تتأرجح مفاوضات هدنة غزة على وقع التصريحات والاتّهامات المتبادلة بين إسرائيل وحركة "حماس"، وسط تحذير وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن "الوقت داهم"، في حين تواصل القوات الإسرائيلية قصف مدارس تؤوي نازحين، كان آخرها مدرسة صلاح الدين التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) غربي مدينة غزة، ما أدى مقتل وإصابة عدد ممن كانوا يتواجدون فيها، بينما قال مسؤولون في قطاع الصحة إن غارات جوية إسرائيلية على مناطق مختلفة من قطاع غزة قتلت 50 فلسطينياً على الأقل في الساعات الأربع والعشرين المنقضية.
مساء أمس الثلاثاء، في تصريح أدلى به على مدرج مطار الدوحة قبيل مغادرته عائداً إلى واشنطن، جدّد بلينكن دعوته "حماس" للموافقة على خطة التسوية الجديدة التي طرحتها واشنطن لوقف إطلاق النار في غزة والتي أعلن سابقاً أن إسرائيل وافقت عليها.
وأكّدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد اليوم الأربعاء أن واشنطن لن يهدأ لها بال حتى تتم إعادة المحتجزين من غزة ورفات من قتلوا منهم.
على وشك الانهيار
أوضح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون أنّه لا يوجد أي اتّفاق بديل واضح يمكن طرحه في الوقت الحالي، ما يشي بأن الاتّفاق على وشك الانهيار.
واعتبر هؤلاء المسؤولون لصحيفة "بوليتيكو" أن الاقتراح الحالي الذي تمت مناقشته من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر على مدار أسابيع عدّة في تموز (يوليو) الماضي، هو الأقوى حتى الآن لأنه يتضمن شروطًا مصمّمة خصيصاً لتلبية مطالب كل من حماس وإسرائيل".
ولفتوا إلى "وجود مخاوف عميقة لدى الإدارة الأميركية وبشكل متزايد من احتمال تعثّر هذا الاقتراح كما حدث مع المقترحات السابقة، مع استمرار الخلافات بين حماس وإسرائيل وعدم وجود سبيل واضح لإنهاء القتال".
وهذا تقييم أكثر خطورة بكثير مما قدّمه المسؤولون الأميركيون علناً، لاسيما أنّهم أعلنوا مراراً وتكراراً في الأيام الماضية أنّهم باتوا أقرب من أي وقت مضى إلى إقناع الجانبين بالمضي في اتّفاق وقف النار وإطلاق سراح الأسرى، وفق الصحيفة.
ويتوقّع أن يعود المفاوضون، بمن فيهم كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، إلى القاهرة هذا الأسبوع لمحاولة التوصّل إلى توافق بشأن تفاصيل الصفقة.
وفي السياق، قال أحد المسؤولين المطّلعين على موقف إسرائيل في المفاوضات الجارية: "لا نعرف ما إذا كان زعيم حماس يحيى السنوار يريد هذه الصفقة، لكن إذا لم نتوصّل إلى اتّفاق، فهناك احتمال أن تهاجم إيران ما قد يؤدي إلى مواجهة شاملة".
وبحسب المصادر نفسها، فإن الاقتراح الحالي يركّز على إطلاق سراح باقي الأسرى، ويناقش احتمال انسحاب قوّات الجيش الإسرائيلي من غزة، إلا أن الخلافات تدور حول عدد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم بسبب التواجد الإسرائيلي في محور فيلادلفيا والمحاور المركزية شمال غزة.
ورأى مسؤول أميركي كبير رافق بلينكن في جولته بالشرق الأوسط، أن "تصريحات نتنياهو المتشدّدة هذه ليست بنّاءة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن محادثات التهدئة في غزة وصلت إلى طريق مسدود.
إفشال أو تسوية؟
في السياق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن مصادر في فريق التفاوض أن "تصريحات نتنياهو تهدف إلى إفشال مفاوضات التهدئة في غزة وهو يعلم أنّنا في فترة حرجة نعمل فيها على إيجاد حلول لمحور فيلادلفيا وممر نتساريم".
ونفلت عن مسؤول إسرائيلي بطاقم المفاوضات: "نتنياهو لا يتوقف عن وضع العقبات ومن بين العقبات التي يضعها نتنياهو ما يخص نتساريم وفيلادلفيا".
وكشفت عن أن الخلافات بشأن القضايا العالقة لم تحل رغم التصريحات الأميركية المتفائلة، والاجتماع بين بلينكن ونتنياهو لم ينجح في تقليص الفجوات ولم يحرز تقدّماً".
بدورها، لفتت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن "واشنطن تسعى لإقناع مصر وإسرائيل بالوصول إلى تسوية تحتفظ من خلالها إسرائيل بموقع أو اثنين في محور فيلادلفيا وليس بـ7 إلى 8 مواقع".
وأضافت: "الوسيطان المصري والقطري نقلا رسالة إلى نتنياهو مفادها بأنّه عليه أن يكون أكثر مرونة كي يتمكّنوا من الضغط على حماس".
مساءً، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل لم توافق على سحب قواتها من محور فيلادلفيا على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، نافيا صحة تقرير بالتلفزيون الإسرائيلي أفاد بموافقة رئيس الوزراء على سحب القوات.
وأضاف مكتب نتنياهو في بيان: "تصر إسرائيل على تحقيق جميع أهدافها للحرب، كما حددها مجلس الوزراء الأمني، بما في ذلك ألا تشكل غزة مرة أخرى تهديدا أمنيا لإسرائيل. وهذا يتطلب تأمين الحدود الجنوبية".
قصف مدارس النازحين
ووفق المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي التابع لحماس في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، فإن "4 شهداء و18 جريحا في مجزرة إسرائيلية جديدة في مدرسة صلاح الدين"، مشيراً إلى أنها "عاشر مركز إيواء يقصفه الاحتلال منذ مطلع الشهر".
وأضاف الثوابتة، أن "جيش الاحتلال يستبق قصف أي مدرسة ببيانات جاهزة لا أساس لها من الصحة، ولديه خطة لتصفية وإبادة الشعب الفلسطيني".
كما استهدفت القوات الإسرائيلية محيط مدرسة أبو نويرة في بلدة عبسان شرقي مدينة خان يونس، في ما أحصى الدفاع المدني يوم أمس، سقوط 12 قتيلا على الأقل بعد غارة إسرائيلية على مدرسة أخرى في مدينة غزة تؤوي آلاف النازحين.
إلى ذلك، قال مسؤول في "الأونروا" إن "المدارس التابعة للوكالة يفترض أن تكون محمية وفق القانون الدولي. ولا مكان آمناً في قطاع غزة، فأين يذهب من كانوا في المدرسة التي قصفت؟"، معتبراً أن "غياب المساءلة سابقة خطيرة ويشجع على الاستمرار في ما يتم اقترافه".
ومطلع الشهر الحالي، قصف الجيش الإسرائيلي مدرسة التابعين في غزة، الأمر الذي أثار غضبا دوليا. وأفاد الدفاع المدني عن مقتل 93 شخصا بينهم ما لا يقل عن 11 طفلا وست نساء.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه "حدد حتى الآن 31" مقاتلا من حماس وحركة الجهاد الإسلامي "تمت تصفيتهم" في غارته على مدرسة التابعين.
وفي الأسابيع الأخيرة، قصف الجيش مدارس أخرى في القطاع، وخصوصا في مدينة غزة، بذريعة أنها تضم مراكز قيادة تابعة لحماس، وهو ما تنفيه الحركة.
ولجأ آلاف النازحين إلى المدارس في غزة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ردا على الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة في جنوب إسرائيل.