دخل الصراع في الشرق الأوسط مرحلة جديدة بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في طهران الذي يُشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذته، وبعد ضربة جوية إسرائيلية في بيروت استهدفت فؤاد شكر القائد العسكري البارز لجماعة حزب الله المدعومة من إيران.
ما مدى ارتفاع مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة؟
اغتيال هنية وقبله شكر، يفاقم احتمالات تصعيد محفوف بالمخاطر للحرب الإسرائيلية في غزة وتوتر إقليمي شديد بين إسرائيل وإيران ووكلائها.
وقال مسؤولون ومحللون في المنطقة إن هذا يشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عازم على تغيير قواعد الاشتباك في الحرب، والانتقال إلى ما هو أبعد من غزة للقضاء مباشرة على قادة حماس وضرب وكلاء إيران في أماكن أخرى.
ويرى المحللون والمسؤولون أن الهجوم واحد من أكبر الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران وحلفائها حتى الآن. وقالوا إن التوقيت والمكان اختيرا لإحراج طهران التي كانت تستضيف هنية وغيره من كبار الشخصيات الإقليمية في حفل تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان.
وقال مصدران إيرانيان إن مقتل هنية أحدث صدمة وسط كبار القادة الإيرانيين الذين يخشون بشدة الآن من احتمال أن تكون إسرائيل اخترقت قواتهم الأمنية. ويتزايد القلق من قدرة عدوهم اللدود على الوصول إلى كبار المسؤولين الإيرانيين واغتيالهم.
وقال الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي إن الانتقام هو "واجب" إيران لأنه حدث في العاصمة الإيرانية. وأضاف أن إسرائيل قدمت بنفسها المسوغات اللازمة لمعاقبتها بشدة.
ويفرض مقتل هنية على بزشكيان الآن مواجهة أول أزمة كبيرة بعد توليه الحكم. وتبنت إيران سياسة مزدوجة تتمثل في تجنب الدخول في حرب شاملة مباشرة لكنها تدعم الجماعات المسلحة التي تطلق النار على إسرائيل من لبنان واليمن والعراق وسوريا.
وقال حسين علائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني لموقع جماران الإيراني على الإنترنت، دون تقديم أدلة، "تعاونت الولايات المتحدة بالتأكيد مع إسرائيل عن كثب في الجانبين العملياتي والاستخباراتي في خطة اغتيال هنية".
وأضاف: "بتنفيذ هذا الاغتيال، أرادت إسرائيل أن تظهر للجماعات الفلسطينية أنه لا يوجد مكان آمن لهم في أي مكان في العالم... ورسالة أيضا لبزشكيان مفادها أننا لن نسمح بالتغييرات في إيران وإقامة علاقات جيدة مع العالم".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في سنغافورة إن الولايات المتحدة ليست ضالعة في مقتل هنية.
ما خيارات إيران للرد؟
يقول محللون ومسؤولون وقيادات مسلحة إن لدى إيران عددا من الخيارات لكن جميعها ينطوي على مخاطر التصعيد.
وقد ترد إيران بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ في ضربة انتقامية من إسرائيل على غرار الهجوم الذي شنته بعد استهداف إسرائيل لمجمع سفارتها في دمشق في نيسان (أبريل9 أسفر عن مقتل سبع قيادات عسكرية بارزة.
وردت إسرائيل بهجوم محسوب بدقة على الأراضي الإيرانية لم يؤد إلى خسائر بشرية.
وتستطيع إيران أيضا اغتيال دبلوماسيين أو مسؤولين إسرائيليين أو مهاجمة البعثات الإسرائيلية في الخارج.
وقد تختار طهران الرد من خلال وكلائها المسلحين، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، عبر تكثيف هجمات الوكلاء على إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وقال أديب زيادة، الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة قطر: "أعتقد تأخير إيران في شو اللي صار (في التصريح عما حدث)... اعتقد أن إيران هي برضة (أيضا) محرجة، المسألة ضرب في صميم قيادة إيران وضرب برضه في صميم المنظومة الأمنية والعسكرية الإيرانية لأنه مش معقول تجيب واحد بهذا الحجم وفي يوم برضه بيعتبر يوم استنفار للأمن الايراني، على اعتبار تنصيب الرئيس، وهو قائد حركة مطلوب".
وأضاف زيادة أن إيران ستضطر إلى الرد لتعويض ما مثل خللا أمنيا كبيرا. ومضى يقول: "هي ضربة لإيران قوية جدا وخشنة لإيران وأعتقد أنهم بيترووا (يتمهلون) جدا في التصريحات ومش صادر عنهم أي شيء حتى هذه اللحظة... أنا اعتقد لأنهم إذا أقروا أنها ضربة إسرائيلية مباشرة من مسيرة مجهولة المصدر لازم يكون هناك رد ما".
