شهدت صفوف "فرقة المعتصم" العاملة تحت لواء "الفيلق الثاني" في "الجيش الوطني السوري" الممول من تركيا، انقلاباً عسكرياً ضدّ قيادتها الممثلة بمعتصم عباس، وقاد الانقلاب القياديان في الفرقة رئيس المكتب السياسي مصطفي سيجري، والفاروق أبو بكر الذي انتقل إلى الفرقة من صفوف "أحرار الشام" قبل سنوات. وكانت الفرقة من أبرز الفصائل العسكرية المحسوبة على الولايات المتحدة في الشمال السوري حتى عام 2017، وكانت تتلقّى دعماً مالياً وعسكرياً من البنتاغون، قبل أن تختار واشنطن ترجيح كفّة القوات الكردية والتحالف معها في الحرب ضدّ تنظيم "داعش".
وبعد كثير من الشدّ والجذب والتقلّبات من تحت الطاولة في كواليس الفرقة، اندلعت مساء أمس اشتباكات عنيفة بين قائد الفرقة ومرافقيه من جهة، وشخصيات من مجلس قيادة الفرقة من جهة أخرى، داخل مقر أركان الفصيل في قرية أرشاف قرب بلدة أخترين شمال حلب. وأسفرت الاشتباكات التي قادها الفاروق أبو بكر واسمه الحقيقي علاء الدين أيوب، عن اعتقال معتصم عباس وعدد من مرافقيه الذين أفادت مصادر ميدانية أنّه تمّ نقلهم إلى بلدة حوار كلس.
أعقب الاشتباكات بوقت قصير صدور بيان عن شخصيات قيادية في "فرقة المعتصم" برئاسة مصطفى سيجري، أعلن فيه عزل عباس من منصبه في قيادة الفرقة، وإحالته مع رفاقه المعتقلين إلى التحقيق بتهمة الفساد.
وورد في البيان الذي نشره سيجري على حسابه في منصة "إكس"، أنّه "استناداً إلى صلاحيات المجلس العسكري للفرقة الثالثة في الفيلق الثاني (فرقة المعتصم)، والمنصوص عليها في النظام الداخلي، تقرّر عزل المدعو معتصم عباس من قيادة الفرقة وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام".
وأشار البيان إلى إحالة كل من أحمد عباس ومفيد عباس ومحمد عباس وفؤاد عباس للتحقيق الداخلي بتهمة "استغلال النفوذ العسكري والأمني وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام".
ونص البيان على "مصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لكل من (معتصم عباس - أحمد عباس - مفيد عباس - محمد عباس - فؤاد عباس، والمسجّلة بعد عام 2011).
ودعا البيان وزارة الدفاع في الحكومة السورية الموقتة إلى تشكيل لجنة خاصة للاطلاع على "موجبات القرارات الصادرة عن المجلس العسكري للفرقة، والإشراف على التحقيقات الداخلية".
وجاء البيان، بعد معلومات عن توتر عسكري ضمن مكونات "فرقة المعتصم"، على خلفية محاولة قيادة الفرقة ممثلة بالمعتصم عباس، اعتقال القياديين الفاروق أبو بكر ومصطفى سيجري في مقر الأكاديمية العسكرية في بلدة أخترين، وانتشرت أنباء عن انشقاقات ضمن مكونات الفرقة، أفضت الى اعتقال قائدها "المعتصم" ومجموعة من مرافقيه، بحسب تقرير لشبكة "شام" الإخبارية المعارضة.
وقبل يومين تحدثت بعض المعرّفات على موقع "تلغرام" عن أجواء مشحونة تسود في كواليس "فرقة المعتصم". وأشار المعرّف "أبو هادي" وهو من الحسابات المعروفة بتسريب معلومات شبه موثوقة حول الفصائل في الشمال السوري، إلى أنّ "لواء الوقاص وبعض التشكيلات العسكرية في مدينة مارع تستنفر وترفع الجاهزية العسكرية، بعد ورود معلومات عن اتفاق معتصم عباس مع عصابة الجولاني لمساندته وإرسال أمنيين من "هتش" (هيئة تحرير الشام) لاغتيال شخصيات عسكرية ومدنية من المدينة، وأبرز تلك الشخصيات كل من: خطاب الصفوة، بشير الحجي، سعد عباس، أبو عبدو العك، واتهم "أبو هادي" معتصم عباس بجرّ مدينة مارع للخراب والفوضى إن لم يتمّ إيقافه ووضع حدّ لتصرفاته العبثية"، وفق قوله.
والمفارقة أنّ مصطفى سيجري كان من بين القيادات التي حاولت التقرب من الجولاني في المرحلة الماضية، حتى أنّه حضر منتدى لشخصيات إعلامية وثورية في إدلب العام الماضي، ولكن على ما يبدو فإنّ التطورات التي حدثت في "هيئة تحرير الشام" على خلفية اندلاع أزمة العملاء داخلها، دفعت سيجري إلى تغيير حساباته أو ربما تغيير أسلوب عمله فقط.
وتزامن الانقلاب في "فرقة المعتصم" مع جهود تبذلها تركيا منذ أشهر من أجل إعادة هيكلة الفصائل العسكرية المتحالفة معها، وهو ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأنّ ما جرى في الفرقة كان لخدمة الأجندة التركية التي لم تكن تنظر بعين الطمأنينة إلى كل الفصائل التي كانت تعمل مع البنتاغون، قبل أن تتولّى أنقرة احتكار ملف الشمال السوري.
وكان مصطفى سيجري من ضمن وفد من قيادات الفصائل زار واشنطن عام 2018 لبحث قضايا عدة تتعلق بالملف السوري أبرزها: مواجهة الميليشيات الإيرانية وطردها من سوريا، واستئناف الدعم لفصائل “الجيش الحر”. إضافة إلى تمكين الحكومة السورية الموقتة في المناطق المحررة، واستمرار التعاون في الحرب على الإرهاب.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت، في 22 تموز (يوليو) 2017، إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية المعني بتسليح فصائل المعارضة السورية، والذي أطلقته الوكالة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.