النهار

تجميد استثمار مطار دمشق صفعة لطموحات إيرانية
المصدر: دمشق "النهار العربي"
تتوالى المؤشرات الصادرة عن السياسة السورية حول مساعٍ تبذلها دمشق كي تتبنّى منهجاً أكثر توازناً بين الاتجاهات الإقليمية والدولية التي بات الملف السوريّ يدور في مساراتها الإلزامية
تجميد استثمار مطار دمشق صفعة لطموحات إيرانية
رئيس الوزراء السوري يتفقد آثار ضربة جوية لمطار دمشق العام الماضي
A+   A-

تتوالى المؤشرات الصادرة عن السياسة السورية حول مساعٍ تبذلها دمشق كي تتبنّى منهجاً أكثر توازناً بين الاتجاهات الإقليمية والدولية التي بات الملف السوريّ يدور في مساراتها الإلزامية، ولا سيما بعد اندلاع حرب غزة وما تطورت إليه لاحقاً من احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران؛ في أعقاب ردّ إيران على قصف قنصليتها في دمشق وردّ إسرائيل على الردّ الإيراني.

 

وانطلقت أولى المؤشرات من نأي دمشق الملحوظ بنفسها عن تداعيات حرب غزة، والحرص على عدم الانخراط فيها أو التأثّر بتداعياتها، ثم تبدّى ذلك في "البرودة" الواضحة التي أبدتها دمشق إزاء قصف القنصلية الإيرانية، وتلا ذلك حديث الرئيس السوري بشار الأسد عن لقاءات مع الجانب الأميركي، حتى وإن ظلّت هذه اللقاءات من دون نتيجة، إلّا أنّ مجرد الإعلان عنها حمل رسالة إلى إيران وروسيا بأنّ دمشق لم تتخلّ عن مسعاها لفتح قناة اتصال مع الغرب.

 

وفي هذا السياق، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام خبر وضع استثمار مطار دمشق "في الثلاجة"، بعد أقل من عام على إعلان وزارة النقل وضعه على سكّة "قطار التشاركية"، في التفاف واضح على مصطلح التخصيص الذي تتجنّب الحكومة السورية استخدامه. إذ أنّه منذ الإعلان عن عرض مطار دمشق الدولي للاستثمار الصيف الماضي، سادت توقعات بأن يكون للمصالح الإيرانية دور كبير في اتخاذ هذه الخطوة، لما يمثله المطار من أهمية قصوى لطهران في نقل الإمدادات والأسلحة، وبخاصة في ظل الاستهداف المتواصل للمعبر البري بين العراق وسوريا.

 

غموض واسع

وبعد توقّف أعمال اللجنة المختصة بمتابعة ملف استثمار المطار لبضعة أشهر، أفاد يوم الأربعاء مصدر في وزارة النقل السورية، أنّ موضوع استثمار مطار دمشق الدولي لا يزال قيد الطي، وفق ما نشر موقع "هاشتاغ سوريا" المحلي.

 

وأوضح المصدر أنّ هنالك العديد من الأسباب غير الواضحة كلياً، والتي أدّت لتأجيل البت في قضية استثمار مطار دمشق الدولي، من بينها استمرار الاعتداءات الإسرائيلية التي أدّت لخروج المطار عن الخدمة مرات عدة.

ومن بين الأسباب أيضاً، وفقاً للمصدر، عدم وضوح أي خطة استثمارية من قبل الشركات التي قدّمت العروض، فضلاً عن تأجيل دراسة عروض أخرى نتيجةً لتطورات متلاحقة عاشتها البلاد.

 

وذكر المصدر أنّ الحكومة السورية باتت تعتبر استثمار مطار دمشق الدولي قضية تتطلّب التريّث قليلاً، لاسيما في ظل صراع القوى الذي تعيشه المنطقة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

 

وكانت وسائل إعلام سورية موالية قد كشفت في شهر تموز (يوليو) الماضي عن خطة لمنح 49% من مطار دمشق الدولي كاستثمار لصالح شركة خاصة، ضمن خطة الحكومة السورية للتشارك مع القطاع الخاص في العديد من المجالات، نتيجة عجزها عن تطوير المنشآت العامة أو الإنفاق عليها.

 

ووفقاً للوزارة، فإنّ دراسات وصيغ قانونية يتمّ إعدادها لتنظيم العقود مع شركة خاصة لم يُكشف عن هويتها بعد، ودخولها كشريك مع مؤسسة الطيران العربية السورية في إدارة وتشغيل مطار دمشق بعملياته الجوية والأرضية.

 

ونقلت جريدة "البعث" الرسمية في حينه عن مصادر في وزارة النقل، أنّ العقود ستلزم الشركة الخاصة بالعمل وفق قوانين الطيران المدني التي تتبعها الوزارة، إضافة لتنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران وفتح فروع داخل وخارج سوريا.

