تتجه الأنظار من جديد إلى الدوحة، حيث تُعقد جولة جديدة من مفاوضات تبادل الأسرى اليوم الخميس، بحضور الوسطاء والوفد الإسرائيلي، وغياب أي مشاركة مباشرة من حركة "حماس"، وسط معلومات تفيد بأنّ الإدارة الأميركية ستُقدّم مقترحاً جديداً وستمارس ضغوطاً شديدة على الأطراف للموافقة الفورية على خطوطه العريضة.
"مقترح جديد"
وتُروّج الولايات المتحدة منذ أيام أنّ خرقاً ما قد يحدُث في هذه الجولة التي تأتي في سياق حساس وأكثر تعقيداً من سابقاتها، مع بلوغ منطقة الشرق الأوسط حافة الانفجار الكبير إثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري لـ"حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتوعّد إيران والتنظيم اللبناني بالردّ على إسرائيل "أياً تكن العواقب"، وفقاً لتعبير الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
كذلك، طرأ تبدّل ما في أسلوب تعامل "حماس" مع المفاوضات والأسرى الإسرائيليين، وإن كانت قد أوضحت وجهة نظرها بشأن رفض أي مقترحات تفاوضية جديدة من شأنها "منح إسرائيل مزيداً من الوقت لارتكاب المجازر"، إلا أنّ مسألة قتل الأسرى انتقاماً لضحايا المجازر بقيت غامضة، وليس من المعروف إن كان قتل أسير وجرح اثنتين بنيران الموكلين بحمايتهم إثر مجزرة مدرسة التابعين قد أضحت سياسة الحركة الجديدة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للذهاب إلى اتفاق، أم أنّها مجرّد ردّ فعل صادر عن أفراد كما قال أبو عبيدة.
لهذه الأسباب وغيرها، وصفت وسائل إعلام عبريّة اجتماع الدوحة بأنه "لقاء الفرصة الأخيرة لإعادة الأسرى أحياء"، بينما أطلقت عليه جهات أخرى تسمية "خميس الحسم" نظراً لتأثيره على مستقبل المنطقة والحرب فيها، مع تسريبات من داخل أروقة الحكم في إيران تربط بين تأجيل الردّ على اغتيال هنية وشكر ومدى تجاوب نتنياهو مع المفاوضات، وهذا ما ألمح إليه نصرالله أيضاً عندما قال إنّ الحلّ الوحيد لتجنّب التصعيد هو وقف الحرب على غزّة.
على هذا الأساس، يُمكن لإيران و"حزب الله" تبرير عدم تنفيذ تهديداتهما تجاه إسرائيل، فتحقيق هدف جبهة الإسناد المحصور بوقف الحرب على غزة يصير في هذه الحالة أهم من انتقام قد يُحدث دماراً شاملاً، لا يسعيان إليه، وقد يُفقدهما بالجملة ما حققاه من مكاسب بالنقاط منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر).
وفي السياق نفسه يأتي المسعى الأميركي الجديد للتوصّل إلى اتفاق بين "حماس" وإسرائيل، إذ يعتزم وليام بيرنز، مدير الـ"سي آي إي" الذي يُمثّل بلاده على طاولة التفاوض، تقديم مقترح جديد خلال هذه الجولة وممارسة ضغوط شديدة لانتزاع موافقة فورية على خطوطه العريضة من المشاركين، وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، لكن ثمة تساؤلات بشأن مستوى التفويض الممنوح من نتنياهو لفريق التفاوض، وقدرته على إبرام صفقة أو حتى الموافقة على نقاطها الأساسية دون العودة إليه شخصياً، رغم مشاركة مستشاره السياسي بيتر فولك في عضوية الوفد الإسرائيلي.
من جهة أخرى، فإنّ وفد "حماس" الذي لن يُشارك في الاجتماع مباشرة، سيكون حاضراً في العاصمة القطرية لمتابعة مجريات الجولة لحظة بلحظة مع الوسيطين العربيين. ووفقاً لمصادر الحركة فإنّ رئيس الوفد خليل الحيّة "يعلم جيّداً ما هو مقبول بالنسبة لقيادة حماس، ويملك هامشاً عالياً من الحرية لاتخاذ القرار المناسب".
