توصل مسؤولو الصحة في تموز (يوليو) إلى اكتشاف مقلق في غزة: تم العثور على فيروس شلل الأطفال، وهو آفة عالمية، في عينات من مياه الصرف الصحي. في هذا الشهر، ازدادت الأخبار سوءا إذا أن طفلاً يبلغ من العمر 10 أشهر أصيب بشلل الأطفال وهو الآن مشلول في إحدى ساقيه.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنها أول حالة إصابة مؤكدة بشلل الأطفال في غزة منذ 25 عاما. تقوم الوكالات الدولية الآن بإرسال أكثر من 1.6 مليون جرعة من لقاح شلل الأطفال الفموي إلى منطقة النزاع ضمن جهود لتحصين 640,000 طفل دون سن 10 سنوات.
وقد وافقت إسرائيل على وقف العمليات العسكرية ثلاث مرات، ابتداءً من يوم الأحد، لتسهيل الحملة.
وكان مسؤولو الصحة يحذرون منذ أشهر من أن الصراع في غزة قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انتكاسات كبيرة في الأمراض المعدية. ويخشى بعض الخبراء من أن يكون فيروس شلل الأطفال منتشرا بالفعل.
إليك ما يجب أن تعرفه.
كيف يمكن أن يكون هناك شلل أطفال في غزة؟
من بين الفيروسات الثلاثة التي تحدث بشكل طبيعي من النوع البري، لم يتبق سوى النوع الأول حيث تم القضاء على النوعين الثاني والثالث.
ولكن هناك شكل آخر يدعو للقلق: ما يسمى بفيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح. يمثل هذا الشكل الآن معظم حالات تفشي المرض في جميع أنحاء العالم.
منذ عام 2000، تستخدم الولايات المتحدة ومعظم الدول الغنية لقاحاً محقوناً لا يحتوي على فيروس حي. لكن العديد من البلدان منخفضة الدخل لا تزال تعتمد على اللقاحات الفموية التي تحتوي على فيروس شلل الأطفال الحي الضعيف المصمم لتحفيز الاستجابة المناعية دون التسبب في مرض خطير.
لكن الطفل الذي يتلقى اللقاح الفموي قد يتخلص من الفيروس الضعيف في البراز أو إفرازات الجسم. قد لا يكون هذا الفيروس ضارا مثل فيروس شلل الأطفال من النوع البري - في البداية.
عندما تكون معدلات التطعيم بين السكان غير كافية، قد ينتشر فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح على نطاق واسع، ويخضع لتغييرات جينية ويتحول في نهاية المطاف إلى نوع قادر على التسبب في الشلل وتفشي المرض.
يُعتقد أن العامل الممرض المنتشر في غزة هو فيروس شلل الأطفال من النوع الثاني المشتق من اللقاح، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وقد تم إزالة النوع الثاني من اللقاحات الفموية المستخدمة على نطاق واسع منذ بضع سنوات وبالتالي قد يكون العديد من الأطفال في غزة عرضة للإصابة به.
كيف ساهم الصراع في ذلك؟
بلغت معدلات التغطية بلقاح شلل الأطفال في غزة حوالي 99 في المائة في عام 2022، لكنها انخفضت بشكل كبير. وكان الطفل الذي أصيب بالعدوى غير ملقح.
في الوقت نفسه، فرّ غالبية سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون شخص من منازلهم إلى ملاجئ موقتة حيث يؤدي نقص المياه النظيفة والبنية التحتية للصرف الصحي بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني، إلى جعل المنطقة مهيأة لانتشار الأمراض.
وقد دمرت الغارات الجوية والقتال البري العديد من المستشفيات والعيادات في الإقليم، ولا يزال أقل من نصف المرافق الصحية فيه تعمل ولو بشكل جزئي. ونتيجة لذلك، فإن البنية التحتية الصحية الحالية مخصصة إلى حد كبير للأشخاص الذين يعانون من إصابات الحرب، وليس للنظافة العامة والوقاية من الأمراض.
تتزايد الأمراض في خضم الأزمة. فقد سُجلت ما لا يقل عن 500,000 حالة إسهال وحوالي مليون حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة. وقد أبلغت منظمة الصحة العالمية عن 100,000 حالة إصابة بالقمل والجرب، وحوالي نفس العدد من حالات متلازمة اليرقان الحاد، أو الاشتباه في الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي أ.
ما هي الخطة في غزة؟
في محاولة للحد من تفشي المرض المحتمل، بدأ مسؤولو الصحة العالمية حملة عاجلة لتوصيل اللقاحات لمئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين. ومن المتوقع أن تبدأ هذه الجهود يوم الأحد.
وتستهدف اللقاحات الفموية التي ستصل إلى غزة لقاحات فيروس شلل الأطفال من النوع الثاني، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وستشمل الحملة 708 فرق و2700 عامل صحي.
وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن حملة اللقاح ستتم خلال ثلاث فترات توقف إنسانية.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال؟
الإجابة باختصار: لا أحد يعلم.
ففيروس شلل الأطفال الذي عُثر عليه في غزة لم يظهر هناك، لقد تم استيراده بطريقة ما، ربما من مصر. يظل انتشاره خارج غزة ممكنا مهما طال أمد انتشار الفيروس، ومن المستحيل الجزم بإمكانية احتواء الحالات في غزة.
منذ أكثر من 30 عاما، أصدرت جمعية الصحة العالمية قرارا بالقضاء على شلل الأطفال، مما أدى إلى حملات تطعيم واسعة النطاق أدت إلى انخفاض حالات الإصابة بالمرض بنسبة تزيد عن 99 في المئة في جميع أنحاء العالم. من المعروف الآن أن فيروس شلل الأطفال من النوع البري موجود فقط في باكستان وأفغانستان.
في الوقت الراهن، لا تزال أفضل حماية ضد شلل الأطفال في أي مجتمع هي ”مناعة القطيع“ التي يسببها اللقاح. في الأماكن التي تم فيها تطعيم جميع الأطفال تقريباً، يكون احتمال انتشار المرض ضئيلاً. ولكن يبقى الطفل غير الملقح في أي مكان معرضاً للخطر، كما يتضح من تفشي المرض في عام 2022 الذي وصل إلى نيويورك.