 

 

شركة مثيرة

وكشفت الصحيفة ذاتها في تقرير لاحق، أنّ الشركة التي تمّ التعاقد معها لاستثمار مطار دمشق تحمل اسم "إيلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة". وقد توصلت مواقع سورية معارضة إلى معلومات حول طبيعة هذه الشركة والأشخاص الذين يقفون وراءها وعلاقاتهم وارتباطاتهم.

 

وذكرت شبكة "راصد" أنّ اثنين من المالكين وهما راميا وعلي ديب، يرتبطان بعلاقة قربى مع اللواء ناصر ديب مؤسس شركة "سند" للحماية الأمنية، وكذلك مع علي نجيب إبراهيم الواجهة الاقتصادية ليسار إبراهيم الذي يشكّل بدوره بحسب "الراصد" واجهة تحالف القصر مع شركات إيرانية تحاول الاستحواذ على كل المفاصل الحيوية في سوريا، في حين يحوز ابراهيم على صفة مساعد الرئيس السوري وهو من مواليد عام 1982.

 

وبحسب تقرير سابق أجرته "مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد" و"مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، فإنّ هنالك ارتباطاً وثيقاً بين يسار ابراهيم والحرس الثوري الإيراني، تجلّى بشراكات اقتصادية عدة، كشركة "أرابيان بزنيس كومباني" التي أسسها الأخير في السوق الحرة والتي تملك 52% من أسهمها شركة "تيومان غولدن تايغر" الماليزية، والتي تعود ملكيتها الحقيقية لضابط إيراني في الحرس الثوري.

 

غير أنّ الأمور لم تجر كما كان مخططاً لها على ما يبدو، إذ تدخّلت جهات أخرى ونجحت في التشويش على استكمال صفقة الاستثمار مع الشركة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. ولم يستبعد مراقبون سوريون أن تكون روسيا وراء محاولة إجهاض تمرير صفقة الاستثمار، كونها تخوض منافسات خفية مع الجانب الإيراني حول حصة كل منهما في كعكة النفوذ في سوريا.

 

 

وقد كان لافتاً أن يشهد التلفزيون السوري حدوث هفوة مثيرة بعد أيام قليلة من الإعلان عن عرض مطار دمشق للاستثمار، ومثل هذه الهفوات النادرة لا يمكن أن تحدث في سوريا على سبيل الصدفة؛ بل لا بدّ أن تقف وراءها جهات لها نفوذ كبير وتعمل لتأمين مصالح حلفاء.

وحدثت الهفوة في حلقة من برنامج "الكابتن"، وهو برنامج رياضي أساساً، ولكن الحلقة الأخيرة كانت مخصّصة لبحث مسألة التخصيص وتأثيرها على الجانب الرياضي. وأثناء قراءة مقدّم البرنامج الإعلامي السوري محمد الخطيب، لخبر عرض مطار دمشق للاستثمار، كما نقلته في وقت سابق جريدة "البعث"، فوجئ في نهاية النص بجملة "غير طبيعية"، فرفض قراءتها وأشاح بوجهه عن الشاشة وهو يقول "غلط، نحن ناقلين الخبر غلط".

 

وكانت الجملة تتحدث عن عدم معرفة هوية الشركة الخاصة التي ستتولّى استثمار مطار دمشق، "في ظلّ السيطرة الإيرانية والروسية على المناطق الحكومية". وقالت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في بيان منشور على صفحتها في "فايسبوك"، إنّه "تمّ إيقاف برنامج "الكابتن" إلى حين الانتهاء من التحقيق في محتوى خبر خاطئ، ورد في حلقة الأربعاء الماضي على قناة "دراما"، وستتمّ معاقبة المسؤولين عن ذلك بموجب نتائج التحقيق".

 

وحُذفت الحلقة أيضاً من لوائح قناة "سوريا دراما" ومن المنصّات التي تعرض برنامج "الكابتن"، وتمّ نشر مقتطفات منها من دون أن تتضمن العبارة المذكورة.

 

وعلّق مراسل قناة "المنار" اللبنانية في سوريا، سومر حاتم، على الحادثة بالقول: "لا أتعاطف مع الزميل الذي أخطأ، ولا أعطي رأيي المهني بالذي حدث، لأنّه قاسٍ جداً. لكني متأكّد أنّ ما حصل هو أكبر من خطأ أو هفوة، وبالتأكيد يتحمّل فريق البرنامج كامل المسؤولية وليس فقط المعدّ".

 

ونقل "النهار العربي" في حينه عن مصادر سورية، أنّه قد تكون هناك جهات داخلية وربما بإيعاز من جهات خارجية، أرادت التشويش على صفقة استثمار مطار دمشق، لاسيما بعدما تزايدت الشكوك بأنّ الشركة التي قد تتولّى الاستثمار تحمل الجنسية الإيرانية، وربما هذا لا يناسب بعض الأطراف الفاعلة في سوريا، ولا ينسجم مع مصالح العديد من الدول العربية التي أعادت تطبيع علاقاتها مع دمشق، على أمل أن يخفف ذلك من النفوذ الإيراني فيها.

 

اقرأ في النهار Premium