حان وقت تنفيذ الاتفاقات ولا جدوى من جولات تفاوض ومقترحات جديدة تمنح إسرائيل المجال لارتكاب المزيد من المجازر. هذا كان فحوى ردّ "حماس" على البيان الثلاثي القطري – المصري - الأميركي، الذي دعا لاستئناف المحادثات في 15 آب (أغسطس) لسدّ كافة الثغرات المتبقية في اتفاق مقترح لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى.
الحركة الفلسطينية التي قدّمت تنازلات للتوصّل إلى اتفاق خلال العملية التفاوضية، باعتراف جميع الوسطاء، باتت ترى أنّ الحلّ الوحيد المُمكن حالياً هو تقديم خطة لتنفيذ ما عُرض عليها ووافقت عليه في 2 تموز (يوليو) استناداً لرؤية الرئيس الأميركي جو بايدن وقرار مجلس الأمن، وإلزام إسرائيل بها.
كلّ ما عدا ذلك بالنسبة لـ"حماس" هو "مضيعة للوقت تتسبب بالمزيد من القتل والدمار بحق أهلنا في غزة والدليل هو الرد الإسرائيلي السريع على بيان المفاوضين بارتكاب مجزرة جديدة راح ضحيّتها 100 مدني بريء في مسجد التابعين"، وفقاً لمصادر في الحركة.
وتقول المصادر لـ"النهار العربي": "تفاوضنا بما فيه الكفاية منذ ثمانية أشهر، واستنفذنا كلّ جهدنا للتوصّل إلى اتفاق، وكانت المشكلة في البندين 8 و14 ووافقنا على الاقتراح الأميركي بشأنهما حتى لا نُتّهم بالتعنّت والعرقلة، ومع كلّ تقدّم كان العدو يُصعّد وينسف ما تمّ الاتفاق عليه، وهذا حصل مثلاً عندما دخل جيشه إلى رفح في 7 أيار (مايو) وحين انقلب على ورقة بايدن بعدها".
والبند الثامن مرتبط بالمفاوضات التي كان من المفترض أن تتمّ خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة لتحديد الشروط الدقيقة للمرحلة الثانية التي تشمل تحقيق "هدوء مستدام" في غزة، وفقاً للتعبير الأميركي.
وكانت "حماس" أضافت شرطاً على البند 14 الذي كان "مبهماً وخضع للكثير من التفسيرات في السابق"، يتعلّق "بالتزام بايدن خطياً ببنود الصفقة وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2735".
وتكرّر المصادر تأكيدها أنّ لا جدوى من استمرار هذه العمليّة، إذ إنّه "لم يعد هناك أفق للمسار التفاوضي الحالي بعد الانقلاب الإسرائيلي الجديد عليه باغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية في طهران".
هذا الموقف المُتشدّد حيال المفاوضات بمجملها ربطه بعض المراقبين بانتخاب يحيى السنوار رئيساً للحركة خلفاً لهنية، وهو الرجل المعروف بعدم مهادنته لإسرائيل، إلّا أنّ مصادر "حماس" ترفض هذه الرؤية، مشيرة إلى أنّ "السنوار لم يكن يوماً غائباً عن ملف المفاوضات، وكلّ قرار اتخذته الحركة سابقاً خلال هذا المسار كان بموافقته، لكن تبيّن أنّها مهما قدّمت من تنازلات فإنّ بنيامين نتنياهو سيُعرقل الاتفاق لأسبابه الخاصة".
كذلك، يبدو أنّ "حماس" باتت مقتنعة بأنّ الدفع المتجدد لمحادثات وقف إطلاق النار "هو محاولة لتجنب هجوم إيران وحزب الله على إسرائيل رداً على اغتيال هنية وفؤاد شكر، القائد العسكري للتنظيم اللبناني"، وفقاً لـ"تايمز أوف إسرائيل".
ومن هذا المنطلق، يُدرك السنوار جيّداً أنّ أيّ تصعيد إقليمي يصبّ بشكل أساسي في مصلحة "حماس"، كونه يخفّف الضغوط عليها في غزّة من جهة، وقد يقود الولايات المتحدة إلى فتح ملفّ التسوية جدّياً قبل أن تجرّ التطورات الشرق الأوسط بأكمله، ومعه القوات الأميركية، إلى بؤرة النار.
حتّى أنّ تل أبيب باتت تُروّج بأنّ الضربة المنتظرة من إيران و"حزب الله" ستحدث قبل الخميس المقبل، موعد جولة المفاوضات، كما توقّعت أن تُشارك بها جهات أخرى. ووفقاً للتقييم المحدّث لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فإنّ الجمهورية الإسلامية تستعد لمهاجمة الدولة العبرية بشكل مباشر ردّاً على اغتيال هنية "في غضون أيام"، ما أدى إلى رفع حالة التأهّب الأمني والعسكري.
في الوقت عينه لا يزال "حزب الله" متحفّظاً حيال توقيت الردّ الذي توعد به، وشكله، والأهداف التي سيطالها، لكنّ مصادره تؤكّد لـ"النهار العربي" أنّ "الهدف من أيّ ردّ هو الدفع نحو العودة لمعادلات الردع وتثبيتها، وضبط إيقاع الجبهة، والدفع بعجلة الحلّ، وليس توسعة الحرب".
وتوضح المصادر أنّ الردّ "سيكون رسالة للجميع بأنّ الحلّ لا يُمكن أن يُؤجّل أكثر من ذلك، وعلى الولايات المتحدة والغرب أن يضغطا على إسرائيل للموافقة على ما هو مطروح، وإلا سيكونان إمّا عاجزين أو متآمرين"، مضيفة: "كما نريد نجاح المفاوضات فإننا مستعدون لأي مخاطر مُحتملة، ونحن نُعدّ نفسنا لأيام طويلة من القتال".
وفي هذا السياق، علم "النهار العربي" أنّ "حزب الله" طلب من مقاتليه عدم الخروج من لبنان حالياً، مع اقتراب موعد زيارة الأربعين التي يجريها المسلمون الشيعة إلى العتبات المقدسة في العراق وسوريا، كما وسّع عمليّة إخلاء جانب من مقراته العسكرية والأمنية وحتى السياسية، وأبلغ سكان المنازل المحيطة بها بضرورة الخروج إلى أماكن أكثر أماناً، خاصة بعد الردّ على اغتيال شكر، ما قد يُفهم على أنّه نفير داخلي غير مُعلن.
وعليه، فإنّ إسرائيل أمام مفترق طرق أمني وخيارين، إما التسوية أو التصعيد، وهذا ما ورد في آخر تصريح لوزير دفاعها يوآف غالانت، الذي نصح بالذهاب نحو اتفاق ساخراً من عبارة "النصر المطلق" التي يستخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأكّد أيضاً أنّه لا يوصي بمهاجمة لبنان الآن لأنّ في ذلك "مغامرة" كبيرة، خلافاً لرغبته السابقة التي عبّر عنها مراراً. لكن ردّ نتنياهو لم يكن مطمئناً أبداً، ويبدو أنّ خياره حتى الآن لم يتغيّر ولو كانت تكلفته باهظة على الجميع.