قُتل، مساء الخميس، أبو ماريا القحطاني، الذي كان يُعتبر الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام والصديق المقرب من زعيمها أبي محمد الجولاني، وذلك بعد حوالي شهر من إطلاق سراحه على خلفية اعتقاله بسبب اتّهامه بالتورط في ملف العمالة لجهات خارجية.
اغتيال القحطاني الذي لم تتضح تفاصيله بعد جاء بعد أيام قليلة من تفجير سيارة مفخخة في مدينة إعزاز، شمال حلب، وجهت أصابع الاتهام فيه إلى الجولاني، وبالتزامن مع حلّ "تجمع الشهباء" الموالي له في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ودمج تشكيلاته ضمن "الجبهة الشامية" المنضوية تحت "الجيش الوطني السوري" المموّل من تركيا، كذلك مع استمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط الجولاني في إدلب، وهو ما جدد التوقعات بأن إغلاق ملف العمالة بالطريقة السطحية التي اتّبعتها قيادة "هيئة تحرير الشام" سيؤدي إلى إشعال المنطقة بأحداث أمنية متصاعدة ولا سيما في ظل الانقسامات الحادّة التي ضربت صفوف الهيئة بسببه.
وذكرت مصادر ميداينة لـ "النهار العربي" أن صوت انفجار قوي دوّى بعد الساعة العاشرة من مساء الخميس في فيلا يقيم فيها أبو ماريا القحطاني في مدينة سرمدا في ريف إدلب، وأن القحطاني أصيب بجروح مع ثمانية أشخاص وفق إحصائية مبدئية، ليتم نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة.
وتضاربت المعلومات حول سبب التفجير بين رواية تبنّاها مناهضو الجولاني بأنه تمّ عبر تفجير عبوة ناسفة كانت مزروعة في سيف قُدِّم هدية للقحطاني مشيرين إلى تورط هيئة تحرير الشام في تنفيذه، ورواية ثانية تبنتها وسائل إعلام مقربة من "تحرير الشام" ذكرت أن الانفجار الذي أودى بحياة القحطاني كان بسبب تفجير انتحاري نفّذه أحد عناصر تنظيم "داعش".
وقد أصيب في التفجير يوسف الهجر، وهو قيادي بارز في "تحرير الشام"، ولم يُعرف سبب تواجده في مضافة القحطاني في سرمدا لحظة التفجير.
ويُعرف عن الهجر أنه كان من الأشخاص المقربين من تيار الشرقية الذي كان يقوده كل من أبو ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور، الرجل الثالث في الهيئة الذي انشق قبل حوالي شهرين. وذكرت معلومات سابقة أن الهجر المعروف بلقب أبو البراء الشامي كان يبذل جهوداً حثيثة لاحتواء تداعيات ملف العمالة.
وكان أبو يحيى الشامي أحد أشد المعارضين ل"تحرير الشام" قد ذكر في آب ( أغسطس) الماضي بعد أيام قليلة من افتضاح ملف العمالة أن أبن شقيق الهجر المعروف بلقب أبو الفاروق وكان مرافقاً للقحطاني هو من أدلى باعترافات تثبت بتورط الأخير في التواصل مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، وأن الهجر قام بتهريب قريبه من سجن الهيئة في ذلك الوقت.
واتّهم أبو أحمد زكور، واسمه الحقيقي جهاد عيسى الشيخ، الجولاني بتدبير عملية اغتيال القحطاني مشيراً إلى إرساله لثلاثة أشخاص بحوزتهم هدية عبارة عن سيف موضوع ضمن صندوق تبيّن أنه مفخخ، وتقدم أحد هؤلاء الأشخاص واضعاً السيف على طاولة أمام القحطاني حيث وقع الانفجار.
غير أن مؤسسة الأمجاد التابعة لـ"تحرير الشام" ذكرت أن مقتل القحطاني جاء بسبب تفجير حزام ناسف على يد عنصر تابع لتنظيم "داعش". وكانت المؤسسة نفسها قد نشرت قبل ساعة من ذلك صوراً تُظهر استقبال الجولاني لقيادة الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام، وقالت إن الاجتماع تناول مناقشة المستجدات العسكرية.
وعبّر الشيخ عبدالرزاق المهدي الذي يقود جزءاً كبيراً من المظاهرات ضد الجولاني عن خوفه من أن تكون عملية اغتيال القحطاني بداية لسلسلة اغتيالات ستشهدها المنطقة. وقال على قناته في تلغرام أن "الظاهر أن البعض لهم مصلحة في إدخال المحرر في دوامة وفوضى لخلط الأوراق.. فلن يتوقف الأمر باستهداف أبي ماريا ..بل سيتبعه استهداف الشخصيات المؤثرة والفاعلة في المحرر (المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية)".
وقد تزامن مقتل القحطاني مع إعلان "تجمع الشهباء" عن حلّ نفسه والاندماج ضمن صفوف الجيش الوطني السوري. وكان يُنظر إلى التجمع على أنه الذراع العسكري لهيئة تحرير الشام في تعزيز نفوذها في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، وكان من أبرز إنجازاته سيطرته على معبر حمرين مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد).
وسارعت "الجبهة الشامية" المهيمنة على الفيلق الثالث في "الجيش الوطني السوري" إلى إصدار بيان أكدت فيه دمج تشكيلات تجمع الشهباء ضمن صفوفها، وذكر البيان أنه "حرصاً على توحيد الجهود الثورية، وتنظيم العمل العسكري، تعلن الجبهة الشامية إدماج تشكيلات تجمع الشهباء الذي تمّ حلّه في مرتباتها".