أعلن مسؤولان أميركيان ومصدران أمنيان مصريان ومسؤول مطلع لـ"رويترز" أن البيت الأبيض يسعى جاهداً لتقديم اقتراح جديد لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الأسرى المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في الأيام المقبلة.
وقال المسؤولان الأميركيان إن الاقتراح الجديد يهدف إلى حل نقاط الخلاف الرئيسية التي أدّت إلى الجمود المستمر منذ أشهر في المحادثات التي تتوسّط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر سعياً إلى التوصّل إلى هدنة في الصراع بين إسرائيل و"حماس".
ولفت مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين بشكل منفصل يوم الأربعاء إلى أنّه تم التوافق على جزء كبير من الاتّفاق إلا أن المفاوضين ما زالوا يحاولون التوصّل إلى حلول لعقبتين رئيسيتين.
وأوضح المسؤول في الإدارة الأميركية، الذي رفض الكشف عن هويته، أن العقبتين تتمثّلان في مطالب إسرائيل بإبقاء قوّات في محور فيلادلفيا وهو منطقة عازلة في جنوب غزة على الحدود مع مصر، وفي هوية الأفراد الذين ستشملهم صفقة مبادلة الأسرى المحتجزين لدى "حماس" بفلسطينيين معتقلين لدى إسرائيل.
وذكر المسؤول الأميركي الأول أنّه قد يتم عرض مسودّة الاتّفاق الجديدة الأسبوع المقبل أو حتى قبل ذلك. وقال "هناك شعور بأن الوقت قد نفد. لا تستغربوا إذا رأيتم (المسودّة المنقّحة) مطلع الأسبوع".
وأشار المسؤول في الإدارة الأميركية إلى أن قيام حماس بقتل الأسرى الـ6، الذين أعيدت جثثهم إلى إسرائيل في الآونة الأخيرة، أدّى إلى تعقيد الجهود المبذولة. وأضاف "نشعر جميعاً بالحاجة الملحة".
وأوضح المسؤول الأميركي الأول أن مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز المفاوض الرئيسي عن الولايات المتحدة يرأس مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين الأميركيين الذين يعملون على صياغة مسودّة الاقتراح. وتضم المجموعة منسّق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وأضاف المسؤول الأميركي الأول "هناك إحساس قوي للغاية لدى المفاوضين بأن وقف إطلاق النار يضيع" ما يؤكّد الحاجة الملحّة لهذا الجهد.
وذكر المسؤول الأميركي الأول أنّه منذ إخفاق آخر جولة لبلينكن في المنطقة الشهر الماضي في إحراز تقدّم، يواصل الوسطاء المناقشات على مستوى فرق العمل ولا تزال هذه المحادثات مستمرّة.
وقال المصدران المصريان إن الولايات المتحدة تحوّلت من نهج كان يوصف بأنّه تشاوري بصورة أكبر إلى محاولة فرض خطّة لوقف إطلاق النار على الطرفين.
وأضاف المسؤولان الأميركيان أن الخطّة المعدّلة لن تكون عرضاً أخيراً للقبول به أو رفضه كلّياً وواشنطن ستواصل العمل من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار إذا لم يكتب لها النجاح.
الوجود الإسرائيلي
انضمت يوم الثلاثاء 5 دول عربية من بينها السعودية والإمارات، فضلاً عن السلطة الفلسطينية، إلى مصر في رفض طلب إسرائيل بإبقاء قوّات في محور فيلادلفيا. وأصدرت تركيا يوم الأربعاء بياناً مشابهاً.
وتتطلّب بنود من اتّفاق من ثلاث مراحل، وافق عليه الطرفان بالفعل، انسحاب إسرائيل من جميع المناطق المكتظّة بالسكّان في غزة في إطار المرحلة الأولى من الاتّفاق. وقال المسؤول الكبير في الإدارة إن الخلاف الحالي يدور عن ما إذا كان المحور يمكن وصفه بأنّه منطقة مكتظّة بالسكّان.
وأضاف المسؤول "لذا فإنّنا نتحدّث هنا عن المرحلة الأولى، وعن الشكل الذي سيبدو عليه هذا الترتيب".
وقال المسؤول الأميركي الأول إن المجموعة الأميركية تدرس المناطق التي يتعيّن على القوّات الإسرائيلية الانسحاب منها في محور فيلادلفيا والمناطق التي يمكنها البقاء فيها.
وأوضح المسؤول المطّلع على المحادثات أن وفداً إسرائيلياً برئاسة رئيس جهاز المخابرات (الموساد) دافيد برنياع أبلغ الوسطاء في محادثات جرت في قطر يوم الاثنين بأن إسرائيل مستعدّة لسحب قوّاتها من المحور بعد المرحلة الأولى التي ستستمر 42 يوماً من وقف إطلاق النار.
لكن بعد ساعات عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحافياً في القدس وأصرّ على احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على المحور. وأوضح المسؤول أن التصريحات صدرت بعد عودة الوفد إلى بلاده.
وكرّر نتنياهو يوم الأربعاء رفضه القاطع للانسحاب من المحور في المرحلة الأولى من الاتّفاق. وقال إن إسرائيل لن توافق على وقف دائم لإطلاق النار بعد ذلك إلا إذا كانت هناك ضمانات بعدم استخدام المحور كممر لتهريب الأسلحة والإمدادات إلى "حماس" في غزة.
وتابع المسؤول المطلع "لقد وضع هذا الوسطاء في موقف صعب. فلن توافق مصر ولا حماس على أي اتفاق إذا بقيت إسرائيل في محور فيلادلفيا".
ورفض مكتب نتنياهو التعليق.
وفي واشنطن، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إنّ الولايات المتحدة تدرك "الحاجة الحقيقية لإسرائيل لضمان عدم حصول تهريب عبر محور فيلادلفيا".
