد تدريب ومخزونات قبل 7 تشرين الثاني ولكن خلال الحرب الحالية يتصرّفون كمقاتلين".
وقال العواودة: "كل تمرّد في كل حرب، من فيتنام إلى أفغانستان، شهد أناساً يقاتلون من منازلهم.. وإذا كنت أعيش في الزيتون، على سبيل المثال، وجاء الجيش سأقاتلهم هناك، من بيتي، أو عند جاري، أو من المسجد".
وأضاف أن "مقاتلي حماس يرتدون ملابس مدنية في محاولة مشروعة لتجنّب اكتشافهم، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لحركة المقاومة، وليس هناك أي شيء غير عادي فيه".
بدوره، صرّح ضابط في "حماس" إن "الحركة كانت تستعد لهذه اللحظة منذ عام 2021 على الأقل، عندما بدأت في زيادة إنتاج المتفجّرات والصواريخ المضادة للدبّابات استعداداً لحرب برّية، وتوقّفت عن صنع العديد من الصواريخ بعيدة المدى. وقامت بتوسيع شبكة واسعة من الأنفاق، وخلقت نقاط دخول في المنازل في جميع أنحاء غزة تسمح للمسلّحين بالدخول والخروج دون أن يتم رؤيتهم من الجو".
وفقاً للعواودة، تم تجهيز الشبكة بشبكة هاتف أرضي يصعب على إسرائيل مراقبتها، وتسمح للمسلّحين بالاتصال حتى أثناء انقطاع شبكات الهاتف المحمول في غزة، والتي تسيطر عليها إسرائيل.
واتّسعت شبكة الأنفاق إلى حد أنّها امتدت تحت مجمّع كبير للأمم المتحدة وأكبر مستشفى في غزة، فضلاً عن الطرق الرئيسية وعدد لا يحصى من المنازل والمباني الحكومية، وفق الصيحفة الأميركية.
وبعد 9 أشهر يقول كبار المسؤولين الإسرائيليين إنّهم لم يدمروا إلا جزءاً صغيراً من الشبكة، وأن وجودها كان سبباً في إحباط قدرة إسرائيل على تدمير "حماس".
وحتّى في المناطق التي تزعم فيها إسرائيل أنها هزمت "حماس"، اضطرت القوّات الإسرائيلية في كثير من الأحيان إلى العودة، بعد أسابيع أو حتى أشهر، لمواصلة المعركة ضد المسلّحين الذين نجوا من المراحل السابقة من الحرب.
"خطر أمني"
إلى ذلك، ذكر تقرير للجيش الإسرائيلي، نُشرت مقتطفات منه في وسائل إعلام عبرية الإثنين، أنّه وبعد 9 أشهر من الحرب في غزة، فإنّ جزءاً كبيراً من شبكة أنفاق "حماس" في القطاع الفلسطيني لا يزال "تتمتّع بكفاءة عملياتية عالية، وتشكّل خطراً أمنياً على إسرائيل".
وحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن تقديرات الجيش تشير إلى أن شبكة الأنفاق التابعة للحركة "لا تزال في جهوزية عالية في كثير من المناطق".
ونقلت الصحيفة عن القناة "12" الإسرائيلية، أن "شبكة أنفاق حركة حماس في مخيّمات وسط قطاع غزة، وفي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة وفي حي الشجاعية شرقي مدينة غزة في حالة جهوزية مرتفعة".
وأشار التقرير إلى أنّه تم "ترميم وإعادة تأهيل مصانع الخرسانة والأسمنت الخاصة ببناء الأنفاق في محافظة خان يونس في ما يقدّر الجيش الإسرائيلي أن الأنفاق في رفح في حالة جهوزية مرتفعة وتتيح الاقتراب من المنطقة الحدودية".