وفق ما كان متوقعاً، نالت سوريا نصيبها في الردّ الإسرائيلي الذي لم يطل انتظاره، إذ تعرضت مواقع عسكرية في الجنوب السوري بالتزامن مع الهجوم على مواقع في محافظة أصفهان الإيرانية فجر الجمعة، لقصف عنيف من مقاتلات إسرائيلية استهدف كتيبة رادار إلى جانب ثلاثة مطارات عسكرية موزعة في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
ولم يخرج الردّ الإسرائيلي عن إطار التوقعات حول جنوح الأطراف كافة إلى التهدئة وتخفيف التوتر في المنطقة بعد ما بلغ التصعيد ذروته في أعقاب قيام إيران باستهداف إسرائيل بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية رداً على الهجوم الإسرائيلي الذي دمّر مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وأسفر عن مقتل عدد من جنرالات فيلق القدس. وكانت الخطوة الأولى في الجنوح نحو التهدئة قد تمثلت في التنسيق الدقيق الذي قامت به طهران قبيل تنفيذ هجومها النوعي من حيث انطلاقه لأول مرة من الأراضي الإيرانية وليس من دول الحلفاء في محور المقاومة، ويبدو أن تل أبيب واكبت هذه الخطوة من خلال تنفيذها ردّاً محدوداً لم يسفر عن أي خسائر بشرية كما لم يحدث أضراراً مادية كبيرة.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية في بيان، عن استهدافات طالت مواقع عسكرية، جنوبي سوريا. وأوضحت الوزارة في بيان نشرته عبر صفحتها في "فايسبوك" أن المواقع المستهدفة تتبع للدفاع الجوي من دون الخوض في تفاصيل إضافية.
واتهم البيان إسرائيل بشن الهجوم على المواقع العسكرية، باستخدام الصواريخ، مشيراً إلى اقتصار الهجوم على أضرار مادية.
وفي حين لم تعلن إسرائيل عن شن هجوم على مواقع عسكرية سورية، اكتفت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها صحيفة "جيروزاليم بوست" بنقل الخبر عن وسائل إعلام رسمية سورية.
وذكرت مصادر ميدانية سورية أن الغارات استهدفت مطارات عسكرية جنوبي سوريا، في محافظتي السويداء ودرعا. وشملت مطارات "الثعلة" و"عزرة" والثليجة".
وقالت مصادر مطلعة لشبكة "السويداء 24" المحلية، فجر الجمعة، إن قصفاً جوياً استهدف كتيبة الرادار التابعة لجيش النظام السوري بين منطقتي قرفا وإزرع في ريف درعا الشرقي، ما أدى إلى خسائر مادية.
وأضافت الشبكة أن هناك أنباءً غير مؤكدة عن قصف مطار الثعلة العسكري في الريف الغربي للسويداء، رغم سماع دوي انفجارات قوية في المنطقة.
ولفتت إلى أن سرباً من المقاتلات الحربية حلقت في أجواء محافظتي درعا والسويداء، وسمع السكان أصواتها بشكل قوي لمدة ربع ساعة تقريباً بعد أصوات الانفجارات.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن سماع دوي انفجارات عنيفة فجر الجمعة ناجمة عن استهداف جوي إسرائيلي بغارات استهدفت راداراً جوياً يقع بين مدينة إزرع وبلدة قرفا في ريف درعا الشرقي بعد أن رصد الطائرات الإسرائيلية التي دخلت الأجواء السورية باتجاه شرق سوريا، وسط تحليق للطيران الإسرائيلي في أجواء درعا، من دون أن تنطلق الدفاعات الجوية التابعة للقوات السورية للتصدي للضربة الإسرائيلية التي استهدفت الرادار، ومن دون ورود معلومات حتى اللحظة عن خسائر بشرية.
ويعتبر الجزء من الرد الإسرائيلي الذي شمل سورية أقلّ بكثير من التوقعات التي رجحت أن يشمل أهدافاً إيرانية في مناطق مختلفة من سوريا وهو الأمر الذي دفع الميليشيات الإيرانية إلى الاستنفار طوال الأيام الماضية تحسباً لذلك.
وكان "النهار العربي" قد أشار في تقرير سابق إلى برودة في الموقف السوري حول التعاطي مع التهديدات الإسرائيلية بالرد على هجوم إيران. وذكر أن مرّده الحقيقي يعود إلى سببين، الأول أنّ دمشق تدرك جيداً أنّ أي ردّ إسرائيلي سيكون ضدّ المواقع الإيرانية وليس ضدّ مواقع الجيش السوري. الثاني، إنّ استهداف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري أثبت بشكل مباشر أو غير مباشر بأنّ بنك الأهداف الإسرائيلية في سوريا قد وصل إلى ذروته، إن لم يكن قد استنفد بالكامل، فماذا يمكن لإسرائيل أن تضرب بعد ذلك، هل ستضرب مبنى السفارة الإيرانية أم ستضرب موقعاً سيادياً سورياً ذات طابع سياسي؟.
وبناءً على هذه المقاربة توقعت الأوساط السياسية في سوريا أن تكون أي ضربة إسرائيلية مقبلة أقل تأثيراً من استهداف مبنى القنصلية، وبالتالي فإنّه لن يكون من الحكمة إعطاء أهمية مبالغاً بها للردّ الإسرائيلي الذي سيجري تصويره، مهما بلغت شدّته، على أنّه عودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت سائدة قبل استهداف القنصلية الإيرانية.
وكان لافتاً ما أعلنه بعض المواقع السورية المعارضة عن عدم قيام مضادات الدفاع الجوي بالتصدي للمقاتلات والصواريخ الإسرائيلية، وهو ما حاولت بعض الجهات تفسيره على إنه إشارة على وجود تنسيق وضع السلطات السورية في صورة ما سوف تقوم إسرائيل باستهدافه وأنه لن يسبب أضراراً كبيرة.
غير أن ذلك لم يمنع جهات أخرى من التحذير بأن استهداف كتيبة الرادار والمطارات العسكرية قد يكون مجرد جولة تمهيدية حاولت إسرائيل من خلالها تحقيق هدفين: الأول، تحييد الرادرات السورية قبل تنفيذ هجوم آخر، وجس نبض رد الفعل السوري والإيراني. وقد سبق لإسرائيل أكثر من مرة أن اتبعت مثل هذا الأسلوب حيث كانت تقوم بتنفيذ غارات تمهيدية قبل قيام مقاتلاتها باستهداف المواقع الحيوية التي تريد ضربها في الداخل السوري.