أصدر الرئيس السوري بشار الأسد أخيراً، قانوناً يقضي بإعادة إحداث وزارة الإعلام ،بعدما تجاوزت التطورات التقنية والسياسية والاجتماعية التي شهدتها سوريا خصوصاً والعالم عموماً، المقتضيات التي بُني عليها المرسوم القديم لعام 1961. وأصبح الواقع يفرض على وزارة الإعلام القيام بمهمّات جديدة، وأن تتبع في عملها أساليب وأدوات مختلفة أكثر تطوراً.
ورغم أنّ مشروع القانون استغرق وقتاً طويلاً قبل إصداره، غير أنّ ذلك لم ينجح في تبديد أجواء التشاؤم التي خيّمت على الوسط الإعلامي السوري، بسبب الخشية من أن يكون القانون الجديد مجرد وسيلة للتضييق أكثر على وسائل الإعلام، وتعريض الصحافيين لمخاطر الاعتقال والملاحقة، تحت ذرائع واتهامات مختلفة بالشكل والاسم فقط.
وبعد عامين من إقراره في مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2022، أقرّ مجلس الشعب مشروع القانون في 8 آذار (مارس) الماضي، وسط انتقادات كثيرة أدلى بها كبار الإعلاميين السوريين الموالين، بمن فيهم وضاح عبدربه رئيس تحرير صحيفة "الوطن" المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار في دمشق. لكن هذه الانتقادات لم تجد طريقها إلى "الجهة المعنية" التي كانت مشغولة بانتقادات مختلفة تؤثر على درجة إمساكها بخيوط الإعلام في سوريا، إذ أعادت رئاسة الجمهورية مشروع القانون إلى مجلس الشعب، بسبب مخالفته الدستور في المادة التي جعلت وزير الإعلام هو واضع السياسات الإعلامية، مشيرة إلى أنّ مهمّات رسم السياسات من اختصاص رئاسة الجمهورية، وهو ما أقرّه القانون الجديد الذي صدر أمس الثلثاء.
وينص المرسوم الذي نشرت نصّه الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، في مادته الرابعة، على أنّ مهمّات الوزارة تتجلّى في وضع أسس وضوابط كفيلة بتنظيم قطاع الإعلام، وتحفيز المنافسة العادلة له، ومتابعتها.
ومن مهمّات الوزارة، التعاون والمشاركة في القطاعين العام والخاص، للاستثمار في قطاع الإعلام والإنتاج الدرامي، والأفلام الوثائقية، وفق القوانين والأنظمة النافذة، بالإضافة إلى التواصل مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية لإيصال سياسة سوريا إلى الرأي العام العالمي، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تعاون في المجالات الإعلامية، وتدريب كوادر الوزارة.
كما يفترض أن تتولّى الوزارة إجراء البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي الإعلامية، والعمل على تطوير صناعة الإعلانات والخدمات الطباعية وتوزيع المطبوعات، وإنتاج إعلام إلكتروني متنوع وتفاعلي، وتعزيز المحتوى الرقمي الوطني على الإنترنت.
ومن مهمّاتها أيضًا، تنظيم عمل وسائل الإعلام العربية والأجنبية، واعتماد المراسلين وزيارات الوفود الإعلامية العربية والأجنبية، ومتابعة المحتوى الإعلامي للمطبوعات الدورية وغير الدورية الداخلة إلى سوريا، وتوزيعها بعد التحقق من التزامها القوانين والأنظمة النافذة.
كما يقع على عاتق الوزارة الترخيص لوسائل الإعلام، وتنظيم عمل دور النشر ومراكز التدريب الإعلامية وشركات الخدمات الإعلامية ومنحها التراخيص اللازمة.
وضمن القانون الجديد تمّ إقرار تشكيل "اللجنة الوطنية للدراما". ووفق المرسوم الذي نقلته "سانا"، فإنّ اللجنة تُشكّل بقرار من وزير الإعلام وتكون برئاسة معاونه المختص، ويتمّ اختيار أعضائها من الجهات المعنية بالإنتاج الدرامي والتلفزيوني، والأفلام الوثائقية والتلفزيونية السينمائية في القطاع العام والاتحادات والنقابات.