وأضاف "لكنّنا نعتقد أنّ هناك طرقاً لحلّ" هذه القضية، داعيا كلا من حماس وإسرائيل إلى تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق.
في هذا السياق، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر أميركي قوله إن "تمسّك نتنياهو بمحور فيلادلفيا جزء من تكتيك تفاوضي خشية من سيناريو حل الحكومة الذي هدد به كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش".
ونقلت أيضاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه سيأتي وقت يصبح فيه الضغط الأميركي مستحيلاً ولا خيار سوى قبول الصفقة.
قلق نتنياهو...
في السياق، أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن "نتنياهو قلق من الانتقادات الدولية، ويحاول درء الاتهامات بأنه يحبط صفقة إعادة الأسرى، ويشعر بالقلق أيضاً من انتقادات عائلات الأسرى التي تحظى بتغطية متزايدة في وسائل الإعلام الدولية".
ولفتت الصحيفة إلى أن "تمسّك إدارة بايدن بالخط العلني بأن العائق الرئيسي أمام الصفقة هو حماس بدأ يتغيّر".
"فخ"
في السياّق، أكّد القيادي الكبير في "حماس" عزت الرشق لـ"رويترز" أن الحركة ستتعامل مع أي اقتراح جديد يستجيب "لمطالب المقاومة ومطالب شعبنا" بدون تقديم تفاصيل.
وقالت "حماس" في بيان إنّه لا توجد حاجة لاقتراحات جديدة واتّهمت نتنياهو بالسعي إلى "إفشال التوصّل لاتّفاق".
وأضافت "نحذّر من الوقوع في فخ نتنياهو وحيله حيث يستخدم المفاوضات لإطالة أمد العدوان على شعبنا".
وسيطرت إسرائيل على محور فيلادلفيا في أيار (مايو) الماضي وتفيد بأن "حماس" كانت تستخدمه لتهريب الأسلحة والمواد المحظورة عبر الأنفاق التابعة لها إلى غزة.
وقد أدّى التقدّم الإسرائيلي إلى إغلاق معبر رفح ما قلّص المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة بشكل حاد وعطّل معظم عمليات الإجلاء الطبي وربما منع مصر من القيام بالدور الذي كانت تقوم به بالنظر لكونها الطرف الآخر للمعبر الحدودي الوحيد إلى غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل بشكل مباشر.
وتشير مصر إلى أن الأنفاق التي كانت تستخدم للتهريب إلى غزة قد أُغلقت أو دُمرت ويتعيّن أن يعود الوجود الفلسطيني لرفح ومنطقة فيلادلفيا العازلة مضمونة بموجب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموّقعة عام 1979.
واندلع الصراع المستمر منذ 11 شهراً عندما قادت "حماس" هجوماً على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وأدّى وفقاً لإحصاءات إسرائيلية إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 أسيراً.
وتفيد السلطات الصحّية في غزة بأن الهجوم الإسرائيلي أسفر عن مقتل نحو 41 ألف فلسطيني وتسبّب في دمار واسع بالقطاع وأجبر معظم سكّانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على النزوح وخلق أزمة إنسانية.
قضية الأسرى
في السياق، كشف موقع "والا" الإسرائيلي نقلاً عن مسؤولين أميركيين قولهم عن أن "هناك خشية من إفشال صفقة التبادل حتى لو تم حل قضية محور فيلادلفيا".
وأشار المسؤولون إلى أن حركة حماس "لن تتخلّى عن قضية الأسرى، وهي تراجعت خلال مفاوضات الدوحة الأسبوع الماضي عن مواقفها السابقة وطالبت بزيادة عدد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من الصفقة".
وأوضح الموقع الإسرائيلي أنّه "كان هناك تفاهم سابق على إطلاق سراح 150 محكوماً فلسطينياً بالمؤبد في المرحلة الأولى من صفقة التبادل.. والآن تطالب حماس بعدد أكبر".
تهريب الأسلحة
من جانبها، اتّهمت مصر نتنياهو بترويج الأكاذيب بشأن تهريب الأسلحة من مصر إلى قطاع غزة عبر محور فيلادلفيا للتغطية على فشله في القطاع.
ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مصدر رفيع المستوى قوله إن "ترويج نتنياهو لتهريب السلاح من مصر أكذوبة أخرى لتبرير فشل حكومته في السيطرة على تهريب السلاح من إسرائيل إلى قطاع غزة".
وأكّد المصدر رفيع المستوى أن "الحكومة الإسرائيلية فقدت مصداقيّتها بشكل كامل داخلياً وخارجياً ولا تزال مستمرّة في ترويج أكاذيبها للتغطية على فشلها"، مشدّداً على أن "إسرائيل فشلت في القضاء على مافيا تهريب السلاح من كرم أبو سالم إلى قطاع غزة".
ورأى المصدر أن "نتنياهو يمهّد من خلال ادعاءاته بتهريب السلاح من مصر لإعلان فشله الأمني والسياسي وعدم العثور على المحتجزين أو تحقيق أي انتصار عسكري بغزة والضفة الغربية المحتلّة".
وأوضح أن "نتنياهو يسمح بتهريب السلاح من داخل إسرائيل إلى الضفة الغربية ويتغاضى عن عمليات بيع السلاح للضفة لإيجاد المبرّرات لعدوانه على الشعب الفلسطيني".
واعتبر أيضاً أن "تصريحات نتنياهو تمثّل رسالة استباقية لواشنطن برفضه أي اقتراحات لوقف إطلاق النار وإجهاض لكل الجهود المبذولة للتهدئة والإفراج عن المحتجزين والأسرى"، مشيراً إلى استياء كل الأطراف من استمرار نتنياهو في إفشال الوصول لاتفاق هدنة.