تأتي العملية العسكرية الإسرائيلية "مخيمات صيفية" التي بدأت ليل الاثنين – الثلاثاء الماضي، شمال الضفة الغربية في مدينة جنين ومخيمها، ومدينة طولكرم ومخيمي نور شمس وطولكرم، ومخيم الفارعة جنوب طوباس، بعد أشهر من ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة الهجومية، بحسب الخبراء والمحللين العسكريين الإسرائيليين، ومن أجل الحد من تصعيد المقاومة الآخذة رقعتها في الاتساع يوماً بعد يوم.
وعلى رغم تواضع إمكاناتها وقلة أسلحتها، تمكنت الفصائل في الضفة من تنفيذ عمليات يمكن وصفها بالنوعية، وسط الطوق المشدد المفروض حول المدن الفلسطينية وفصلها عن قراها ومحيطها لمنع التواصل في ما بينها، ونشر أكثر من 707 حواجز عسكرية، إضافة إلى السواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية والبوابات الحديدية التي حولتها مناطق معزولة وسط بحر من المستوطنات المتزايدة.
وتحاول المنظومة الأمنية الإسرائيلية شرعنة عملياتها وقتل أكبر عدد من الشبان الفلسطينيين عبر المبالغة في وصف الوسائل القتالية المتاحة لهم، وهي وسائل تتيح لهم خوض حرب شوارع في قتال جيش نظامي يمتلك أحدث الأسلحة وتكنولوجيا القتل والإبادة.
توالي العمليات
وفي الوقت الذي انشغلت فيه قوات الجيش الإسرائيلي على ثلاث جبهات رئيسية: غزة والحدود اللبنانية وشمال الضفة، قام شابان عشرينيان من الخليل بمباغتة المنظومة الأمنية والاستخبارية وتنفيذ عملية نوعية في التجمع الاستيطاني غوش عتصيون الواقع بين جنوب مدينة بيت لحم وشمال مدينة الخليل، في مستوطنتي كفار عتصيون وكارمي تسور ليلة الجمعة – السبت.
وتمكّن الشابان من تغيير كل المفاهيم والتصورات التي وضعتها الأجهزة الأمنية لنفسها خلال الفترة الماضية، لتنتقل التهديدات على جبهة الضفة من شمالها إلى جنوبها الذي كان هادئاً بعض الشيء خلال الـ11 شهراً الماضية.
وبالنسبة إلى الخبراء العسكريين الذين يبنون توقعاتهم على المعلومات الاستخبارية المتوافرة، تمكّنت عملية غوش عتصيون من تغيير الأسلوب والتكتيك والخروج عن المألوف، وهو ما لا يقل خطورة عن العملية نفسها ونتائجها، كما أنه يحوّل المنطقة إلى خطرة وبمستوى سخونة الساحات الأخرى، بمعنى أنّ القتال في الشمال والجنوب يتطلب أقصى قدر من الانتباه والاهتمام والعدد الأكبر من قوات الجيش للعمل في هذه القطاعات، ما سيتسبب بأزمة أخرى للعثور على مزيد من الجنود يتطوعون للخدمة.
لكنّ الضربة الأشد قسوة التي تلقتها المنظومة الأمنية كانت عندما تمكن فلسطيني من إطلاق 11 رصاصة قتلت ثلاثة عناصر من الشرطة الإسرائيلية قرب معبر ترقوميا جنوب الخليل بعد استهداف دوريتهم.
وظهرت أصوات تطالب بتغيير السياسة المتبعة في الضفة والتصرف ميدانياً بطريقة واسعة وعدوانية وشن حرب إبادة، على غرار الوزيرين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وضباط سابقين في الجيش.
وفي مقابلة مع صحيفة "إسرائيل اليوم"، قال إسرائيل غانتس، رئيس المجلس الاستيطاني يشع بنيامين، إنّ "جنين مثل غزة وطولكرم مثل رفح، والخليل مثل النصيرات، لا فرق بينها، من الممكن والضروري إعادة الحواجز والقضاء على الإرهابيين خلال المسيرات التي يقومون بها"، وهو ما أكده رئيس مجلس جبل الخليل الاستيطاني اليرام أزولاي بقوله للصحيفة: "نحن أيضاً في حالة حرب في الضفة الغربية وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتحرك بالتصميم والقوة نفسيهما ضد الإرهاب كما تفعل في غزة".
كرة النار تتدحرج
ومع تسارع وتيرة الأحداث على الأرض تظهر تساؤلات عما يجري من أحداث وفي أي اتجاه ستصب. "النهار" سألت الباحث في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني الذي أجاب: "نشهد حالة احتقان كبير جداً منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بسب سياسة الإغلاق المحكم التي تتبعها السلطات الإسرائيلية والعدد الكبير من الحواجز المنتشرة من شمال الضفة إلى جنوبها، وحالات اعتقال الفلسطينيين التي تزيد عن 11 ألفاً، وسقوط 700 شهيد تقريباً و6000 مصاب، وسحب تصاريح عمل أكثر من 100 ألف عامل، علاوة على اعتداءات عصابات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية، وفي المقابل تطوّرت المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً".
وأضاف مسلماني أنّ "عملية تل أبيب شكلت مؤشراً إلى عودة العمليات، لكن بطريقة مختلفة وعلى مدى أوسع وأعمق، كما أن كمية المتفجرات (9 كيلوغرامات وفي عملية غوش عتصيون المزدوجة أكثر من 20 كيلوغراماً) تشكل هاجساً وكابوساً للمؤسسة الأمنية، واليوم عملية إطلاق النار على معبر ترقوميا، إذاً المنطقة ذاهبة إلى عملية تفخيخ كبيرة، وهذا فشل أمني واستخباري إسرائيلي جديد".
وأوضح مسلماني أنّ "في الضفة الغربية لا قواعد لتدريب المقاومين، لكن تطور أسلوبهم كماً ونوعاً جاء وفقاً للحاجات العملياتية على الأرض وبحسب الإمكانات المتوافرة لهم، وهذا ما يؤكده أسلوب عملياتهم. الأهم أن المشهد أخذ منحنى مختلفاً والحالة تطورت منذ معركة سيف القدس عام 2021، وبعدها وحدة الساحات عام 2022، إذ شهدت الضفة شباناً أصبحوا أيقونات وملهمين مثل إبراهيم النابلسي وعدي التميمي من خلال أسلوب الانتقال من اشتباك إلى آخر، كذلك مجموعة عرين الأسود في البلدة القديمة – نابلس".
وخلص مسلماني إلى أنّ العمليات في جنوب الضفة، التي أتت بعد بيانين لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تعلنان فيهما جاهزيتهما للعمل الميداني، أظهرت "تطوّراً ملحوظاً في الأسلوب، وهي تختلف عن عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار، إذ إن هناك تنظيمات تقف وراءها وتحركها، وبالتالي تقوم بإعداد العبوات الناسفة".