ماذا يعني هذا لحزب الله؟
فاقم الهجوم على شكر احتمالات التصعيد في الصراع بين جماعة حزب الله المدججة بالسلاح وإسرائيل اللتين تتبادلان إطلاق النار منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول (أكتوبر) في مواجهة محسوبة إلى حد كبير.
ويقول محللون إن جماعة حزب الله ستضطر إلى الانتقام برد يضاهي مكانة شكر كأعلى قيادة عسكرية للجماعة، لكنها ستأخذ في الاعتبار أيضا أن إسرائيل ضربته في الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت.
وقد يهاجم حزب الله مناطق في إسرائيل لم يضربها بعد في الصراع الحالي، من بينها مراكز حضرية، مما يفافم احتمالات الوقوع في دوامة انتقام وانتقام مضاد.
من يخلف هنية وماذا يعني ذلك لحماس؟
قال محللون ومسؤولون في حماس إن الخليفة الأكثر ترجيحا هو الزعيم السياسي لحماس خالد مشعل، نائب هنية في المنفى الذي يعيش في قطر. وقال محللون إن حماس برزت تحت قيادة مشعل كلاعب أكثر أهمية في الصراع في الشرق الأوسط بعوامل الكاريزما الشخصية وشعبيته ومكانته الإقليمية.
ونجا مشعل بأعجوبة من محاولة اغتيال أمر بها نتنياهو في عام 1997.
وقال المحللون إن خليل الحية، المسؤول البارز في حماس، من بين الاحتمالات أيضا لأنه من المفضلين لدى طهران وحلفائها في المنطقة. وتوترت علاقات مشعل مع إيران بسبب دعمه للتمرد السوري بقيادة السنة في عام 2011 ضد الرئيس بشار الأسد.
وسيظل يحيى السنوار، العقل المدبر لهجمات حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل، هو القائد في غزة.
ماذا عن وقف إطلاق النار ومحادثات الأسرى؟
تقول مصادر من حماس ومحللون إن اغتيال هنية، وهو محاور مهم في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والمفاوضات بشأن الأسرى، قضى على أي فرصة للتوصل إلى اتفاق وشيك.
ماذا ينتظر نتنياهو وائتلافه؟
التزمت حكومة نتنياهو الصمت بشأن مقتل هنية، على الرغم من أن بعض الوزراء المتشددين غير المرتبطين بوزارتي الدفاع وبالسياسة الخارجية نشروا رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي احتفلوا فيها باغتيال هنية.
وواجهت الحكومة انقسامات في قضايا من بينها إدارة حرب غزة، ومارست الأحزاب القومية الدينية المتشددة ضغوطا على الجيش لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
لكن الوزراء متفقون حول ضرورة تدمير حماس، ورحب زعيم المعارضة يائير لابيد بمقتل هنية، كما نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لإسرائيليين يحتفلون.
ويقول أورييل أبولوف، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة تل أبيب: "سيحصل نتنياهو، في الوقت الحالي على الأقل، على ما يريده وهو أن يكون هو الراية التي يتجمع حولها الإسرائيليون. ومن المؤكد أن ائتلافه لن ينقلب عليه".
وقالت عائلات الرهائن التي قادت احتجاجات للمطالبة باتفاق لوقف القتال إن الأمن الحقيقي يتوقف على إطلاق سراح كل الرهائن المتبقين وعددهم 115 رهينة، وحثت نتنياهو على قبول الصفقة التي اقترحها الرئيس الأميركي جو بايدن.
أهداف بايدن في الشرق الأوسط
سيضاف التصعيد إلى عقبات كثيرة تواجه بالفعل مسعى بايدن الدبلوماسي الطموح لإنهاء حرب غزة وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية مع توفير الأمن لإسرائيل والتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل للتطبيع. وقد يؤدي قتل هنية أيضا إلى دفع الإدارة الأميركية نحو الإسراع باتجاه تقليص التداعيات بدلا من جهود إعادة تشكيل المنطقة، وهي في أشهرها الأخيرة في السلطة.
وقال ديبلوماسي غربي إن الموقف يمكن قراءته إما كمحاولة إسرائيلية لجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية أو باعتباره رغبة من نتنياهو في تحقيق نصر يروج به لنفسه لدى الإسرائيليين. وأضاف أن الرد القوي على مقتل هنية قد يؤدي إلى رد قوي من جانب إسرائيل، مما قد يقود إلى "حلقة مفرغة وفتح كل أبواب الجحيم".