رغم تسريبات إسرائيلية متزايدة عن قرب الإعلان عن "نجاح" عملية اغتياله، لا يزال الغموض يلفّ مصير القائد العام لـ"كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، محمد الضيف بعد أكثر من أسبوع على ضربة جوية استهدفته في أحد مخيمات خان يونس في غزة. ورغم الحديث الإسرائيلي عن "تزايد مؤشرات مقتله"، إلا أنّ حركة "حماس" لا تزال تتجاهل هذه الأخبار تماماً.
ولدى سؤال "النهار العربي" مصدرين مطلعين في الحركة الفلسطينية التي تخوض حرباً مع إسرائيل منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) عن حقيقة ما يُنشر بشأن نجاح اغتيال الضيف، قال أحدهما: "نحن لا نعلّق على هذه الأخبار".
المصدر الآخر في "حماس" يذكّر بدوره بكلام سامي أبو زهري، المتحدث باسم الحركة، الذي نفى عقب محاولة الاغتيال أن الضيف كان موجوداً في المكان المستهدف أصلاً، وأكّد أنّ الحديث عن مقتله "كلام فارغ".
يضيف المصدر القيادي: "قلنا في البداية إنّه بخير ويمارس مهامه في قيادة الجناح العسكري في الحركة... ولا نرى اليوم ضرورة الخوض في سجال إعلامي لا طائل منه". ويرى أنّ "بنيامين نتنياهو يبحث عن صورة نصر يُقدّمها للجمهور الإسرائيلي بعد فشله في استعادة الأسرى أو تحقيق أيّ من أهداف الحرب، يُمكن أن تُخفّف الضغوط التي يتعرّض لها من المعارضة والمحتجين على أدائه".
بدوره، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين إنّ "التسريبات تأتي في إطار لعبة الضغوطات النفسية التي تمارسها إسرائيل تجاه حماس"، مشيراً إلى أنّ "الأمر الوحيد الذي تستند إليه هذه التصريحات هو مقتل مساعده رافع سلامة في الضربة"، وهو أمر لم تؤكّده "حماس" أيضاً.
ووفقاً للرواية الإسرائيلية، كان الضيف يجلس إلى جانب سلامة لحظة الاستهداف. لكنّه، بحسب القناة العبرية I24 news، لم يكن من ضمن من تم نقلهم إلى المستشفى إثر الاستهداف لمعالجة إصابته، بل تم سحبه إلى نفق للحركة تحت الأرض. وهذا ما قد يفسّر سبب الضبابية بشأن مصيره.
ويضيف جبارين: "تريد إسرائيل أيضاً أن تمدّ الجبهة الداخلية بالمعنويات من خلال الضربات التي توجهها، كما حدث في اليمن مثلاً، في غياب أي قصص نجاح عسكري يمكن استثمارها، وبالتالي تسعى إلى استهلاك بعض العمليات إعلامياً لتحيد الرأي العام الإسرائيلي بهذا الاتجاه، في ظلّ حالة عدم اليقين التي يسببها غياب نقاط التقاطع بين المستويين العسكري والسياسي".
ووجهت إسرائيل ضربة إلى خزانات النفط في ميناء الحديدة في وضح النهار، ما أسفر عن اشتعالها لوقت طويل، واعتبر زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي أنّ أحد أهداف العملية الإسرائيلية "استعراضي من أجل مشاهد النيران والدخان المتصاعد لتصوير الضربة بصورة الإنجاز الكبير".
تزامناً، قصفت إسرائيل مخزن أسلحة تابعاً لـ"حزب الله" في جنوب لبنان، ما أدى إلى سلسلة من الانفجارات ومشهد حريق ضخم استمرّ لساعات.
بناء عليه، يبدو أنّ إسرائيل تتّجه إلى اختيار أهداف تمنحها "صورة إنجاز كبير"، أقلّه أمام الجبهة الداخلية. وصور الحرائق المشتعلة جراء استهداف خزانات النفط أو مخازن الأسلحة قد تكون المفضّلة لديها الآن، إلى جانب محاولات الاغتيال التي ينجح بعضها ويفشل آخر.
أما تعمّد "حماس" عدم الخوض في جدل ما يُنشر عن مصير العقل المدبّر لأحداث "7 أكتوبر"، فربّما يكون بسبب مقتل الضيف فعلاً بالمحاولة الإسرائيلية الثامنة لاغتياله والحركة تمتنع عن الإعلان عن ذلك حتى لا تمنح نتنياهو ورقة قوّة في زمن الحرب. أما الاحتمال الآخر فهو أنه لا يزال حيّاً كما أعلنت "حماس" في البداية، وأنها في المرحلة الراهنة تمارس سياسة الغموض لتزيد من الإرباك الإسرائيلي، لعلّ نتنياهو أو جيشه يصدران إعلاناً رسميّاً بنجاح الاغتيال، فتنفيه الحركة بأدلة لا تقبل الشك، وبهذا تكون قد وجّهت ضربة كبيرة لمصداقية الحكومة الإسرائيلية.