النهار

هل تستنسخ الضفة الغربية نموذج غزة وتعود إلى العمل المسلّح؟
جاد فيّاض
المصدر: النهار العربي
تفرض إسرائيل رقابة عسكرية وأمنية واسعة ومشدّدة، وتضرب بقوّة أي مُحاولة من الفصائل الفلسطينية لإعادة مبدأ "الكفاح المسلّح" إلى الضفة الغربية.
هل تستنسخ الضفة الغربية نموذج غزة وتعود إلى العمل المسلّح؟
فتى فلسطيني يرفع ذراعه في الهواء بينما يتفقد جنود إسرائيليون ما يحمله خلال مداهمة في جنين (رويترز)
A+   A-

تشهد الضفة الغربية دوامة عنف متصاعدة. حالة كانت حاضرة قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، واستمرّت بوتيرة أكثر دموية بعد حرب غزّة. عمليات نوعية تقوم بها عناصر مسلّحة تابعة لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ضد مواقع ودوريات إسرائيلية، تقابلها عمليات مضادة للجيش الإسرائيلي تسعى لضبط الوضع وعدم تحويل الضفة إلى غزّة أخرى.

 

تفرض إسرائيل رقابة عسكرية وأمنية واسعة ومشدّدة، وتضرب بقوّة أي مُحاولة من الفصائل الفلسطينية لإعادة مبدأ "الكفاح المسلّح" إلى الضفة الغربية، وتنسّق مع السلطة الفلسطينية أمنياً، في حين تُحاول الفصائل من جهتها إحداث خروقات موضعية وتنفيذ عمليات تُشبه بشكلها تكتيك "الذئاب المنفردة"، أي قيام عدد من العناصر بتفجير أو طعن أو إطلاق نار، بعيداً عن عمليات كبيرة.

 

بعد "طوفان الأقصى"، نادى أنصار معسكر "العمل الفلسطيني المسلّح" بتسليح الضفة الغربية لمواجهة إسرائيل، انطلاقاً من أن "مسار الديبلوماسية" الذي تم تشييده في أوسلو تحت شعار "حل الدولتين" لا أفق له. لكن "المقاومة المسلّحة" لن تجد لها بيئة حاضنة في الضفة الغربية لجملة من الأسباب، ولن تُنتج الحلول المطلوبة للصراع الفلسطيني.

 

لماذا لن يعود العمل الفلسطيني المسلّح إلى الضفة؟

مواقف الفصائل الفلسطينية من "الكفاح المسلّح" متفاوتة، وهذا ما تُشير إليه الصحافية الفلسطينية نائلة خليل بحديثها لـ"النهار"، التي تقول إنّ حركة "فتح" أعلنت رفضها العودة إلى العمل المسلّح والتزامها بمواجهتها، وهي "لا ترضى" عن العمليات التي ينفّذها بعض عناصر "كتائب شهداء الأقصى" (جناحها العسكري) بقرارات فردية.

 

إلّا أن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" يشهدان انتشاراً لافتاً في الضفة ويحصدان تعاطفاً، خصوصاً بعد حرب غزّة، و"حنين" الفلسطينيين إلى "الكفاح المسلّح" بعد فشل "المقاومة السياسية" كما يقول مراقبون. لكن خليل تُشير إلى أن لا هيكلية تنظيمية سياسية أو عسكرية للحركتين في الضفة بعدما "جرفتهما السلطة وباتا تنظيمين محروقين، باستثناء بعض القيادات والعناصر المشتّتة التي تنفذ عمليات فردية".

 

هل يُمكن تهريب الأسلحة؟

لكن غياب المواجهات المسلّحة الواسعة عن الضفة ليس مرتبطاً فقط بانحسار وجود الفصائل العسكرية، بل إن ثمّة ظروفاً صعبة تمنع هذه الحالة، يتحدّث عنها مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في فلسطين مجدي المالكي، ويقول لـ"النهار": "إلى جانب عمل فتح على تفكيك الجماعات المسلّحة، فإن إسرائيل تفرض رقابة أمنية مشدّدة تمنع نقل السلاح بكميات كبيرة تسمح بتكرار سيناريو غزّة في الضفة".

