في الوقت الذي يشكل فيه محور فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة، أحد أبرز بنود الخلاف التي تحول دون التوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، نقلت وسائل إعلام عبرية مساء اليوم الخميس عن تقارير أميركية، أن تل أبيب اقترحت وضع 8 أبراج مراقبة على طول المحور، بينما اقترحت الولايات المتحدة تقليص عددها إلى 2، إلا أن مصر رفضت الاقتراحين.
ومساء أمس، أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل لم توافق على سحب قواتها من محور فيلادلفيا، نافيا صحة تقرير بالتلفزيون الإسرائيلي أفاد بموافقته على سحب القوات.
وقال مكتب نتنياهو في بيان: "تصر إسرائيل على تحقيق جميع أهدافها للحرب، كما حددها مجلس الوزراء الأمني، بما في ذلك ألا تشكل غزة مرة أخرى تهديدا أمنيا لإسرائيل. وهذا يتطلب تأمين الحدود الجنوبية".
لاحقاً، أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية لوكالة "فرانس برس" أنّ رئيسي جهازي الموساد (الاستخبارات الخارجية) والشاباك (الأمن الداخلي) موجودان في مصر لإجراء محادثات بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال عومير دوستري المتحدث باسم نتنياهو إنَّ رئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس الشاباك رونين بار موجودان حالياً في القاهرة حيث "يفاوضان للدفع قدماً نحو اتفاق للإفراج عن الرهائن" المحتجزين في القطاع.
وتركز مصر خصوصاً على آلية أمنية لمحور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وهو الشريط الحدودي الضيق بين مصر وغزة الذي سيطرت عليه القوات الإسرائيلية في أيار (مايو).
وتريد حركة حماس في محادثات وقف القتال في قطاع غزة المستمر منذ 10 أشهر انسحابا إسرائيليا كاملا من القطاع بما في ذلك ممر فيلادلفيا البالغ طوله 14.5 كيلومتر على طول الحدود الجنوبية لغزة مع مصر.
وتريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة على الممر، الذي استولت عليه في أواخر أيار (مايو)، بعد تدمير عشرات الأنفاق تحته والتي تقول إنها كانت تستخدم لتهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في غزة.
وبالإضافة إلى محور فيلادلفيا، نقلت وكالة "رويترز" عن 10 مصادر مطلعة أن خلافات، حول وجود عسكري إسرائيلي مستقبلا في غزة وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين، تقف عقبة في سبيل التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى.
وقالت المصادر، ومن بينها اثنان من مسؤولي حماس وثلاثة دبلوماسيين غربيين إن الخلافات نشأت من مطالب قدمتها إسرائيل منذ وافقت حركة حماس على نسخة من مقترح لوقف إطلاق النار كشف عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في أيار (مايو).
وقالت جميع المصادر إن حماس تشعر بالقلق بشكل خاص من أحدث مطلب والذي يتعلق بالاحتفاظ بقوات إسرائيلية على طول ممر نتساريم، وهو شريط ممتد من شرق القطاع إلى غربه يمنع حرية حركة الفلسطينيين بين شمال قطاع غزة وجنوبه، وأيضا وجود قوات إسرائيلية في ممر فيلادلفيا وهو شريط حدودي ضيق بين غزة ومصر.
وطلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها حتى تتحدث بحرية في الأمور الحساسة.
وقال مصدر مقرب من المحادثات إن حماس ترى أن إسرائيل غيرت شروطها وتوجهاتها "في اللحظة الأخيرة" وتخشى أن تقابل أي تنازلات تقدمها بمزيد من المطالب.
وقال مصدر ثان مقرب من المحادثات إن إسرائيل اقترحت تأجيل الاتفاق حول عودة المدنيين إلى الجزء الشمالي "إلى موعد لاحق" .
