النهار

سوريا: انتكاسة لمبادرة "المناطق الثّلاث"... درعا تنسحب احتجاجاً على العلمانيّة
المصدر: دمشق- النهار العربي
تعتبر درعا واحدة من المناطق الثلاث التي أسست مبادرة الوثيقة إلى جانب كلّ من ريف حلب والسويداء
سوريا: انتكاسة لمبادرة "المناطق الثّلاث"... درعا تنسحب احتجاجاً على العلمانيّة
من تظاهرات انطلاق الثورة السورية
A+   A-
بينما كان القائمون على مبادرة "وثيقة المناطق الثلاث" يأملون أن تشهد مبادرتهم انتشاراً أوسع، وأن تحظى بقبول شعبي أكبر، لا سيما بعد إعلان تكتل سياسي في الساحل السوري عن انضمامه إليها، فوجئ هؤلاء بوقوع أول تهديد قد يفضي في حال تفاعله إلى إجهاض هذه المبادرة. وتمثل التهديد بإعلان الشيخ أحمد الصياصنة، ممثّل محافظة درعا في الوثيقة، عن انسحابه منها بسبب ما قال إنه تحريف لاحق لبنود الوثيقة.
 
وفي تسجيل مصوّر نُشر السبت، قال الصياصنة، وهو خطيب الجامع العمري الشهير إبّان اندلاع الأزمة السورية، إن الوثيقة التي وقّع عليها تختلف في بنودها عن النسخة التي نُشرت أخيراً. وأضاف أن الوثيقة التي وقع عليها لم تكن تحدد هوية سوريا بـ”العلمانية”، بينما تظهر محددةً هوية البلد بهذا الشكل في نسخة أخرى. واعتبر أن الوثيقة التي صدرت أخيراً فيها "تحريف وتغيير وتبديل"، وهو ما قال إنه غير موافق عليه.
 
وأشار الصياصنة إلى أنه مع السوريين جميعاً، وليس مع طائفة أو حزب أو أيديولوجيا، معلناً سحب توقيعه عن الوثيقة.
 
وتعتبر درعا واحدة من المناطق الثلاث التي أسست مبادرة الوثيقة إلى جانب كلّ من ريف حلب والسويداء، ويعتبر انسحاب درعا من الوثيقة بمثابة انتكاسة قوية سيكون من الصعب على الطرفين الآخرين تجاوز تداعياتها بسهولة، وذلك لما لا تزال تمثّله المحافظة الجنوبية من رمزية عالية في وجدان المعارضين السوريين نتيجة الدور الذي قامت به في تفجير الأزمة السورية عام 2011 عبر تدشينها التظاهرات المناهضة للنظام السوري.
 
ما هي مبادرة المناطق الثلاث؟
في 8 من شهر آذار (مارس) الماضي، أعلن أكاديميون ومثقفون وناشطون في محافظات السويداء ودرعا وريف حلب عن إطلاق "وثيقة المناطق الثلاث"، تحت شعار "حيّ على الوطن"، بهدف توحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري، ومنع الانجرار نحو "الانفصالية والتعصبية".
 
الإعلان عن "وثيقة المناطق الثلاث"، وهي وثيقة سياسية مشتركة، جاء خلال وقفة أمام ضريح سلطان باشا الأطرش في بلدة القريّا في ريف السويداء، ورفع خلالها المشاركون علم الثورة السورية وشعارات تنادي بالحرية والكرامة.
 
وتقوم "مبادرة المناطق الثلاث" على خمسة مسارات أساسية هي “تأميم السياسة”، بهدف عدم تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، ويرتكز المسار الثاني على أن الحياة والحرية والأمان والكرامة حقوق مصانة للسوريين كلهم، ومناهضة كل خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروّج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار.
 
المسار الثالث يهدف إلى وحدة سوريا، ويؤكد أنها ليست دولة ملة أو طائفة أو جماعة عرقية أو حزب أو تيار سياسي، بل هي دولة تحتضن أبناءها كلهم من دون استثناء، ولا يمكن أن تتحقق الوطنية السورية على أساس الانطواء المحلي.
 
المسار الرابع يقوم على التنسيق والحوار والعمل المشترك، وبناء شبكات ثقة بين السوريين عابرة للمناطق والطوائف والعصبيات، أما المسار الخامس فيشدد على أن الثقة هي أداة تأسيس سياسية تؤطر الاجتماع الوطني، وأن وحدة السوريين في كثرتهم.
 
الجولان ينضم سريعاً
بعد أيام على تأسيس “مبادرة المناطق الثلاث”، أصدر تجمع “الحراك الوطني الديموقراطي” في الجولان السوري المحتل و”الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان، بيانين متزامنين جدّدا فيهما موقفهما الداعم للثورة السورية، وأعربا عن تأييدهما ”وثيقة المناطق الثلاث”.
 