 

توافق خليل على هذا الواقع، وتُشير إلى أن احتمالية تهريب الأسلحة "ضئيلة جداً" بظل الحواجز الأمنية الكثيرة جداً لإسرائيل عند معابر الضفة، والأنظمة التكنولوجية المتطوّرة التي تعتمدها، وبالتالي فإن الواقع الجغرافي المحاصر بين الأردن وإسرائيل لا يسمح بتوفير الأسلحة، وهذا ما يؤكّده المالكي أيضاً الذي يقول لا بيئة مناسبة حتى لتطوير الأسلحة كما يحصل في غزّة بسبب الرقابة الأمنية المشدّدة.

 

هذا الواقع لا يعني إنهاء العمل العسكري الفلسطيني في الضفة الغربية، بل إن المالكي يتوقع استمراره لكن دون أن يصل لمستوى استنساخ تجربة غزّة، وما يؤجّج ذلك هو "التضييق الذي يقوم به المستوطنون والهجمات التي تنفذها إسرائيل، وهي سياسة ممنهجة لتهجير سكّان أطراف الضفة الغربية ومن ثم الانتقال نحو تطبيق سياسات مماثلة في المدن".

 

هل تستبدل "حماس" غزّة بالضفة؟

في سياق متصل، ثمّة سؤال يطرح نفسه، وهو احتمال استبدال "حماس" غزّة المدمّرة بالضفة الغربية، ونقل نشاطها العسكري والسياسي إلى هناك مع سعيها لاستقطاب جماهير، وفي هذا السياق، تقول خليل إن هذا الواقع يُواجه منذ زمن من قبل "فتح" وإسرائيل بسبب التنسيق الأمني، من خلال اعتقال قيادات وعناصر "حماس" و"الجهاد" و"الجبهة الشعبية" ويمنعان أي نشاط لهم حتى في الجامعات.

 

حاسمة "فتح" في قرار مواجهة "مد" حركتي "حماس" و"الجهاد" إلى الضفة، لأسباب كثيرة منها مرتبط بالسياسة والحكم، وأخرى مرتبطة برفضها نهج الحركتين، وتحمّلهما مسؤولية ما حل بغزّة من دمار بعد الحرب. في الإطار، يعتبر المالكي أن "حماس" تسعى لاستلام السلطة، وتريد منافسة "فتح"، لكنها في الوقت نفسه "براغماتية وتعلم أنها لا تستطيع إدارة شؤون الضفة" كما هو الحال في غزّة.

 

لكن وفي حال نجحت "حماس" والفصائل الموالية لها بطريقة أو بأخرى من استنساخ تجربة غزّة في الضفة الغربية، وهي فرضية، فإن "الضفة عندها ستواجه مصير القطاع،" وفقاً للمالكي، الذي يقول إن الضفة الغربية "أهم لإسرائيل جغرافياً، وهي تُريد أساساً ضرب الوجود الفلسطيني وتسعى إليه من خلال التضييق المذكور سلفاً، وبالتالي ستواجه الضفة سيناريوهات القطاع".

 

هل يشكّل الخيار العسكري حلاً في الضفة؟

لا تحقق المواجهات المسلّحة أهداف الفلسطينيين بتحرير أرضهم أو حتى إرساء مبدأ "حل الدولتين"، وهذا ما أثبتته تجربة غزّة، ففارق الموازين العسكرية لصالح إسرائيل يحسم المعارك منذ 7 قرون، ومطالبات "حماس" وحلفائها بوقف إطلاق النار في غزّة دليل على عدم قدرة الفصائل الفلسطينية على مواجهة إسرائيل عسكرياً.

 

لا بل إنّ المواجهات المسلّحة تخدم إسرائيل ومشاريعها الاستراتيجية في تهجير الفلسطينيين واحتلال الأراضي وبناء المستوطنات، انطلاقاً من قدراتها العسكرية وحصانتها الديبلوماسية. ولا يرى المالكي "فرصاً لنجاح المواجهات المسلّحة في الضفة الغربية بتحقيق أهداف الفلسطينيين"، ويستشهد بتجربة الانتفاضة الثانية وسياسة إسرائيل في "جز عشب" كل عمل عسكري.

 

في المحصّلة، فإن عودة العمل العسكري المسلّح إلى الضفة الغربية بشكل واسع مُشابه لغزّة احتمال ضئيل ولا أفق له، لكن تبقى العين على اشتعال المواجهات الموضعية التي باتت تحصل بشكل أسبوعي أو يومي، وقدرة الفصائل الفلسطينية على تطوير ذلك من خلال استقطاب الجماهير وتصنيع الأسلحة محلياً في ظل تضييق من إسرائيل و"فتح".

اقرأ في النهار Premium