وأضاف المصدر أن بعض الوسطاء وحماس اعتبروا ذلك تراجعا من إسرائيل عن التزام سابق بالانسحاب من ممر نتساريم والسماح بحرية الحركة داخل غزة.
وقال دبلوماسي غربي، بشأن أحدث مطالب إسرائيل، إن واشنطن قبلت فيما يبدو التعديلات التي اقترحها نتنياهو التي تتضمن استمرار الانتشار العسكري الإسرائيلي في الممرين.
ورفض مسؤول أميركي هذا قائلا إن مفاوضات "التنفيذ" تستهدف حسم الخلافات حول ممري فيلادلفيا ونتساريم، وعدد السجناء الفلسطينيين ومن سيطلق سراحهم من بين موضوعات أخرى.
لاحقا، نقلت الوكالة عن مصدرين أمنيين مصريين إن وفدين من الولايات المتحدة وإسرائيل بدآ جولة جديدة من الاجتماعات في القاهرة اليوم، وأن مسؤولين مصريين وأميركيين اجتمعوا سعيا للتوصل إلى حلول وسط بشأن توفير الأمن على الحدود بين مصر وغزة.
وأضاف المصدران، أن من المقرر تقديم المقترحات إلى المسؤولين الإسرائيليين في وقت لاحق من اليوم الخميس وأن من المقرر أيضا أن ينضم وفد قطري إلى المحادثات غدا الجمعة.
ووفق ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصادر مطلعة على محادثات اتفاق غزة، فإن فرص التوصل لاتفاق ضئيلة للغاية، مشيرة إلى أن السبب الأساسي يتعلق بالخلاف حول محور فيلادلفيا.
وأوضحت المصادر أن نتنياهو أصر خلال مكالمته "الصعبة" مع الرئيس الأميركي جو بايدن أمس، على وجود الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا بعدما طالبه بايدن بالمرونة في ذلك، مضيفة أنه لن تكون هناك قمة في القاهرة خلال الأيام المقبلة أو اتفاق، إذا استمرت إسرائيل على موقفها فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا، كما أوضح مصدر إسرائيلي أن الموقف الأميركي لم يكن صارما بما فيه الكفاية، وأن واشنطن لم تكن متشددة مع تل أبيب في جولة المفاوضات الأخيرة.
وجاءت المكالمة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو في ساعة متأخرة من أمس الأربعاء بعد جولة سريعة في منطقة الشرق الأوسط قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والتي انتهت يوم الثلاثاء دون حدوث انفراجة في الحرب الدائرة منذ 10 أشهر.
إلى ذلك، ذكرت شبكة "سي إن إن"، أن مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز قد يشارك في جلسة المفاوضات التي ستعقد مساء اليوم بالقاهرة، بينما ذكرت القناة 12 العبرية، أن "قمة المفاوضات التالية بالقاهرة مخطط لها أن تعقد يوم الأحد المقبل، وحتى بدء هذه القمة ستعمل طواقم العمل الإسرائيلية مع الوسطاء في محاولة لتقليص الفجوات".
ميدانيا، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في مناطق بوسط وجنوب قطاع غزة حيث تقاتل مسلحي حركة حماس، فيما قال مسؤولو الصحة الفلسطينيون اليوم الخميس إن ضربات إسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 22 شخصا في أنحاء القطاع.
وقال البيت الأبيض إن التصعيد الجديد يأتي بعد ساعات من ضغو بايدن على نتنياهو بشأن الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.
وتدور المحادثات المتقطعة بشأن وقف إطلاق النار منذ أشهر حول القضايا ذاتها مع تشبث كل من إسرائيل و"حماس" بمطالبه.
وتسعى "حماس" إلى اتفاق يفضي إلى إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأجانب المحتجزين في القطاع مقابل الإفراج عن العديد من الفلسطينيين المسجونين لدى إسرائيل. وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية عن عدم التوصل إلى اتفاق.
