اتفاق جديد توصّلت إلى الفصائل الفلسطينية حمل الخطوط العريضة للشراكة السياسية وإنهاء الانقسام المستمرّ منذ 18 عاماً، عماده تشكيل حكومة وحدة وطنية في غزّة والضفة الغربية بعد انتهاء الحرب الإسرائيليّة على القطاع، والاعتراف بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة ممثّلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
لكن ما يعيب هذا الاتفاق، الذي وقّع عليه في بكين ممثلون عن 14 فصيلاً بعد سلسلة اجتماعات عقدوها في العاصمة الصينية، هو عدم تضمّنه آليات تنفيذيّة ولا جدولاً زمنيّاً لتطبيقه وتخفيض حركتي "فتح" و"حماس" مستوى تمثيلهما عبر الاكتفاء بإيفاد ممثلين عن محمود عباس واسماعيل هنية، ما طرح شكوكاً جديّة بشأن فرص نجاح الاتفاق، وألا يتحوّل إلى نسخة أخرى من سلسلة التفاهمات التي سبق أن توصّلت إليها الجهات نفسها في مصر والجزائر وروسيا وقطر وتركيا.
"مجاملة للصين"
في هذا السياق، يقول مصدر قيادي شارك في اجتماعات الصين، لـ"النهار"، إنّها "كانت عاصفة وحبلى بالخلافات، خاصة في ما يتعلّق بالسلاح وأساليب النضال والاتفاقات التي أجرتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، وهذه مسائل جوهرية لا يمكن تخطيها".
وذهب المصدر بعيداً في وصف الإعلان الصادر عن اللقاء بأنّه "مجاملة للدولة المستضيفة التي قدّمت صيغته الأساسية قبل أن تُدخل عليها الفصائل بعض التعديلات المرتبطة بالقرارات الدولية".
يُقابل هذه الأجواء السوداوية تفاؤل وإيجابية تبديها قيادات أخرى في فصائل فلسطينية، إذ يؤكّد المتحدث باسم حركة "فتح" عبدالفتاح دولة، لـ"النهار"، أنّ "هناك إيجابية غير محدودة من قِبلنا وباقي الفصائل... وكان هناك مطالبة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي بعدم اعتماد صيغة تنص على القرارات الدولية التي تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل في الأعلان، وتمّ الأمر".
ويُرجع دولة إمكانية تطبيق الاتفاق "الذي لا يُعدّ عصا سحرية بحد ذاته" إلى مدى شعور الفصائل بالمسؤولية والرغبة بذلك، معتبراً أنّ الفلسطينيين "بحاجة ماسة إلى ترتيب بيتهم الداخلي وإعادة الوحدة الوطنية في مرحلة تهدد قضيتهم ووجودهم... وهذا الحجم الكبير من التضحيات بوجه المشروع الاستعماري يتطلّب تضافر الجهود تحت مظلّة منظمة التحرير الفلسطينية للاتفاق على شكل واحد للنضال وبرنامجه وتوقيته".
ساعة الصفر
وعن عدم تضمّن الإعلان جداول زمنية لتنفيذه، يقول المسؤول الفلسطيني إنّ ذلك "يعود إلى تواصل العدوان على غزة، ما يشكّل عائقاً كبيراً أمام عمل حكومة وحدة وطنية"، موضحاً أنّ ساعة الصفر لبدء تنفيذ الاتفاق "هو اليوم الذي تنتهي فيه الحرب، ونحن نناضل سويّاً بكلّ ما نملك من إمكانيات وأدوات لتحقيق ذلك".
وفي المحصّلة فإنّ "وقف العدوان والإبادة" اللتين تتعرّض لهما غزّة، وإعادة الإعمار، والدفع نحو فتح مسار سياسي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية تديرها حكومة وحدة وطنية بمشاركة "حماس" وبقية الفصائل، هو أساس الاتفاق، وسيشكّل "إنجازاً" ويؤسس لمرحلة جديدة إذا تم الالتزام به، وفقاً لدولة.
ويقول مصدر آخر في السلطة الفلسطينية لـ"النهار" إنّه "من المقرّر أن يبدأ الرئيس عباس سلسلة مشاورات مع الفصائل بهدف الاتفاق على حكومة وحدة وطنية جديدة".
هذه الإيجابية التي يُعبّر عنها قياديون في "فتح" تنسحب أيضاً على قيادات "حماس"، إذ قال عضو المكتب السياسي في الحركة الإسلامية موسى أبو مرزوق: "اليوم نوقّع اتفاقية للوحدة الوطنية، نقول إن الطريق من أجل استكمال هذا المشوار هو الوحدة الوطنية. نحن نتمسك بالوحدة الوطنية وندعو لها".
وعبّر قيادي آخر في "حماس"، تحدّث لـ"النهار"، عن "ارتياح لدى الحركة بتوقيع الإعلان في هذا التوقيت الحساس والمفصلي من تاريخ فلسطين وقضيّتها"، معتبراً أنّه "يساهم بالتصدي للمحاولات الخارجيّة بفرض واقع جديد على شعبنا لا يأخذ مصلحته بالاعتبار".
العقبة الإسرائيلية
وبحال استطاع الفلسطينيون تخطي جميع الخلافات، والتقدّم نحو إنهاء الانقسام عمليّاً بتطبيق إعلان بكين، لا بدّ أنّهم سيواجهون عقبة كبيرة تتمثّل بعدم موافقة إسرائيل على تطبيق حلّ الدولتين أوّلاً، ورفض رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بأي شكل من الأشكال حُكم "فتح" و"حماس" لغزّة.
هذا ما عبّر عنه مجدّداً وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في منشور على منصة "اكس"، قال فيه إنّ "اتفاق بكين لن يطبق لأن حكم حماس سيدمر وأبو مازن سيرى غزة من بعيد فقط".
يُعلّق دولة على الامتعاض الإسرائيلي بالقول: "يجب أن يقودنا نحو الإصرار على تطبيق هذا الاتفاق، فالانقسام ورقة مجانية للاحتلال الذي يسعى بقوّة إلى منع الوحدة الفلسطينية".