منذ 2002 ابتكر الفلسطنيون أنماطاً متعددة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، متجاوزين تدريجياً الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية. لكن خلال السنوات القليلة الماضية تغيرت الأساليب وشهدت المقاومة خلالها تطوراً كبيراً في الكم والنوع، وظهرت أنماط مختلفة ومتعددة لكن الهدف كان واحداً.
سياسة جز العشب
بعد أكثر من 10 أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، تعيش المؤسسة الأمنية الإسرائيلبية بأكملها حالة من القلق، لأن انفجار الضفة الغربية في هذا التوقيت - وهي الساحة السابعة والأهم - يعني سحب القوات والثقل العسكري من على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهما الأكثر اشتعالاً، لمصلحة السيطرة على أي حدث قد يفجر الضفة التي ستتحول بسرعة كبيرة إلى جبهة مركزية موازية.
طيلة الأشهر الماضية عمل الجيش الإسرائيلي وفق استراتيجية "جز العشب" ضد المقاومين الفلسطينيين، عبر استنزاف قدراتهم وإلحاق الأذى بهم، ومحاولة تحقيق ردع موقت من خلال عمليات موسعة في أماكن محدودة ولفترة قصيرة ووتيرة قوية وتدميرية، كما يحدث منذ ثلاثة أعوام في مخيمات اللاجئين في مدن شمال الضفة الغربية جنين – طولكرم - نابلس - طوباس التي تعتبر الحاضنة الشعبية للكتائب المسلحة منذ عام 2021، وتأمل إسرائيل أن تؤدي استراتيجيتها في نهاية المطاف إلى تلاشي المقاومة واختفائها، إضافة إلى الحفاظ على مستوى معين من السيطرة العسكرية من دون الالتزام بحل سياسي.
فوفقاً لرؤية كبار ضباط المؤسسة الأمنية يعني فتح جبهة الضفة إلحاق الضرر حتماً بإمكان تحقيق أهداف الحرب في غزة والحدود الشمالية.
واعتبر رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنات يوسي دغان أن ما تقوم به القوات الإسرائيلية غير كاف، وطالب الحكومة بـ"التحرك الفوري ضد المسلحين في الضفة الغربية، وإصدار أمر إلى جهاز الأمن بقتل أو اعتقال كل "إرهابي" يحمل سلاحاً، إنهم يعرضون المستوطنات للخطر بل يعرضون مدن المركز مثل كفار سابا ونتانيا وبات حيفر للخطر، يجب منع السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في مستوطنات خط التماس والسامرة، الاسم التوراتي لمنطقة شمال الضفة".
اللغز وراء عملية تل أبيب
في خضم المواجهة والحرب المتعددة الساحات، جاءت عملية تل أبيب لتخلط الأوراق من جديد، العملية التي منعت السلطات الإسرائيلية نشر المزيد من المعلومات عنها وفرضت رقابة عسكرية وحظراً مطبقاً عليها، فبحسب الشرطة الإسرائيلية خطط المنفذ لعملية كبيرة، كما أنه غير معروف لهم، لذلك سيتم استخدام وسائل تكنولوجية لمعرفة المسار الذي سلكه، واستبعدت وجود شركاء آخرين له، إلا أنها أشارت إلى أن العبوة لو انفجرت في مكان مغلق لتسببت بسقوط عدد كبير من القتلى.
تتصاعد المقاومة في الضفة الغربية، وتتوسع رقعة استهدافها وقوتها في ظروف أقل ما يقال عنها إنها مستحيلة، لكنها استثنائية بكل المقاييس من خلال تمكنها من إحداث تغيرات استراتيجية في مسار المواجهة مع الاحتلال، والتغيير في التكتيكات من زرع عبوات متفجرة في الطرق المؤدية إلى المخيمات، ومحاولات لتصنيع صواريخ وإطلاقها وحفر الأنفاق واختراق المستوطنات.
ولفت المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أليشع بن كيمون إلى أن "هناك نحو 15 كتيبة نشطة في الضفة، لكن الخوف الأكبر داخل المنظومة الأمنية هو إدخال متفجرات عادية على شكل "عبوات ناسفة" إلى قلب المدن الإسرائيلية، ما قد يتسبب بكثير من الأضرار، بعد أن يتم تحضير المتفجرات غير القياسية والمرتجلة في مختبرات التصنيع في الضفة الغربية".
كما أن استخدام المقاومة سلاحها الاستراتيجي وهو الوصول إلى قلب المدن الإسرائيلية، جاء بعد 5 أيام من انفجار سيارة مفخخة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية يشتبه بأنها كانت معدة لتنفيذ هجوم في موقع قريب لم يُعرف بعد.
الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية أنطوان شلحت قال لـ"النهار العربي": "عملية تل أبيب ليست بالسهلة، فهي تحد لسلاح الجو والاستخبارات، كما أنها تحمل رسائل كثيرة، منها أن هناك رغبة ونية لدى المقاومة بعودة العمليات داخل أراضي 1948، وبالذات إلى المدن الإسرائيلية وأهمها تل أبيب التي تعتبر إصابتها إصابة للصلب والعمق الإسرائيليين".
وأضاف أنه "بحسب تقديرات شعبة الاستخبارات الإسرائيلية "أمان"، فإن الوضع في الضفة ليس عابراً بل شبيه بالأوضاع التي سبقت الانتفاضتين الأولى والثانية، وفي حال انفجار انتفاضة شعبية قي الضفة الغربية ستكون ذات طابع عنيف أكثر من سابقاتها، كما أن كمية المتفجرات المحلية الصنع المستخدمة أكثر قوة من كل المتفجرات التي استخدمت في العمليات السابقة".
ورأى أن "هذا مؤشر إلى عودة العمليات إلى المدن الإسرائيلية، وإمكان انفجار الضفة الغربية ينطوي على مخاطر شديدة بسبب الحدود المخترقة، إضافة إلى الزيادة النوعية في الأسلحة لدى المقاومة الفلسطينية، وزيادة في عدد الكتائب المسلحة، وإمكان حصولها على قذائف صاروخية، وهو ما لم يحدث سابقاً، الأرض كانت مشتعلة في الضفة الغربية قبل الحرب على غزة، ولم تتوقف خلال الحرب لكن إسرائيل مارست اتجاهها تعتيماً إعلامياً".
وأوضح شلحت أن "الحكومة اليمينية المتطرفة حملت منذ تشكيلها فكرة الضم والأبارتايد، وبعد تعيين بتساليئل سموتريتش وزيراً للإدارة المدنية في وزارة الدفاع يشهد الاستيطان في الضفة توسعاً لم يسبق أن شهده منذ غوش إيمونيم عبر تعزيز الاستيطان في المنطقة (ج) من أجل ضمها وبداية الاستحواذ على المنطقة (ب)، كما يجب أن ننظر إلى الوضع في المسجد الأقصى ومحاولة فرض أمر واقع جديد لتغيير الستاتيكو، ووتيرة هجمات المستوطنين على قرى الضفة".
وخلص شلحت إلى أن هذه العمليات تعزز فرضية أن إسرائيل لم تعد الدولة الأكثر أماناً لليهود، في ظل تزايد الهجرة العكسية، "وأصبحنا اليوم أمام واقع جديد فقد فيه الإسرائيليون الشعور بالأمن والأمان".