وتتولّى هذه اللجنة وضع السياسات العامة للإنتاج الدرامي والأفلام الوثائقية والتلفزيونية السينمائية بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية، بالإضافة إلى تلقّي النصوص والأعمال الدرامية الواردة إلى الوزارة والمراد إنتاجها أو بيعها أو تصديرها.
كما تتولّى اللجنة تقييم الأعمال الدرامية الواردة إليها ومشاهدتها، والإقرار النهائي لصلاحية إنتاجها بعد تلقّي نتائج تقييمها من القراء، بالإضافة إلى النظر في الكتب والتعهدات المكتوبة والاعتراضات المقدمة من شركات الإنتاج الدرامي بخصوص رفض أو تعديل النصوص أو الأعمال.
ومن مهمّاتها أيضًا، منح إذن التصدير للأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية بعد إقرارها نصًا ومشاهدة، وتقييم الأعمال الدرامية المنتجة خارجيًا، ومدى صلاحية عرضها محليًا، مع اقتراح الأنظمة والإجراءات الخاصة المتعلقة بعمل “اللجنة”.
ويأتي قرار إحداث اللجنة في الوقت الذي تتصاعد فيه ما يعتبرها المشاهدون حالة جرأة في الطرح، بشقين، اجتماعي وسياسي، وهي حالة بدأت تعبّر عن نفسها بوضوح خلال المواسم الدرامية الثلاثة الماضية (2022-2023-2024)، وفق ما ذكر تقرير صادر عن شبكة "عنب بلدي" السورية المعارضة.
ويمنح المرسوم وزارة الإعلام البديلة من المحدثة عام 1961 دورًا إشرافيًا ورقابيًا على الدراما السورية.
وأضاف المصدر السابق أنّه "لا تبدو غريبة محاولة النظام لجم الصناعة الدرامية، بعد هذه المواسم الدرامية، إذ جرى عرض مجموعة أعمال محلية بعضها مصور في العاصمة دمشق، وتناولت قضايا معاصرة ومستقاة من الواقع السوري، كالواسطة والفساد والمحسوبية والرشوة، وتحكّم فئات معيّنة بموارد الدولة واقتصادها وقرارها، وحالة الفوضى التي تبدّت بشكل جليّ خلال السنوات الأخيرة.
هذه الأعمال لاقى بعضها قبولًا وانتشارًا جماهيريًا واسعًا خلال فترة العرض، ولم تسلم من انتقادات ومحاولات لـ”إعادة التوجيه” من قبل بعض مسؤولي النظام حينها، إذ أقامت وزارة الإعلام ولجنة صناعة السينما والتلفزيون، في 31 تموز (يوليو) 2022، ورشة عمل بعنوان “الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية”.
وقد سبق أن أبدى الأمين العام المساعد لحزب “البعث”، هلال الهلال، اعتراضه على المنتج الدرامي السوري خلال 2022، معتبرًا أنّه يحطم المجتمع في بلد صمد عشر سنوات، ويصوّر سوريا كغابة تعج بالفوضى والفساد، وهذا التصوير غير صحيح بالمطلق، وفق رأيه.
ويتخوف كثير من الإعلاميين والصحافيين أن تكون مسألة إقرار إحداث الوزارة الجديدة عملية هيكلة لا تعني نسف الوزارة القديمة، مع زيادة صلاحيات الوزارة الجديدة وتغوّلها على وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. ويشير هؤلاء إلى أنّه لا تأثيرات إيجابية مستقبلية قد يثمر عنها إحداث الوزارة، وعلى العكس، قد تشكّل زيادة في إطلاق تبريرات لاعتقال أي صوت يشذّ عن رواية السلطة الرسمية، وليس بالضرورة أن يكون معارضًا.
وكما كانت اتهامات “وهن عزيمة الأمة” و”إضعاف الشعور القومي” ذريعة للاعتقال، فالبنود الواردة في مشروع القرار كفيلة بتضييق الخناق أكثر، ومعاقبة من لا يتماشى مع “التغيير”.