وقال “الحراك الوطني الديموقراطي” في الجولان، في 21 آذار الماضي، إن “وثيقة المناطق الثلاث” جاءت لتقطع الطريق على كل المشاريع المشبوهة، ولتعلن بصوت عالٍ وواثق أن سوريا للسوريين وهم أصحاب القرار في وطنهم، مؤكدين رفض تسليم القضية السورية إلى قوى أجنبية أو ميليشيات أو جماعات حزبية.
 
أما “الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان فشدد على ضرورة التمسك بـ”وثيقة المناطق الثلاث”، لما ترمز إليه من تلاقٍ وطني سوري عابر للمناطق والطوائف، والتمسك بوحدة الشعب السوري ووحدة سوريا، وبوحدة المطالب التي يناضل لأجلها الشعب السوري منذ عام 2011 بوجه الظلم والقتل والاعتقال والتعسف.
 
الساحل السوري يلتحق بقافلة المبادرة
 وبعد شهر من تأسيس المبادرة، أعلن "تجمع العمل الوطني" في الساحل السوري انضمامه إلى “مبادرة المناطق الثلاث”، لتُصبح وثيقة تضم خمس مناطق هي ريف حلب الشمالي، والسويداء، ودرعا، والجولان، والساحل السوري.
 
وذكر تجمع الساحل في بيانه، “نتطلع إلى استكمال النقاش الدائر لانضمام مناطق سورية أخرى على امتداد الأرض السورية إلى المبادرة، تمهيداً لبدء المرحلة الثانية من هذا المشروع السياسي الواعد الذي يبني قوته بالتنسيق والثقة والعمل الوطني العقلاني المشترك، بما يعزز عودة السياسة إلى المجتمع، وصولاً إلى تثبيت ملكيتها بيد الشعب ومنع احتكار ممارستها أو حصرها بجهة محددة دون غيرها".
 
وأفاد الدكتور محمد الأحمد بأن “الأهمية المستقبلية في مبادرة المناطق الثلاث، أن تنضم لها جميع المناطق السورية، وبالتالي تكتمل الهوية الجغرافية، ويجتمع السوريون في نهاية المطاف على هوية وطنية وقضية واحدة، هي النضال ضد الأسد واستئثار فئة حاكمة بالبلاد واستمرارها بالقتل، ومنع تحقيق طموحات السوريين بدولة الحرية والعدالة والمواطنة"، وذلك في حديث له مع موقع "عنب بلدي" السوري المعارض.
 
في السياق ذاته، قال محمد صبرا لـ"عنب بلدي"، إن انضمام تجمع الساحل إلى ”وثيقة المناطق الثلاث”، هو التعبير الأصدق عن استعادة نضال أبناء الساحل في وجه الدكتاتورية والاستبداد إلى حيزه الوطني وفضائه العمومي السوري، مضيفاً: “نأمل توسيع قاعدة التأييد لوثيقة المناطق الثلاث بحيث تشمل كل بقاع الوطن، باعتبارها وثيقة جامعة تهدف إلى انخراط السوريين في صوغ مستقبلهم على أساس التشاركية والتواصل وبناء الثقة”.
 
وحول التفاعل الشعبي مع “وثيقة المناطق الثلاث”، قال المحامي صبرا: “لمسنا الكثير من الأصداء الإيجابية في كل مناطق سوريا”، وربما كانت بعض المناطق قادرة على التعبير عن تلقيها الإيجابي وتفاعلها مع المبادرة، بينما كانت هناك مناطق أخرى لا تستطيع التعبير العلني عن هذا الأمر، بسبب قوى الأمر الواقع التي تحكم أجزاءً كبيرة من سوريا، سواء في مناطق النظام، أم في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوى أمر واقع مختلفة.
 
الدكتور محمد الأحمد أشار إلى أنه كان هناك التفاف كبير وتأييد حقيقي لـ”وثيقة المناطق الثلاث”، وقال: “هناك أسماء كبيرة انضمت إلى المبادرة، ولكن لا نريد الإعلان عن الأسماء إلا في الوقت المناسب".
 
ولكن على ما يبدو فإن انسحاب الشيخ أحمد الصياصنة من المبادرة سيكون له تأثير كبير على هذه الأجواء الإيجابية، وربما يؤدي إلى إجهاض المبادرة برمّتها، لا سيما أن سبب الانسحاب هو رفضه مصطلح العلمانية الذي يمكن اعتباره السقف الوحيد الجامع في بلد يعاني من تعدد طوائفه ومذاهبه.


 

اقرأ في النهار Premium