ويقول نتنياهو إن الحرب لن تنتهي إلا بالقضاء على "حماس" وإن وقف إطلاق النار لإتمام تبادل الرهائن والسجناء سيكون مؤقتا فقط ما دامت الجماعة المسلحة تمثل تهديدا.
واليوم، تجتمع الحكومة الإسرائيلية المصغرة في مقر وزارة الدفاع لبحث ملفي صفقة التبادل وجبهة الشمال.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر سياسي لم تسمه أن نتنياهو لم يغير مواقفه بعد الاتصال الهاتفي مع بايدن الليلة الماضية.
من جهته، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن إن الاتصالات مع الأميركيين بشأن الصفقة مستمرة، وأضاف أنهم يبذلون جهودا لتخفيف التوترات بالمنطقة.
من جانبها، قالت حركة "حماس" إن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، يجب أن يحقق الوقف الشامل للحرب والانسحاب الكامل من القطاع وبدء الإعمار وإنهاء الحصار مع صفقة تبادل جادة.
وحملت "حماس" قادة إسرائيل المسؤولية في إجهاض الجهود التي يقوم بها الوسطاء عبر الإصرار على الاستمرار في الحرب والتنكر لما تم في مراحل سابقة.
هذا وكرر نتنياهو تأكيده على الاستعداد لأي سيناريو سواء في الدفاع أو الهجوم للتصدي لمختلف التهديدات القريبة منها والبعيدة.
وخلال زيارته لقاعدة رمات دافيد الجوية، قال نتنياهو إن القوات الجوية هي قبضة إسرائيل الحديدية، التي تعرف كيف تضرب الخاصرة الرخوة للأعداء، على حد تعبيره.
توغل في مناطق بوسط وجنوب قطاع غزة
ميدانيا، وتوغلت القوات الإسرائيلية أكثر في مناطق بوسط وجنوب قطاع غزة حيث تقاتل مسلحي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وقال مسعفون إن غارة على منزل في بلدة بيت لاهيا بشمال القطاع قتلت 11 شخصا فيما قتلت أخرى على منزل بمخيم المغازي وسط القطاع ستة أشخاص من بينهم صحفي محلي. ولاقى أيضا خمسة آخرون حتفهم في ضربات منفصلة في الجنوب.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته كثفت عملياتها في دير البلح وسط غزة وفي خان يونس جنوب القطاع، إذ دمرت عشرات المنشآت العسكرية وحددت مواقع صواريخ وقتلت مسلحين خلال الأربع والعشرين ساعة المنصرمة.
وأضاف أن قواته قتلت 50 مسلحا في منطقة رفح الواقعة أقصى جنوب القطاع أمس.
في دير البلح بوسط قطاع غزة، حيث يقطن نحو مليون نسمة ونازحون فلسطينيون، وفقا لبلدية دير البلح، قال سكان إن دبابات تقدمت من الشرق وأغلقت بعض الطرق التي تربط المدينة بخان يونس القريبة في الجنوب.
وتوغلت دبابات إسرائيلية إلى الغرب، في منطقتي القرارة وحمد بخان يونس، مما دفع المزيد من الأسر إلى مغادرة المخيمات، في بعض الأحيان تحت نيران كثيفة من دبابات وطائرات مسيرة، وفقا لسكان.
واضطرت بعض الأسر لقضاء الليلة في الطرقات، فيما قضت أخرى الليلة على الشاطئ بعد فشلها في العثور على مكان للنوم أو مأوى.
ونزح معظم سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة عدة مرات منذ بدء الحرب. وحتى في المناطق الآمنة، كانت هناك تقارير منتظمة عن وقوع ضحايا نتيجة لهجمات إسرائيلية.
ووفقا لبيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
واندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول من العام الماضي بعد أن شن مسلحو حركة "حماس" هجوما مباغتا على بلدات وقواعد عسكرية جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف نحو 250 رهينة، وفقا لإحصاءات إسرائيلية.