انحسرت موجة التفاؤل الأميركي بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة. وأنهى وزير الخارجية أنطوني بلينكن جولة شملت إسرائيل ومصر وقطر، وعاد إلى الولايات المتحدة والاتفاق ليس في جيبه. وسارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتهام "حماس" بالتراجع عما سبق ووافقت عليه.
لكن، ماذا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يَدَع حبر التصريح الذي أدلى به بلينكن عن قبول إسرائيل بالاقتراح الأميركي الأخير "لسدّ الفجوات" يجفّ، حتى خرج ليعلن أن إسرائيل لن تقبل بوقف الحرب قبل تدمير سلطة "حماس" بالكامل، ولن تنسحب من محور "فيلادلفيا" على الحدود بين غزة ومصر، ولا من محور "نتساريم" الذي يشق القطاع في المنتصف من الشرق إلى الغرب، مع إصرار إسرائيلي على تفتيش النازحين العائدين من جنوب القطاع إلى شماله؟
أوقع نتنياهو بلينكن في حرج، ما اضطر مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية إلى وصف موقف نتنياهو، ولم يكن قد مضى ساعات على لقائه بلينكن، بأنه "غير بنّاء". ونفى مسؤول آخر أن يكون الوزير الأميركي قد وافق خلال لقائه نتنياهو على استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمحور "فيلادلفيا".
هذه الأجواء تلقي بظلال من الشك بشأن ما إذا كانت جولة المفاوضات المقررة في القاهرة في نهاية الأسبوع الجاري، ستنعقد في موعدها أم لا.
وحدد نتنياهو موقفه من البداية، فلن يقبل باتفاق يمنع إسرائيل من استئناف الحرب. وإذا قبل بوقف الحرب تسقط حكومته. أقصى ما يمكن الذهاب إليه صفقة تؤمن وقفاً للنار يتم خلاله إفراج "حماس" عن الأسرى الإسرائيليين أو عن معظمهم، ومن ثم يواصل الحرب عليها. ولا يجد نتنياهو نفسه مضطراً لتقديم تنازلات جوهرية. والضغوط الداخلية ليست بالقدر الكافي والمؤثر الذي يجعله يقبل باتفاق لا يضمن له استئناف الحرب أو توسيعها في مرحلة ما. وتظاهرات أهالي الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" يتراجع زخمها. وشعبيته في تحسن مستمر تجعله في وضع يكاد يكون مشابهاً لما كان قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). ومعظم الإسرائيليين يؤيدون مواصلة الحرب.
كما أن نتنياهو، وهذا هو الأهم، يجد نفسه متحرراً أيضاً من الضغوط الأميركية، ولن يقبل بتقديم تنازل لبايدن الذي يُغادر السياسة بعد أشهر، بينما هو ليس ملزماً بمساعدة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس على الفوز في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يخشى أن يؤدي وقف النار في غزة إلى تقديم خدمة كبيرة لهاريس.
ونتنياهو الذي يعرف تماماً أن إسرائيل هي امتداد للسياسات الأميركية المحلية أكثر مما تتعلق بالسياسة الخارجية، موقن بأن بايدن أو أي مسؤول أميركي آخر لن يجرؤ على توجيه اللوم إلى إسرائيل في عرقلة المفاوضات. لذلك، يطلب البيت الأبيض من مصر وقطر ممارسة الضغوط على "حماس" لتقبل بالاقتراح الأميركي الأخير الذي يُرجئ النظر في القضايا الخلافية إلى ما بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ.
وكأن المطلوب أن توافق "حماس" على تسليم العدد الأكبر من الأسرى لديها، وأن تقبل بحق نتنياهو في استئناف الحرب بعد ذلك، بينما تعتبر الحركة أن ورقة الأسرى هي أقوى ورقة بين يديها. ومن المشكوك فيه أن يتنازل زعيم الحركة يحيى السنوار عن هذه الورقة، فقط من أجل وقف للنار يمتد ستة أسابيع.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل إدارة بايدن تتمسك باستمرار المفاوضات، حتى لو لم تؤد إلى نتائج إيجابية، انطلاقاً من أن المفاوضات وحدها تكفل تبريد الأجواء الإقليمية وتحول دون ردّ من إيران و"حزب الله" على إسرائيل، انتقاماً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقائد العسكري للحزب فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في أواخر الشهر الماضي.
لكن، في لحظة ما، قد يتدهور الموقف على الجبهات الإقليمية ويتحول حرباً واسعة. التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله" في الأيام الأخيرة يوحي بأن الظروف تتهيأ لحرب أوسع نطاقاً. هنا، يأتي بيان البنتاغون الثلاثاء ليذكر بوجود 30 ألف جندي أميركي في المنطقة، عدا القطع البحرية، من أجل حماية إسرائيل من أي ردّ تتعرض له من إيران أو من حلفائها.
في مستهل جولته، وصف بلينكن الاقتراح الأميركي بأنه "الفرصة الأخيرة" لتحقيق وقف النار في غزة، وإنجاز صفقة تبادل الأسرى وتخفيف التوترات الإقليمية. لكن، من قال إن نتنياهو يضبط ساعة وقف الحرب على توقيت إدارة بايدن؟