وبينما لا تزال تفاصيل هذا المقترح غير مُعلنة بشكل رسمي، تُقدّر مصادر "النهار العربي" أنّ "المقترح الأميركي الجديد لن يختلف بشكل جذري عن ورقة (الرئيس الأميركي جو) بايدن التي وافقت عليها حماس سابقاً، بل أنّ الخطوط العريضة لن تتبدّل، إنّما ستضاف إليها توضيحات لبعض البنود أملاً للقضاء على هواجس الجانبين وتلبية توقعاتهما".
احتمال الفشل
تُسابق واشنطن في هذا "العرض النهائي" طبول الحرب الإقليمية، في وقت تُمارس ضغوطاً دبلوماسيّة شديدة على طهران و"حزب الله" لعدم الذهاب نحوها، وصلت حتى إلى التلويح بالتدخّل العسكري المباشر ضدّهما بحال قيامهما بأي تصعيد خطير ضدّ الدولة العبرية. ولكنّها تضع في الاعتبار أيضاً إمكانية عدم تمكّنها من تحقيق المأمول في ظلّ تعنّت نتنياهو وطرحه شروطاً جديدة تضع إسرائيل وجيشها في مأزق حقيقي، فالجنود عالقون في غزة غير قادرين على تحقيق "انتصار مُطلق"، ولا هم قادرون على التراجع أو إنهاء الحرب رغم ميل وزير الدفاع يوآف غالانت إلى الخيار الأخير.
وتقول مصادر "حماس" إنّ "نتنياهو هو في النهاية صاحب اليد الطولى في القرار، لا غالانت ولا بايدن، وعليه فإنّ احتمالات فشل المفاوضات تبدو أعلى من نجاحها لأنّه يريد إطالة أمد الحرب أملاً بتحقيق المزيد من المكاسب". وتوضح أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية "يستغلّ فترة الانتخابات الرئاسية في أميركا، والانقسام داخل الإدارة، وضغط اللوبي اليهودي على بايدن وعدم قدرة الأخير على اتخاذ قرارات حاسمة، إضافة إلى انتظاره فوز دونالد ترامب بالانتخابات والذي يتوقّع أن يحظى بدعم أكبر منه".
رسالة هوكشتاين
وعلى قدر الأهمية التي يحملها اجتماع الدوحة، تبرز أيضاً زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت قادماً من تل أبيب.
تقول مصادر مطلعة على أجواء الزيارة إنّ "هوكشتاين نقل رسائل تحذيرية إلى المسؤولين اللبنانيين تؤكّد على ضرورة عدم تخطي حزب الله الضوابط والسقوف في ردّه على اغتيال فؤاد شكر، والعمل على تفعيل الحلّ السياسي للنزاع مع إسرائيل بمعزل عن نتيجة الجولة التفاوضية في الدوحة".
وأشارت إلى أنّ الموفد الأميركي "لا يزال يُروّج لحلّ طويل الأمد مرتبط بوقف النار في غزّة، وقائم على تنفيذ القرار 1701 دون إدخال تعديلات عليه، وعودة المدنيين إلى منازلهم في جنوب لبنان وشمال إسرائيل".
وفي حين أبلغ هوكشتاين من يعنيهم الأمر أنّ أيّ بديل عن الحلّ السياسي لن يكون سوى "حرب مدمّرة"، كان من اللافت أن يستخدم الجيش الإسرائيلي صواريخ أميركية خارقة للتحصينات، من نوع MK-84 مزودة بمجموعة 31 JDAM-GBU، في أعنف قصف على جنوب لبنان استهدف بلدة كفركلا وسُمعت أصداؤه حتى صيدا، قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي إلى بيروت، في ما فسّره مراقبون بأنه "بروفة" لما يُحضّر للبنان بحال أقدم "حزب الله" على تنفيذ الردّ الذي يُخطّط له.